يقف مجلس الأمن الدولي خلال الأيام وربما الأشهر المقبلة أمام مفترق طرق خطير يستوجب منه العمل وبشكل حازم لمنع إيران من استغلال برنامجها النووي السلمي بهدف تطوير القدرات النووية العسكرية، وهو توجه يبدو مخالفاً لتعهدات الدولة المنصوص عليها في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والتي كانت إيران من أولى الدول الموقعة عليها، حيث قبلت وتعهدت بشكل طوعي بمبدأ عدم تطوير أي نوع من أنواع الأسلحة النووية. وقد جاء تـعـامُـل مجلس الأمن الدولي مع ملف إيران النووي على مراحل، بدأت بلفت الانتباه وحثّ إيران على احترام تعهداتها والتعاون الكامل مع متطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ وهذا الأسلوب كان محور البيان الرئاسي الذي صدر عن المجلس في التاسع والعشرين من مارس من هذا العام، ثم تبعته المرحلة الثانية التي تمثلت بصدور إنذار محدد جاء عبر قرار مجلس الأمن الدولي (رقم 1696) الصادر في الحادي والثلاثين من يوليو 2006، والذي منح إيران مهلة شهر واحد (تنتهي في الحادي والثلاثين من أغسطس 2006) للاستجابة لطلبات الوكالة الدولة المتمثلة بالتعاون التام والتعهد بالتخلي كلياً عن عمليات تخصيب اليورانيوم والنشاطات الأخرى المرتبطة بها.
وفي الحقيقة، لم يأتِ قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي صدر في الرابع من فبراير 2006 بتحويل ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي، بمفاجأة كبيرة لكل متابع لتطورات الخلاف والمواجهة بين إيران والمجتمع الدولي الدائر حول حقيقة النوايا والمضمون الشامل لبرنامج الدولة النووي. فالوكالة الدولية تعلمت دروساً قاسية، وعانت من فقدان المصداقية خلال الأعوام السابقة عبر إخفاقها في اكتشاف وتحديد دوافع البرنامج النووي العراقي ثم في فشلها في التعامل مع نشاطات البرنامج النووي لكوريا الشمالية. لذا، فإن الاستراتيجية الجديدة للوكالة تقوم على أساس أن الشك الناجم عن الغموض والمراوغة اللذين تمارسهما أية دولة من الدول الأعضاء في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية يُعـَـد سبباً كافياً للتحرك ضدها بحزم. وهنا، يكمن المحور الأساسي للمواجهة بين إيران والوكالة الدولية، ومن ثم مجلس الأمن الدولي. فالقيادات الإيرانية، وعلى جميع مستوياتها، أكدت مراراً وتكراراً أن برنامج طهران النووي هو لأغراض سلمية ومدنية بحتة، ولا نية لدى الدولة في تطوير القدرات النووية العسكرية. وهنا، تتشبث إيران بما تعتبره حقها غير المنقوص في تخصيب اليورانيوم وحقها في امتلاك برنامج تطوير نووي ضمن إطار الشرعية الدولية، وهو الحق الذي ضمنته معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لجميع الدول الأعضاء في المعاهدة، ونصّت عليه المادة الرابعة من الاتفاقية. وتؤكد إيران أنها غير مستعدة للتخلي عن هذا الحق تحت أي ظرف من الظروف بناءً على حق الدولة في امتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية والحاجات المدنية، والذي تم تثبيته كحق غير قابل للمساومة في مضمون نص المادة الرابعة من المعاهدة التي تنص على الآتي:
(يحظـَـر تفسير أي حكم من أحكام هذه المعاهدة بما يفيد إخلاله بالحقوق غير القابلة للتصرف التي تملكها جميع الدول الأطراف في المعاهدة في إنماء بحث وإنتاج واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية من دون أي تمييز ووفقاً للمادتين الأولى والثانية من هذه المعاهدة).
