Dr. Abdulaziz Sager

العالم الإسلامي بعد 6 سنوات من أحداث 11 سبتمبر: الإرهاب في باكستان وإندونيسيا والعـــــــــراق

من المعروف أن العمليات الإرهابية ضد أهداف أمريكية، عسكرية ومدنية، لم تبدأ في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، بل إن هناك تاريخاً طويلاً لتلك العمليات يتجاوز العقود الأربعة الماضية، إذ يعود إلى مستهل أعوام الستينات من القرن الماضي، حين برزت ظاهرة استهداف المؤسسات الأمريكية من قبل جماعات إرهابية مختلفة في مشاربها العقائدية وانتماءاتها المذهبية والدينية والعرقية، ولم يكن للمسلمين أو لمن يتظلل بعباءة الدين الإسلامي إلا النصيب اليسير منها. وجاءت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر لتغير جذرياً معالم وأسس العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي. فقد صوّر الحدث على أنه اعتداء المسلمين على أرض الولايات المتحدة وشعبها. وبرز مصطلح (الإرهاب الإسلامي) ومفهوم الدول الإسلامية (الراعية للإرهاب) في اللغة اليومية للمسؤولين في الولايات المتحدة، إلى جانب استخدام المصطلح على نحو واسع في الصحافة الأمريكية والغربية بصورة عامة. وفي هذا السياق، قامت أسس التعامل على إدانة الدين الإسلامي، وليس على إدانة من استخدم الإسلام لتبرير عملياته الإرهابية، أو من يدعي التدين أو الانتماء إلى الدين الإسلامي. وانتشرت عقدة الخوف أو (الفوبيا) من كل ما له صلة بالدين الإسلامي. وبدأت ـ وبصورة منسقة ـ حملة الهجوم على الإسلام من كل حدب وصوب من دون أدلة أو مبرر. وقد كان هذا بداية لعملية (إرهاب المسلمين)، وشن حرب شعواء على الإسلام.

من قام وروّج للحرب ضد الإسلام لم يكن يعلم أن الإسلام كعقيدة سماوية تعرّض للهجوم وحملات واسعة من التشكيك منذ ظهوره، ولم يكن يعلم أيضاً أن الإسلام صمد أكثر من ألف وأربعمائة عام أمام هجمات عاتية وحروب شرسة لكونه عقيدة إلهية متكاملة وصحيحة تقوم على العدل والمساواة والالتزام بمبدأ الشورى والالتزام باحترام كرامة الإنسان، بغض النظر عن دينه أو عرقه أو لونه، ولم يكن يعلم أن الحرب غير المنطقية أو المبررة على الإسلام ستساعد على تصعيد ردّات الفعل العنيفة وليس على وأدها، ولم يكن يعلم كذلك أن هناك، من بين من يتظلل بعباءة الإسلام، وهم كثر، من استبشر خيراً بهذه الحرب غير المنصفة لأنها ستكون الأداة الأساسية التي ستُستغل في تبرير حربه غير المنصفة على مجتمعاته الإسلامية المعتدلة، وحتماً على الولايات المتحدة وحلفائها، وخاصة أن واشنطن رفعت شعار محاربة الإرهاب الإسلامي، فيما درج المتطرفون والإرهابيون على وضع كل ما يحلو لهم تحت عباءة الإسلام.

وبعد مرور ست سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي ترتب عليها إطلاق الحرب الأمريكية المعلنة على الإرهاب، نجد أن الحصيلة المؤكدة للسياسة الأمريكية الخاطئة تجاه المنطقة هي أن عدد من يوصمون بـ (الإرهابيين) تضاعف عدة مرات في فترة قياسية، مقارنة بما كانت الحال عليه قبل الحادي عشر من سبتمبر؛ كما اتسع النطاق الجغرافي للعمليات الإرهابية على نحو غير مسبوق، إذ أصبحت تنتشر على نطاق عالمي، بحيث أصبحنا في عصر (الإرهاب المعولم)، الذي يمتد من مومباسا في إفريقيا إلى بالي في إندونيسيا، ومن لندن ومدريد إلى اليمن، ومن باكستان وتركيا إلى الدار البيضاء. ناهيك عن التطور الكبير في طبيعة العمليات الإرهابية من حيث الأساليب المستخدمة في تنفيذها ودرجة شدتها وحجم ضحاياها.

