Author name: Soliman M

Articles

أين دور مجلس التعاون الخليجــــــــي؟

إن التطورات التي جرت على صعيد العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة خلال الآونة الأخيرة، والتي انطوت على قيام الرياض بإلغاء نظام انتقال الأفراد بين البلدين ببطاقة الهوية، جاءت لتؤكّد على حقيقة مهمّة وهي ضعْف أو غياب دور مجلس التعاون الخليجي في إدارة العلاقات بين الدول الأعضاء ومعالجة الخلافات في ما بينها قبل أن يستفحل خطرها وتتحوّل إلى أزمات، فلو أن المجلس يقوم بدوره في معالجة مثل هذه الأمور لأمكن تفادي الكثير من الخلافات والمشكلات التي تؤثّر بالسلب في مسيرة العلاقات بين الدول الأعضاء، في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى ترسيخ العمل الخليجي المشترك حتى تستطيع التعامل بفاعلية مع التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.
وإذا كان بعضهم قد فسّر قرار المملكة العربية السعودية بأنه نتيجة لوجود حالة من الغيرة لدى بعض الأوساط السعودية من النجاحات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي حقّقتْها دولة الإمارات العربية المتحدة، أو أنه نوع من العقاب لدولة الإمارات بسبب قرارها بالانسحاب من نظام العملة الخليجية الموحّدة. وبغضّ النظر عن مدى دقّة ودوافع هذه التفسيرات، التي قد تكون لمصالح شخصية، فالمؤكّد أن العلاقات بين دول المجلس هي أعمق من أن تُختزل في تفسيرات يغلُب عليها طابع الانفعال العاطفي. وربما تكون هذه التطورات مناسبةً لإعادة تقييم مجمل تجربة مجلس التعاون الخليجي، بحيث يتمّ تطوير آليات أكثر فاعلية لإدارة وحلّ الخلافات بين الدول الأعضاء، فالاختلافات أمر طبيعي، وتحدُث في كافة التجمُّعات والمنظّمات الإقليمية والدولية، لكن الفارق الجوهري بين تجمُّع وآخر يتمثّل في مدى تطوير صيغ وآليات مؤسّسية لمعالجة الخلافات بين الدول الأعضاء، وحصْر كل خلاف في حدوده الموضوعية بحيث لا يمتدّ ليشمل قضايا ومجالات أخرى للعلاقات بين الدولتين أو الدول المعنية.
ورغم كل الانتقادات التي يمكن توجيهها إلى مجلس التعاون الخليجي، إلا أنه لا خيار أمام دول المجلس سوى الحفاظ على هذا الكيان وضمان استمراريته، لكنْ مع العمل بجدية وإخلاص من أجل تعزيز سُلُطاته وصلاحياته، ومعالجة المعوّقات التي تؤثّر في عمله، حتى يستطيع القيام بدور فاعل ومؤثّر في ترسيخ مسيرة التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، وحماية أمنها الوطنيّ، وتنسيق سياساتها الخارجية. فعالم اليوم هو عالم التكتُّلات الكبيرة ولا مكان فيه للكيانات الصغيرة.
إن تطوير عمل المجلس وتفعيل دوره لن يكونا إلا من خلال مراجعة أمينة ومخلصة لتجربته خلال العقود الماضية. فلماذا يغيب دور المجلس في معالجة الخلافات بين الدول الأعضاء على نحو يؤثّر في مسيرة العمل الخليجي المشترك؟ وهل الخلل يرجع إلى عدم امتلاك أجهزة المجلس الصلاحيات الكافية، أم لضعْف هذه الأجهزة وبخاصة جهاز الأمانة العامّة، وعدم قُدْرتها على ممارسة المهام المنوطة بها، أم للاثنين معاً؟
كما أن تطوير دور المجلس لن يكون إلا من خلال التزام الدول الأعضاء بتعزيز صلاحيات المجلس من ناحية، وتنفيذ القرارات التي يتمّ الاتفاق عليها من ناحية أخرى، لأن ضعْف الالتزام بهذا الخصوص يؤثّر بالسلب في مصداقية المجلس وأيضاً مصداقية قراراته. فالقرارات تُوضع لكي تُنفّذ، وليس لكي يتمّ إدراجها على أرفُف أجهزة المجلس، أو أن تكون مجرد قرارات استرشادية.