ولكن للحقيقة وجهاً آخر كشفته قرارات مجلس محافظي الوكالة الدولية وتقارير مديرها العام عندما تمت الإشارة إلى الخلاف مع إيران باعتباره (حالة تحقيق خاصة) مردها عدم حصول مفتشي الوكالة على التعاون الكامل من الجانب الإيراني وعدم قدرة أو رغبة الجانب الإيراني في تقديم أجوبة مقنعة وتامة عن التساؤلات المشروعة التي قدمها فريق مفتشي الوكالة مراراً وتكراراً. فقرار الوكالة بإحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي، الذي دعمه التقرير المفصل لمديرها العام الذي تم تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي في الثامن والعشرين من فبراير 2006 جاء نتيجة اقتناع تام من قبل مجلس محافظي الوكالة ومديرها بأن الوكالة، كهيئة استشارية لا تمتلك سلطات عقابية أو ردعية، عجزت عن تحقيق وضمان التعامل الفعال والمثمر مع إيران في غياب (الشفافية التامة من جانب إيران)، وأنها غير قادرة على إحراز تقدم بسبب الموقف الإيراني غير المتعاون. لذا، فإن قرار إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي هو نتيجة طبيعية للعوائق التي وضعتها إيران أمام عمل الوكالة. ولا يُعتبـَـر مجلس المحافظين مؤسسة أمريكية، كما يحاول أن يصوره البعض، فهو الهيئة الأساسية التي تمثل صناعة القرار في الوكالة، وتضم ثلاثة وثلاثين ممثلاً من الدول الأعضاء في الوكالة (وعددها الكلي 139 دولة)، منهم اثنان وعشرون محافظاً يتم انتخابهم لدورة عامين، ويمثلون التوزيع الجغرافي والسياسي في العالم.
فقرار مجلس المحافظين الذي صدر في الرابع من فبراير 2006، بعد يومين من النقاش والتداول المكثف، والذي أمسى اليوم الأساس لتفعيل آلية مجلس الأمن ضد إيران أكد – وهنا أورد الاقتباس المباشر من نص التقرير – (أنه وبعد قرابة ثلاث سنوات من أنشطة التحقيق المكثفة ليست الوكالة بعد في وضع يسمح لها بأن توضح بعض القضايا المهمة المتعلقة ببرنامج إيران النووي أو أن تستنتج أنه لا توجد في إيران أي مواد أو أنشطة نووية غير معلنة). وهنا، أشار التقرير إلى حالة انعدام الثقة السائدة بين إيران والوكالة ، حيث ورد في التقرير أن مجلس المحافظين (يذكـّـر بحالات الإخفاق والانتهاك العديدة من جانب إيران لالتزاماتها بأن تمتثل لاتفاق الضمانات المعقود معها ضمن إطار معاهدة عدم الانتشار، وبانعدام الثقة بأن برنامج إيران النووي هو حصراً للأغراض السلمية، وذلك نتيجة لإخفاء أنشطة إيران النووية وطبيعة تلك الأنشطة).
ويبدو واضحاً أن الملف النووي الإيراني لا يزال مفتوحاً على الاحتمالات كافة. ولا يسعنا في هذا المقام إلاّ أن نؤكد مجدداً ضرورة تخلي مجلس الأمن عن انتقائيته في تطبيق القرارات، فهو يطبقها تحت البند السابع عندما يشاء، ويغضّ الطرف كلياً عن دول طالما رفضت الالتزام بقرارات الشرعية الدولية. وبينما تصر جميع دول منطقة الخليج على ضرورة جعل منطقة الشرق الأوسط برمتها خالية من أسلحة الدمار الشامل، فإنها تتمنى من إيران وجميع الأطراف المعنية الأخرى أن تتحلى بالصبر والحكمة، وتتجنب الوقوع في حسابات خاطئة. إذ إن من شأن مثل هذا التوجه أن يعمل على تجنيب دول المنطقة وشعوبها ويلات المواجهة العسكرية التي لن تطال أطراف النـزاع المباشرين وحسب، بل ستطال أيضاً أمن المنطقة واستقرارها واقتصادها، الأمر الذي سينعكس حتماً على أمن واستقرار وازدهار العالم.