Dr. Abdulaziz Sager

أوباما وماكين والسياسة الخارجية الأمريكـــــــية

ليس من المستغرب أن يعيش العالم، والدول العربية على وجه الخصوص، حالة من الترقب في انتظار ما ستُسفِر عنه الانتخابات الأمريكية التي ستُحسَم خلال الأيام القليلة المقبلة؛ وذلك لما للسياسة الأمريكية من انعكاسات مباشرة على المجتمع الدولي بصفة عامة وعلى المنطقة العربية بصفة خاصة. وبنظرة على تصريحات ومناظرات كل من المرشحين باراك أوباما وجون ماكين نستطيع أن نستشرف بعض توجُّهات السياسة الخارجية الأمريكية خلال الأربع سنوات المقبلة في حالة تولي أي من الديمقراطي أوباما أو الجمهوري ماكين مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية.

على الجبهة العراقية، يُعارِض أوباما الحرب على العراق منذ البداية، ولا يؤيد اللجوء إلى الحلول العسكرية، كما يؤيد انسحاباً تدريجياً للقوات العسكرية على مراحل تستغرق ستة عشر شهراً، واستخدام الجيش العراقي لمراقبة الحدود مع دول الجوار، ومنع هذه الدول من إرسال مقاتلين إلى الأراضي العراقية.

من الناحية الأخرى نرى أن ماكين يؤيد بقوة زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق، ويطالب ببقاء هذه القوات إلى أن يصبح العراق قادراً على حماية نفسه بنفسه، لأنه يميل إلى الاعتقاد بأن أية خطط للانسحاب ستؤدي إلى حالة من الفوضى في المنطقة، ويرى أن قرار غزو العراق كان صحيحاً، ولكن تمت إدارة الحرب بشكل سيئ، ويتوقع أيضاً أن تكون هذه الحرب طويلةً وصعبةً، وأعرب عن أمله بأن القوات الأمريكية ستنسحب مرفوعة الرأس بحلول عام 2013.

وفي ما يتعلق بإيران، فإن أوباما يبدو أكثر ميلاً للدبلوماسية المباشرة، ويطالب بتبني سياسة مناقضة لسياسة بوش وتشيني تدعو إلى عدم إجراء محادثات مع سوريا وإيران. ومن هذا المنطلق أعرب عن استعداده لمقابلة بعض المسؤولين الإيرانيين من دون شروط مسبقة قبل أن يتراجع مؤكداً على ضرورة الاتفاق على جدول أعمال قبل بدء المحادثات. لكنه طالما أكد أن إيران يمكن أن تُغيِّر من تصرفاتها إذا قُدِّمت لها الحوافز الصحيحة، مثل قبولها كعضو في منظمة التجارة العالمية، وعلى الرغم من اعترافه بأن البرنامج النووي الإيراني يمثِّل تهديداً لا يمكن التغاضي عنه إلا أنه يعارض أي دعم أو تفويض يُعطَى لإدارة الرئيس جورج بوش لشن حرب جديدة أو توجيه ضربات عسكرية لطهران، علماً أنه لا يستبعد القيام بعمل عسكري في حال فشل المفاوضات السلمية، ويؤيد تشديد العقوبات المفروضة على إيران، والعمل على إقامة إطار تعاون أمني جديد مع حلفاء أمريكا في منطقة الخليج.

أمّا ماكين فيُبقِي الحرب خياراً قائماً في مواجهة إيران، ويعمل على تعزيز العقوبات الاقتصادية على إيران، مما يعني في المقام الأول تحالفاً أكثر قوة مع الدول الأوروبية. كما يعتقد ماكين أن سعي إيران للحصول على أسلحة نووية يشكل مصدر تهديد غير مقبول لدى أمريكا، ويكرر دائماً أن (هناك شيئاً واحداً أسوأ من العمل العسكري، ألا وهو وجود إيران نووية).

وفي ما يتعلق بالديمقراطية، تعهد أوباما بزيادة الاعتمادات المالية للمؤسسة الوطنية الديمقراطية وغيرها من المؤسسات غير الحكومية لدعم النشطاء المدنيين في المجتمعات التسلطية أو شبه الديمقراطية، كما أعلن نيته إقامة صندوق للدعم السريع للديمقراطيات الناشئة والمجتمعات التي تمر بمرحلة ما بعد النزاع؛ وذلك لتقديم الإعانات وإلغاء الديون، وأيضاً تقديم الدعم التقني والمشاريع الاستثمارية بما يعزز من فرص الديمقراطية والاستقرار. كما قال أوباما: إن على الولايات المتحدة أن تعزز عملية نشر الديمقراطية؛ وذلك بتقديم نفسها كمثال يُحتذَى به عن طريق منع التعذيب وإغلاق معسكر الاعتقال في غوانتانامو، إلا أنه لم يؤطر خطابه حول منطقة الشرق الأوسط بمعايير الديمقراطية وانتشارها.

