تُعتبر عودة المفاوضات السورية – الإسرائيلية بعد انقطاع استمر لثماني سنوات تطوراً مهماً على مستوى العلاقات بين الطرفين وعلى مستوى الدبلوماسية الإقليمية بصفة عامة. فبعد انقضاء ما يزيد على ثلاثين عاماً على حرب عام 1967 واحتلال هضبة الجولان السورية، ومرور أكثر من ربع قرن على قرار إسرائيل غير الشرعي بضم الهضبة رسمياً إلى دولة إسرائيل أيقن كل من الطرفين أن إلغاء الطرف الآخر بوسائل التفوق العسكري أمر لا يمكن تحقيقه، وأن طاولة المفاوضات هي ربما الأسلوب الوحيد لحل مشكلاتهما. ومهما كانت أسباب وخلفيات عودة المفاوضات بين الجانبين، فإن قرار القيادة السورية بالذهاب إلى المفاوضات يستحق الدعم العربي عموماً وأيضاً الدعم والمباركة الخليجية بوجه خاص. فقد أثبتت تجارب السنوات العشرين الماضية أن الصراع العربي – الإسرائيلي لا يمكن تسويته بأسلوب (التقسيط)، وأن السلام يجب أن يكون شاملاً ولا يستثني أي طرف. فعلى الرغم من التوصل إلى اتفاقية سلام مصرية – إسرائيلية في كامب ديفيد، وما أعقبها من اتفاقيات على المسارين الأردني والفلسطيني فإن السلام لم يتحقق بشكل مُرضٍ وفعّال، حيث كانت السياسة الإسرائيلية تتبنى موقف استبعاد سوريا من المفاوضات أو، على أقل تقدير، عدم اعتبار التفاوض مع سوريا من أولويات دبلوماسية السلام العربي – الإسرائيلي. واليوم مع عودة مسيرة المفاوضات بين الطرفين تقف سوريا في موقف الطرف الضعيف أمام إسرائيل وبخاصة في حالة تخلي الأطراف العربية عن تقديم الدعم لها نتيجة لحالة التشرذم العربي وتصاعد الصراعات والخلافات العربية – العربية حول تطورات الموقف في لبنان وفلسطين والعراق وإيران. وضمن إطار هذه الخلافات تقف سوريا في قلب العاصفة، حيث أمست لاعباً أساسياً في كل هذه الملفات مما عمّق حالة تضارب المصالح والرؤى بين سوريا وبعض الدول العربية حتى برزت هذه الخلافات إلى العلن عبر التراشق الإعلامي والدبلوماسي.
وعلى الرغم من أن للمفاوضات السورية – الإسرائيلية تاريخاً طويلاً فإن الإنجازات على هذا المسار لم يعد لها وجود، فقد كانت نهاية حرب الخليج الثانية والموقف السوري الداعم للموقف الخليجي في وجوب تحرير دولة الكويت وإنهاء الاحتلال العراقي بداية الانطلاق للمفاوضات بين الطرفين، فخلال مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط الذي عُقد في أكتوبر 1992 برعاية دولية تم إقرار مبدأ بداية المفاوضات السورية – الإسرائيلية، ولم تُفلح جولات المفاوضات الخمس بالتوصل إلى تقارب بين الطرفين، وكان لتغير القيادة الإسرائيلية خلال تلك الفترة، حيث خلف إسحاق شامير رئيس وزراء جديد هو إسحاق رابين، أثر إيجابي في تطور الجولة الثانية من المفاوضات، حيث وصلت المفاوضات بين الطرفين إلى مناقشة الجوانب والخطوات العملية للانسحاب الإسرائيلي من الأراضي السورية المحتلة، واستمرت المفاوضات بعد ذلك بشكل متقطع، حيث لعبت الدبلوماسية الأمريكية دور الحاضن والراعي لها حتى توقفها في مارس 2000 عندما انتهت جهود الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون من دفع المفاوضات إلى التوصل إلى معاهدة سلام نهائية.
وبعد نجاح الدبلوماسية التركية اليوم في إقناع الطرفين السوري والإسرائيلي بوجوب استئناف جهود التفاوض فإن هذه المفاوضات قد تواجه الفشل لأسباب وعوامل عديدة منها: أن القيادات الإسرائيلية لا تزال حتى اليوم ترفض الإقرار علناً باستعدادها للانسحاب الكامل من الأراضي السورية المحتلة، وهذه عقدة أساسية أدت إلى انهيار جولات المفاوضات السابقة بين الجانبين. فالموقف الإسرائيلي يقوم على مبدأ (أن حجم الانسحاب من الجولان يتوقف على عمق السلام وطبيعته مع سوريا)، ولا يوجد تحديد واضح لهذه المعادلة أو معنى أو مضمون (طبيعة السلام) الذي تحاول القيادات الإسرائيلية ضمانه قبل التعهد بالانسحاب الكامل. هذا إلى جانب الموقف الضعيف لرئيس وزراء إسرائيل الحالي إيهود أولمرت أمام الضغوط الكبيرة التي يخضع لها داخل تركيبة السياسة الإسرائيلية وخاصة الإجراءات القانونية الجارية ضده بخصوص التورط بتجاوزات وفضائح مالية، والتي قد تعصف بمنصبه خلال فترة قصيرة.
وعلى الرغم من كل العوائق والصعوبات التي أشرنا إليها فإن عزلة سوريا العربية ستكون أحد العوامل الأساسية التي قد تساهم في فشل هذه الجولة من المفاوضات، فسوريا ستكون دائماً ضعيفة من دون الدعم العربي. والدول العربية وخاصة الدول الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تمتلك مصالح استراتيجية للعمل على إنجاح المفاوضات السورية – الإسرائيلية وإنهاء حالة الصراع العربي – الإسرائيلي. ولذلك يجب على السياسة العربية، وفي مقدمتها الدبلوماسية الخليجية، أن تتبنى مساراً واضحاً تجاه سوريا يقوم على أساس توفير الدعم الدبلوماسي والسياسي لها في مفاوضاتها مع إسرائيل، وأيضاً توفير البيئة والمناخ المناسبين لإنهاء التحالف السوري – الإيراني وعودة سوريا إلى التلاحم العربي في سياق صياغة العلاقات العربية – الإيرانية على أسس جديدة، فالخلافات العربية – العربية يجب ألا تطغى على مسار تحقيق السلام مع إسرائيل. وكما أعلن رئيس وزراء إسرائيل أمام الإسرائيليين أن السلام مع سوريا يتطلب تقديم (تنازلات مؤلمة) يجب القبول بها، فإن إزالة الخلافات السورية – العربية لا تتطلب إلا تنازلات معقولة ومتواضعة من كلا الجانبين حتى تعود المياه إلى مجاريها، فالخلاف السوري مع بعض الدول العربية يجب ألا يمثل، بأي شكل من الأشكال، عائقاً في توفير الدعم العربي لسوريا في مواجهة الموقف الإسرائيلي المتعنت.