Dr. Abdulaziz Sager

خمس سنوات على غزو بلاد الرافدين واحـــتلالها

شنت الولايات المتحدة في عام 2003 حرباً على العراق انتهت بإطاحة نظام صدام حسين، ووقوع العراق في قبضة الاحتلال، وتفكيك أجهزة الدولة العراقية ومؤسساتها والدفع بالبلاد إلى حالة من الفوضى وانعدام الأمن لا تزال فصولها تتوالى حتى الآن. وبمناسبة مرور خمس سنوات على الغزو والاحتلال، فإنه من المهم قراءة هذه الخبرة ببصيرة نافذة ومنهجية علمية غايتها استخلاص العبر والدروس، وبلورة بعض المقترحات التي من شأنها وضع نهاية للمأزق العراقي الراهن، خاصة وأن ما يجري حالياً في العراق سوف تكون له انعكاساته على المنطقة سواء بالسلب أو الإيجاب، فعراق مستقر وموحد ويخطو بثبات على طريق التنمية والديمقراطية سيكون عنصر أمن واستقرار في المنطقة، أما عراق ممزق ويعاني من انعدام الأمن وغياب الدولة، مثلما هو حادث الآن، فسيتحول إلى بؤرة لتفريخ وتصدير العنف والإرهاب إلى خارج حدود العراق.

وفي سياق قراءة وتحليل حصيلة وتداعيات خمس سنوات على عملية غزو العراق واحتلاله يمكن القول إن هذه العملية كشفت من ناحية أولى عن حقيقة مهمة مفادها أن الكذب شكل- ويشكل – سمة رئيسية لسياسة إدارة الرئيس جورج بوش تجاه العراق، التي ارتكزت على مقولات واعتقادات المحافظين الجدد؛ فالولايات المتحدة طرحت أهدافاً ومسوغات عدة لتبرير الغزو والاحتلال وتتمثل في: القضاء على أسلحة الدمار الشامل في العراق، ووجود علاقة وثيقة تربط بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة، وإطاحة النظام العراقي، وتأسيس نظام ديمقراطي مستقر على أنقاضه بما يجعل العراق نموذجاً للديمقراطية في المنطقة.

وفي المحصلة لم تنجح الإدارة الأمريكية في إثبات وجود أسلحة دمار شامل في العراق، بل عكس ذلك هو الذي تم إثباته بأدلة قاطعة، كما ثبت بشكل قطعي عدم وجود أية علاقة بين النظام العراقي السابق وتنظيم القاعدة، أما هدف بناء نظام ديمقراطي في العراق فقد تحوّل في التحليل الأخير إلى دليل ناصع على فشل السياسة الأمريكية في المنطقة، حيث لم يتحول العراق إلى نموذج للديمقراطية والازدهار، بل أصبح نموذجاً للفوضى والعنف الطائفي وانعدام الأمن وغياب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكل ذلك كشف أن الأهداف الحقيقية للغزو والاحتلال كانت تتمثل في السيطرة بشكل أو آخر على نفط العراق، وإقامة قواعد عسكرية دائمة في هذا البلد، وفتح أبوابه أمام الشركات الأمريكية، وتعزيز أمن إسرائيل، وإكمال عملية تطويق طهران.

ومن المؤكد أن فشل السياسة الأمريكية في العراق إنما يعود إلى الأخطاء، بل والخطايا التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية، فهي لم تعدّ جيداً لمرحلة ما بعد إطاحة النظام العراقي، وقامت بتفكيك أجهزة الدولة العراقية ومؤسساتها، وتعاملت بتخبط مع ملف إعادة الإعمار، كما قامت لفترة طويلة بتهميش السنة، فضلاً عن تهميش دور الدول الإقليمية (ماعدا إيران)، وكذلك تهميش دور الأمم المتحدة. وفي النهاية وجدت قوات الاحتلال نفسها في ورطة حقيقية في العراق لدرجة أن التعثر الأمريكي في العراق أصبح يؤثر سلباً في شعبية الرئيس بوش، كما أن السياسة الأمريكية تجاه العراق أصبحت قضية رئيسية في انتخابات الرئاسة الأمريكية رغم أن الناخب الأمريكي لا ينشغل عادة بقضايا السياسة الخارجية.

وكشفت خبرة الغزو والاحتلال، من ناحية ثانية، عن حدود دور القوة العسكرية للدولة العظمى، فعلى الرغم من وجود حوالي 160 جندياً أمريكياً في العراق، وعلى الرغم أيضاً من إنفاق أكثر من 500 مليار دولار على الحرب، ومقتل أكثر من 4000 جندي أمريكي، وكثرة الخطط والعمليات العسكرية التي قامت بها قوات الاحتلال، إلا أنها لم تنجح في فرض الأمن والنظام في البلاد، وأصبح غاية ما تسعى إليه هو تأمين (المنطقة الخضراء). ونتيجة لذلك انزلقت البلاد إلى حالة من العنف والفوضى هي أقرب ما تكون إلى الحرب الأهلية، وقد أسهم كل ذلك في جعل العراق ساحة ملائمة لنشاط تنظيم القاعدة، حيث عزز وجوده في ظل الاحتلال الأمريكي فيما لم يكن له وجود في هذا البلد من قبل، وأصبح يتخذ من العراق نقطة انطلاق لاستهداف دول أخرى في المنطقة. ورغم تراجع دور تنظيم القاعدة في العراق خلال الآونة الأخيرة، إلا أنه لا يستطيع أحد التكهن بأن ذلك سيكون وضعاً دائماً ونهائياً.

وكشفت عملية الغزو والاحتلال، من ناحية ثالثة، عن بؤس النخب السياسية العراقية وإخفاقها في الارتفاع إلى مستوى التحديات التي تواجه العراق، وتجعل مستقبله في الميزان، حيث أخفقت هذه النخب في الاتفاق على أسس صلبة ومقبولة لمصالحة وطنية حقيقية، تكرس مفهوم الانتماء للدولة العراقية، وتعزز من فرص التعايش السلمي بين مختلف طوائف الشعب العراقي، وتضمن وحدة العراق وسلامة أراضيه، وتعجّل بخروج القوات الأجنبية منه.

والذي حدث عملياً هو أن هذه النخب أعلت من شأن الطائفي على حساب الوطني، وجعلت لارتباطاتها الخارجية الأولوية على حساب الولاء للوطن والدولة العراقية، وانخرطت في مهاترات وصراعات صغيرة، مما أدى إلى زيادة سطوة الميليشيات المسلحة، وانتشار العنف الطائفي. ولاشك في أن فشل هذه النخب في التوافق على صيغة للمصالحة الوطنية إنما يعقّد من فرص الحل السياسي للمسألة العراقية، وهو حل لا يمكن من دونه استقرار العراق.

 

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Facebook
Twitter
YouTube
LinkedIn
Scroll to Top