أما ماكين فيرأس مجلس إدارة مؤسسة الجمهوريين العالمية والتي تلتزم بتعزيز مسيرة الحرية والديمقراطية في العالم؛ وذلك عن طريق تشجيع إنشاء المزيد من الأحزاب السياسية والمؤسسات المدنية والانتخابات الشفافة والحكم الصالح وحكم القانون، ويدعو ماكين إلى تعزيز الديمقراطية وانتشارها في منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا السياق صرّح في عام 2005 قائلاً (لا يمكن الفصل بين الديمقراطية والحرية من ناحية، وأمن الولايات المتحدة على المدى الطويل من ناحية أخرى). وتجدر الإشارة كذلك إلى أن ماكين أعلن تأييده لقانون تعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط، عندما قال (إذا كان البديل لنشر وتعزيز الديمقراطية هو العودة إلى الأيام التي كنا ندعم فيها الأنظمة غير الديمقراطية والمؤيدة للولايات المتحدة فأنا أقول إن هذا ثمن لا نقدر على دفعه. نحن نعرف الآن المخاطر المترتبة على ذلك).

وحول الصراع العربي – الإسرائيلي، يبدو أن هناك تطابقاً في الموقف؛ فقد صرّح أوباما بأن حق إسرائيل في الوجود ليس مطروحاً للمناقشة، وأن على أي اتفاق يمكن التوصل إليه أن يحفظ (هوية إسرائيل كدولة يهودية)، وأن القدس ستبقى عاصمة لإسرائيل ويجب عدم تقسيمها. ولم يكن أوباما راضياً عن قرار الرئيس الأسبق جيمي كارتر لقاء مسؤولين من حركة حماس، واصفاً هذه الخطوة بـ (الفكرة السيئة)، كما صرّح بأنه لن يتفاوض مع حزب الله، إلا أنه يدعم جهود أمريكا لتقديم الدعم للشعب الفلسطيني ولأية حكومة تتخلى عن العنف، وتعترف بحق إسرائيل في الوجود.

أما ماكين فإنه يصر على أن على الولايات المتحدة الأمريكية الاستمرار في دعمها لإسرائيل بما في ذلك تقديم المعدات والتجهيزات والتقنيات العسكرية وضمان استمرار تفوقها العسكري النوعي، ويدعو إلى استمرار الجهود المبذولة لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لكنه يؤيد عزل قيادة حماس، كما انتقد الرئيس الأسبق جيمي كارتر لاجتماعه ببعض مسؤولي حماس، ووصف الاجتماع بـ (الخطأ الفادح والخطير). ويميل ماكين إلى الاعتقاد بأن تحقيق السلام بين إسرائيل ولبنان يعتمد على قيام حكومة شرعية تحتكر السلطة في لبنان.

وعلى صعيد الأزمة الاقتصادية التي تهدد الاقتصاد الأمريكي، فبرغم اتفاق أوباما وماكين على دعم جهود الكونغرس للتوصل إلى اتفاق على خطة إنقاذ بـ 700 مليار دولار، فإنهما تحاشيا التصريح بموقفيهما من الخطة ذاتها، وقالا إنهما حذّرا سابقاً من وقوع هذه الأزمة. ولا أعتقد أن حرص كل منها على تغاضي الخوض في أسباب الأزمة الاقتصادية وتبعاتها الكارثية كان محض مصادفة، فهما يعرفان أكثر من غيرهما أن الأزمة الاقتصادية أنهت ريادة واشنطن كقاطرة للاقتصاد العالمي ومستقطب لرؤوس الأموال والاستثمارات من سائر دول العالم. لقد تراكمت الأزمة الأمريكية على مدى سنوات، بل عقود متتالية، وجاءت أزمة الرهن العقاري وتداعياتها كالشعرة التي قصمت ظهر البعير ولتفاجئ العالم بأن الولايات المتحدة الأمريكية ليست بالقوة التي تدعيها لا على الصعيد الاقتصادي ولا العسكري، لاسيما أنها كانت قد خسرت حرب كوريا عام 1950 وحرب فيتنام (1961-1975)، وأجبرت على الانسحاب من لبنان عام 1982 والصومال عام 1993. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية لا تزال تصرّ على تحقيق تقدم في أفغانستان والعراق، إلا أنها تعترف ضمناً بأنها خسرت الحرب في البلدين.

إن الميزانية العسكرية الأمريكية تعادل ميزانية دول العالم الأخرى مجتمعة، لكن ذلك لم يضمن لها استمرارية تفردها بقيادة العالم. لماذا؟ لأنه لا يمكن للجيش أن يكون أقوى من الاقتصاد الذي يموله.

وبناء على ما تقدم، ليس من قبيل التكهن القول إن العالم أحادي القطبية بقيادة واشنطن قد ولى إلى غير رجعة. ستبقى أمريكا دولة عظمى، لكنها ستضطر إلى أن تشارك دولاً أخرى مثل الصين والهند وروسيا واليابان وفرنسا وألمانيا والسعودية وفنزويلا وغيرها إدارة الشؤون العالمية.

لقد وقعت أمريكا ضحية سياساتها المتناقضة والتي أضرّت بمصالحها ومصالح الغالبية العظمى من شعوب العالم.

إن القوى التي تهدد الأمن الأمريكي لم تخرج إلا من رحم ممارسات واشنطن وتوجهاتها التي قامت على الإفراط في استخدام القوة من دون أن تدرك أن للقوة حدوداً. وعلى الرغم من أن أمريكا لن تتوقف عن محاولاتها لحماية نظامها الاقتصادي ومصالحها الحيوية، إلا أنه يحدونا الأمل بأن يستفيد الرئيس القادم، جمهورياً كان أم ديمقراطياً، عبر الماضي، ويعيد إلى تمثال الحرية ولو شيئاً من اسمه.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Facebook
Twitter
YouTube
LinkedIn
Scroll to Top