Articles

دول المجلس وإيران: إلى أيــــــــــن؟

تتشارك منطقة الخليج العربي في خصوصيات فريدة لا تشاركها فيها إلا مناطق قليلة من العالم. فبجانب كونها تمثل المخزون النفطي الأساسي في العالم، وكونها من أكثر المناطق التي شهدت حروباً ضارية خلال العقود الثلاثة الماضية، وبجانب احتوائها ومنذ أعوام طويلة على وجود عسكري خارجي مكثَّف، فإن هذه المنطقة مُتّجِهة اليوم إلى امتحان عسير وخطير، أفرزته التطورات الأخيرة التي تمثلت في تولي إدارة أمريكية جديدة للسلطة في واشنطن وعودة انتخاب الرئيس أحمدي نجاد في إيران لدورة رئاسية ثانية. لقد وصلنا اليوم إلى مُفترَق طُرُق مُهم سيحدِّد مستقبل البرنامج النووي الإيراني، وقد يحدِّد معه معالم ومستقبل منطقة الخليج العربي لعقود زمنية قادمة.
ونجد اليوم ثلاثة سيناريوهات أساسية ماثلة أمامنا ترسم تطورات المرحلة القادمة لكل منها تبعات ثقيلة لا يمكن تجاهلها:
السيناريو الأول يقوم على افتراض قيام الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي بالامتناع أو بالتردد في اتخاذ مواقف رادعة وحاسمة تجاه إيران، وهو ما يسمح لإيران بالاستمرار في تطوير برنامجها النووي حتى تتمكن من الوصول إلى إنتاج السلاح النووي. وهذا السيناريو سيكون له تبعات كارثية على الأمن والاستقرار الإقليمي في منطقة الخليج لسنوات طويلة قادمة، وسيزعزع أُسُس موازين القوى الإقليمية، ويجر المنطقة لجولة جديدة وخطيرة من سباق التسلُّح بالأسلحة النووية.
السيناريو الثاني يقوم على افتراض قيام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي عبر آلية مجلس الأمن، أو عبر آلية خاصة مستحدَثة لتحالف دولي يعمل خارج إطار مجلس الأمن (أمريكا، الاتحاد الأوروبي، والدول الحليفة) باتخاذ سياسة جديدة تقوم على فرض عقوبات اقتصادية ومالية ودبلوماسية صارمة وشاملة على إيران من أجل إجبار النظام الإيراني على التخلي عن الاستمرار في برنامج الدولة النووي، أو من أجل إخضاع البرنامج للإشراف والمراقبة الدولية دون قيود أو شروط. وهذا الاختيار على ما يبدو هو الاختيار المفضل لإدارة الرئيس أوباما في هذه المرحلة. فقد أشارت وزيرة الخارجية الأمريكية إلى احتمال فرض عقوبات اقتصادية (صارمة) على إيران في حالة عدم استجابة الحكومة الإيرانية لدعوات الإدارة الأمريكية الجديدة بالتفاوض المباشر لحل مشكلة برنامج الدولة النووي. ولم تقم الحكومة الإيرانية بالاستجابة لهذه الدعوات حتى الآن، إما رغبةً في كَسب المزيد من الوقت واتّباعاً لسياسة التسويف والمراوغة التي تخدم تقدُّم البرنامج، أو أنها لا تجد مُبرِّراً للدخول في مفاوضات تَعلُم مُقدَّماً أنها تتطلب تقديم تنازلات كبيرة ستحُدّ من استمرار وتقدُّم برنامج الدولة النووي وقد تحرمها، في نهاية المطاف، من تطوير وامتلاك السلاح النووي.
وقد ظهرت مؤخَّراً مَعالم خُطة (المقاطعة الصارمة) التي تفكر واشنطن في تبنيها ضد طهران في حالة عدم استجابة النظام الإيراني لدعوات التفاوض، وإيجاد الحلول الدبلوماسية للخلاف القائم. فبناءً على المعلومات التي قامت واشنطن بتسريبها حول شكل العقوبات التي يمكن فرضها على إيران نجد أن هذه العقوبات تشمل مبدأين، الأول هو استهدافها جميع أنشطة الدولة الحيوية، ثانياً كونها عقوبات (تصاعدية) تزداد شموليتها مع استمرار الرفض الإيراني.