ومنذ الحادي عشر من سبتمبر حتى اليوم، تزايدت الأنشطة الإرهابية في دول لم يكن هذا وضعها في السابق. وهنا نشير، وبصورة واضحة، إلى العمليات الإرهابية التي جرت ـ وتجري ـ في كلٍّ من إندونيسيا وباكستان والعراق، وهي ثلاث دول إسلامية لا تجمعها الجغرافيا، وتفرقها طبيعة مجتمعاتها المختلفة جذرياً من عادات وتقاليد وأسلوب حياة ومعيشة، ولكن وحَّدها أمر واحد؛ هو أنها أمست ساحات للنشاطات الإرهابية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

 

 

 

إندونيسيا

شهدت جزيرة بالي الإندونيسية يوم 12 أكتوبر عام 2002 واحدة من كبرى العمليات الإرهابية في تاريخ منطقة جنوب شرق آسيا، حيث قُتل ما يقرب من 250 شخصاً، إلى جانب سقوط أضعاف هذا الرقم من الجرحى والمصابين. وجاء الاعتداء في هيئة ثلاثة تفجيرات إرهابية متزامنة هزت المنتجعات السياحية في هذه الجزيرة الآمنة، التي يرتادها في الأغلب سياح أجانب من أستراليا ونيوزيلندا وبعض الدول الأوروبية. وقبل هذا التاريخ وبعده، شهدت المدن الإندونيسية سلسلة من الهجمات الإرهابية التي تم تكثيفها، لاسيما خلال الفترة الممتدة من عام 2002 حتى عام 2005، التي شهدت أعنف النشاطات الإرهابية وبمعدل لا يقل عن أربع عمليات إرهابية لكل عام، من ضمنها عمليات انتحارية متعددة. وكانت الهجمات الإرهابية قد استهدفت إضافةً إلى المنتجعات السياحية أهدافاً مهمة، كفنادق الدرجة الأولى وصالة المسافرين في مطار العاصمة، ومقر البرلمان ومكاتب المنظمات الدولية ومقار البعثات الدبلوماسية، بالإضافة إلى سلسلة من الهجمات على بيوت العبادة من مساجد وكنائس، ومراكز التسوق في المدن الكبرى.

وبلغ التحدي الذي تمثله التنظيمات الإرهابية مداه بإعادة مهاجمة المنتجعات السياحية في جزيرة بالي في الأول من أكتوبر عام 2005، أي قبل أحد عشر يوماً فقط من الذكرى الثالثة للهجوم الأول. وكان الهجوم الثاني قد أوقع 32 قتيلاً وأكثر من مائة جريح. وتمثل رد فعل السلطات الإندونيسية بالعمل الجدي من أجل محاولة تفكيك تنظيمات (الجماعة الإسلامية) الإندونيسية التي اتُّهمت بالوقوف وراء معظم الهجمات الإرهابية، إذ تم اعتقال القيادات الدينية والميدانية للجماعة. وجرت محاكمة عدد كبير من قيادات التنظيم وعناصره، وصدرت عدة أحكام بهذا الشأن، من ضمنها أحكام بالإعدام على قيادات الحركة ومخططي الهجمات الدموية.

وعلى الرغم من النجاحات الأمنية التي حققتها سلطات الدولة والأجهزة الأمنية الإندونيسية في ملاحقة منفذي الاعتداءات، والتي انطوت على سلسلة من الاعتقالات والملاحقات التي شملت عدداً كبيراً من العناصر المتطرفة، فإنه من السابق لأوانه القول إن النشاطات الإرهابية على الأراضي الإندونيسية تمت السيطرة عليها، أو أن الهدوء الذي شهدناه عام 2006 يُعَد دليلاً على انحسار النشاطات الإرهابية، فقبل الحادي عشر من سبتمبر لم يُعرف عن إندونيسيا أنها دولة يحتضن مجتمعها عناصر متطرفة دينياً، فقد كانت سمة الاعتدال والتسامح والانفتاح هي الغالبة على حياة المجتمع وعلى النشاطات الدينية في الدولة.

وكما هي الحال في دول إسلامية كثيرة، حدثت تحولات جذرية في موقف المجتمع كرد فعل على السياسات الخاطئة التي تم تبنيها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو ما جعل هذه المجتمعات توفر البيئة الملائمة لظهور ونمو أفكار وتنظيمات متطرفة دينياً وسياسياًَ تبنت أسلوب العنف والإرهاب وسيلةً للاحتجاج أو للتعبير عن مواقفها.

باكستان

على الرغم من أن السياسة الباكستانية خلال فترة الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال السوفييتي كانت قد وفرت الدعم غير المحدود للجماعات المسلحة التي تمكنت من دحر المحتل، فإن العمليات الإرهابية داخل باكستان لم تظهر إلا متأخراً. وبعد الحادي عشر من سبتمبر، قامت السياسة الأمريكية على أساس جعل باكستان محوراً أساسياً للحرب الأمريكية ـ الدولية على الإرهاب؛ وذلك لعوامل جغرافية وميدانية تخص موقع الدولة وعلاقاتها بساحة العمليات في أفغانستان.

فخلال الفترة السابقة لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، لم تشهد الساحة الباكستانية إلا عدداً محدوداً من العمليات الإرهابية. ولكن منذ أوائل عام 2002 حتى اليوم تحديداً، شهدت ساحة هذا البلد تصاعداً ملحوظاً في عدد الهجمات الإرهابية، فقد وقعت في منتصف عام 2002 عملية الهجوم على فريق المهندسين البحريين الفرنسيين في مدينة كراتشي، التي ذهب ضحيتها تسعة مواطنين فرنسيين بالإضافة إلى عدد من الباكستانيين. وجاء عام 2003 ليشهد محاولات متعددة ومتكررة من قبل المنظمات الإرهابية لاغتيال رئيس جمهورية باكستان الجنرال برويز مشرف. وعلى الرغم من فشل هذه المحاولات، فقد راح ضحيتها العشرات من المواطنين. وفي العام التالي، حدثت محاولة إرهابية فاشلة استهدفت رئيس الوزراء المكلف السيد شوكت عزيز. وفي ربيع عام 2007، تعرّض وزير الداخلية لمحاولة اغتيال فاشلة نفذها مهاجم انتحاري.

 

 

كما شهدت فترة السنوات الست الماضية تصعيداً غير مسبوق في عدد الهجمات الإرهابية التي استهدفت تعميق الخلافات والصراعات الطائفية في المجتمع، وبرزت عبر سلسلة مستمرة من الهجمات الدموية المتبادلة على المساجد والمواقع الدينية للطائفتين الشيعية والسنية، وكذلك على الكنائس المسيحية. وأسفرت هذه الهجمات الإرهابية، وأغلبيتها العظمى تمثلث بعمليات انتحارية، عن مقتل عدة مئات من المواطنين الأبرياء. ومنذ منتصف عام 2006، بدأت سلسلة الهجمات الإرهابية الموجهة ضد القوات المسلحة وعناصر الشرطة الباكستانية، واتسمت هذه العمليات بالكثافة ولا سيما في المناطق المحاذية لمنطقة الحدود الأفغانية. ولم تسلم العاصمة الباكستانية إسلام آباد من العمليات الإرهابية التي استهدفت المطار الدولي وبعض الفنادق. ومن المُلاحظ أن كثافة الهجمات الإرهابية في باكستان اتسمت بوتيرة متصاعدة منذ الحادي عشر من سبتمبر حتى اليوم. فمعدل الهجمات الإرهابية، وخاصة العمليات الانتحارية، ارتفع من هجومين كبيرين عام 2003 إلى ما يقارب عشرين هجوماً خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2007.

وتتزامن ظاهرة تصاعد العمليات الإرهابية في باكستان مع تصاعد نشاط حركة طالبان الأفغانية عبر الحدود، وعودة تنظيم القاعدة في أفغانستان إلى مزاولة نشاطه كنتيجة لفشل الإجراءات الأمريكية والدولية للقضاء على التنظيم. ومن المتوقع استمرار وتيرة التصاعد في عدد الهجمات الإرهابية في باكستان خلال الفترة المقبلة.

العراق

مع بداية عام 2002، وقبل أكثر من عام كامل على بداية الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، قامت القيادة الأمريكية، وبتوجيه شخصي من الرئيس الأمريكي جورج بوش، بإصدار أمر تم تعميمه على فروع أجهزة الاستخبارات الأمريكية كافةً، يقضي بوجوب قيام هذه الأجهزة بالبحث عن أدلة تمكن الإدارة الأمريكية من إثبات وجود صلات تعاون وتنسيق بين نظام صدام حسين من جهة، والمنظمات الإرهابية، وخاصة تنظيم القاعدة، من جهة أخرى. وكان الطلب بإثبات هذه الصلات يُعَد أمراً ضرورياً من أجل دعم القرار الأمريكي بوجوب غزو العراق واحتلاله وإطاحة نظامه تحت غطاء (رعاية الإرهاب الدولي وتهديد أمن الولايات المتحدة وسلامتها).

وقامت أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وبمساعدة بعض الأجهزة الأوروبية الصديقة، بتجنيد إمكاناتها الكبيرة من أجل البحث والتفتيش الواسع عن الدليل أو الأدلة المطلوبة. وبعد مرور ما يقرب من عام كامل من التحقق والبحث، عادت الأجهزة الاستخبارية لتعلم الإدارة الأمريكية بعدم قدرتها على الحصول على أي دليل جدي ومنطقي يثبت أن النظام العراقي السابق له أي علاقة بتنظيم القاعدة. وكانت جهود أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأوروبية بمنزلة شهادة موثقة تدل على أن العراق دولة خالية من التنظيمات أو الجماعات الإرهابية حتى بداية الغزو والاحتلال الأمريكي للبلاد، وأن النظام العراقي بالرغم من مساوئه الكثيرة وذنوبه وخطاياه الكبيرة، لم يُقِم علاقات مع تنظيم القاعدة أو أي تنظيم إرهابي آخر، وأن من الأسلم للإدارة الأمريكية إسقاط تهمة رعاية الإرهاب الدولي عن النظام كمبرر للحرب والاحتلال، والتركيز على تهم وقضايا أخرى مثل امتلاك وتطوير أسلحة الدمار الشامل تجاوزاً لالتزامات الدولة العراقية القانونية المفروضة عبر قرارات مجلس الأمن الدولي.

واليوم، وبعد مرور أكثر من أربعة أعوام على قيام الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، يقف العراق بصفته إحدى الساحات الرئيسية لتفريخ أجيال جديدة من الإرهابيين، حيث تحول البلد إلى مركز ثقل وبؤرة جذب للعناصر الإرهابية، وأصبح يمثل قاعدة عمليات رئيسية لتنظيم القاعدة. وقد تطور مستوى العنف الذي تمارسه الجماعات الإرهابية في العراق إلى مستوى لا مثيل له من الوحشية والعدمية. وفي هذا السياق، يجب التفريق بين المقاومة الشرعية والقانونية التي تُعَد حقاً مصوناً لكل شعب يخضع للاحتلال الأجنبي، وبين الإرهاب الأعمى كممارسة إجرامية ضد المواطنين العزل، وكلاهما موجود في العراق اليوم.

ولإدراك المدى الحقيقي لانتشار ظاهرة الإرهاب في العراق وخطورتها، والذي تولد بصورة مباشرة كنتيجة للاحتلال الأجنبي للدولة، فإن الرئيس الأمريكي في خطابة الأخير الذي ألقاه يوم 22 أغسطس الماضي أمام حشد من أعضاء جمعية المحاربين القدماء وخصص الجزء الأساسي منه لمناقشة الحرب في العراق والحرب على الإرهاب، أشار إلى حقيقة مرعبة تخص النشاطات (الإرهابية) في العراق، إذ ذكر في خطابه إحصائية أمريكية رسمية تقول إن القوات الأمريكية العاملة في العراق قامت خلال الأشهر الثمانية الماضية من هذا العام (يناير ـ أغسطس 2007) بقتل أو اعتقال ألف وخمسمائة (إرهابي) كمعدل شهري. وعلى الطرف الآخر، وخلال العام الماضي، أعلنت قيادة تنظيم القاعدة على لسان أيمن الظواهري أن فرع التنظيم في العراق نفذ ما يقرب من 800 عملية انتحارية خلال فترة 28 شهراً فقط. وتتصف العمليات في العراق باتساع نطاقها الجغرافي، حيث تغطي كل أجزاء الدولة من شمالها إلى أقصى جنوبها. وتتميز بشموليتها من ناحية استهداف كل مناحي الحياة من دون استثناء، إذ تستهدف هذه العمليات قطاع الخدمات الأساسية، وهو ما أدى إلى إحداث شلل تام في مؤسسات توفير الكهرباء والماء والمواصلات والوقود، وغيرها من القطاعات الحيوية ذات الصلة بحياة المواطن، وتم استهداف مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية كافة من دون استثناء، وأيضاً استهداف المؤسسات الدينية والطائفية، فضلاً عن استهداف حياة المواطن العادي عبر عمليات التهجير القسري والاختطاف والقتل العشوائي. وقصة العراق مع الإرهاب تمثل نموذجاً واقعياً لقدرة العمليات الإرهابية على تدمير المجتمع والدولة، وتدمير الوحدة الوطنية عبر تعميق الصراع الطائفي والعرقي.

واليوم، وبعد الدمار الذي شهده العراق والمنطقة برمتها، والذي لا تبدو نهايته قريبة في المستقبل المنظور، نجد أن الإدارة الأمريكية تحاول وبإصرار ساذج وضع الحرب الدائرة في العراق اليوم، وحتى قرار غزو الدولة واحتلالها، تحت عباءة (الحرب الدولية على الإرهاب)، غافلة الحقيقة الأساسية المتمثلة في أن العراق، وبشهادة أجهزة الاستخبارات الأمريكية، لم يكن مركزاً لأي نشاطات إرهابية قبل عملية الغزو والاحتلال غير الشرعي، وأنّ تحوّل العراق إلى مركز رئيسي للنشاطات الإرهابية يعود حصرياً إلى السياسة الخاطئة وغير العقلانية التي تبنتها الإدارة الأمريكية كرد فعل لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكنتيجة للتعامل الخاطئ وغير الحكيم مع الوضع العراقي بعد الاحتلال.

وخلاصة القول إن إرهاب ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وحقيقة ظهوره في دول لم تشهد الإرهاب من قبل ولم تعرفه، هو ظاهرة لصيقة بانعدام الحكمة في القرار والتصرف الأمريكيين. فعلى الصعيد الإقليمي، وبدلاً من إيجاد العلاج الجذري لظاهرة الإرهاب الخطيرة التي تهدد أمن الدول والمجتمعات، فإن السياسة الأمريكية، والسياسة الغربية عموماً، حاولتا فصل الظاهرة عن جذورها، وإغفال حقيقة أن الإرهاب ما هو إلا إفراز لاستمرار المشكلات الداخلية في بعض الدول، وفشل المجتمع الدولي والدول الكبرى في التعامل الجدي والبـنّاء لإيجاد حلول عادلة ومنصفة وإنسانية لقضايا قائمة منذ زمن طويل، كالقضية الفلسطينية وغيرها.

ومن هذا المنظور، فإن مواجهة الإرهاب لن تكون فاعلة إلا إذا تمت على مستوى دولي في إطار الأمم المتحدة، واستناداً إلى توافق دولي حول ما هو الإرهاب الذي تتعين مكافحته. أما تجاهل المشكلات الحقيقية التي تعانيها بعض الدول والمجتمعات، واستمرار النظرة الانتقائية التي تتبناها واشنطن، والمعايير المزدوجة التي تطبقها في حربها ضد الإرهاب، وتبنيها نهجَ (من ليس معنا فهو ضدنا)، فلن تفضي إلا إلى مزيد من الإرهاب على الصعيد العالمي، وهو أمر ستكون له آثاره الكارثية في الأمن والاستقرار الدوليين، ولا سيما أن إرهاب اليوم هو إرهاب تمارسه تنظيمات عابرة لحدود الدول، وتوظف التكنولوجيا الحديثة في التخطيط للعمليات الإرهابية وتنفيذها.

 

 

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Facebook
Twitter
YouTube
LinkedIn
Scroll to Top