وأهم ما في هذه العقوبات المقترَحة أنها تمس قطاع الطاقة المصدَّرة والمستورَدة مِن وإلى إيران، هذا بجانب نظام المقاطعة الاقتصادية الأمريكية الذي كان قائماً منذ عام 1996 ويستهدف منع أي استثمار خارجي في تطوير قطاع الطاقة الإيراني. فالمقترَحات الجديدة تتكلم عن فرض قيود على تصدير النفط الإيراني إلى الأسواق الدولية، في ظل افتراض أن الأسواق الدولية وعند فرض العقوبات ستكون قادرة على التعامل مع اختفاء ما يقارب مليوني برميل نفط يومياً من السوق، وهو ما يمثل حصة إيران التصديرية. الإدارة الأمريكية تعتقد أن فرض القيود على تصدير النفط الإيراني أمسى ممكناً في ظل انخفاض الطلب العالمي على النفط، وفي ظل توافر إمكانيات إضافية لإنتاج وتصدير النفط في دول أخرى، وخاصة في المملكة العربية السعودية ودول أخرى كالعراق وليبيا وهو ما يضمن تعويض أي نقص ينتج عن اختفاء النفط الإيراني مِن الأسواق العالمية. الخطة تذهب إلى أبعد من ذلك وتتكلم عن إمكانية منع تصدير المنتجات النفطية المكررة إلى إيران وخاصة مادة الكازولين والبنزين، ويُعتقَد أن هذه الخطوة ستؤثر بشكل كبير في حياة المواطن الإيراني، لكون إيران لا تنتِج ما يسُدّ حاجتها وتعتمِد على استيراد هذه المواد بنسبة تزيد على 40% من حاجة الدولة. لذا فإن اختفاء ما يقارب النصف من حاجة السوق الإيراني الداخلي للمنتجات النفطية سيكون له تأثيرات ملموسة في اقتصاد البلاد وفي تلبية المتطلبات الأساسية للمواطن الإيراني. وتستمر قائمة العقوبات لتشمل فرض عقوبات على جميع شركات الـتأمين الدولية التي تُوفِّر غطاءً تأمينياً للنشاطات التجارية الإيرانية مِن الاستيراد والتصدير، وهذه الخطوة ستؤدي افتراضاً إلى عرقلة أغلب النشاطات التجارية الخارجية للدولة. ولكون هذه العقوبات المقترحَة ذات طبيعة (تصاعدية) فإن المرحلة الثانية من نظام العقوبات تُفترَض أن تشمل منع جميع السفن والطائرات الإيرانية من الإبحار أو التحليق في المياه والمجالات الجوية للدول المشاركة في نظام المقاطعة، ومنع السفن من الرسو في الموانئ البحرية ومنع الطائرات الإيرانية من استخدام المطارات الدولية.

Articles

دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة طموحات نجـــــــــــاد

لم تأتِ نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي توجت بإعادة انتخاب أحمدي نجاد لفترة رئاسية ثانية بأي مفاجأة لمراقبي الموقف في دول الخليج العربي. فنحن هنا في منطقة الخليج بالخصوص، والعالم العربي بشكل عام لا يهمنا من يحكم إيران، ولا يهمنا كيف تدار شؤون الدولة الداخلية، فهذا شأن داخلي إيراني يرسم العلاقة بين الحاكم والمحكوم لا يعنينا كثيراً. ما يعنينا وبشكل جذري وأساسي هو كيف تدار علاقة إيران الخارجية مع جاراتها وكيف تتصرف إيران في محيطها الإقليمي. ضمن هذا المفهوم المحدد والواضح المعالم جاءت أخبار إعادة انتخاب أحمدي نجاد لفترة رئاسية ثانية كتطور سلبي وكأخبار سيئة على جميع مستويات أبعاد السياسية الإقليمية خليجياً وعربياً وربما دولياً. فلا يوجد سر أو لغز نحتاج لانتظار تجليه في سياسة الرئيس نجاد الإقليمية، خاصة في ظل تجربة السنوات الأربع الماضية التي قاست دول المنطقة خلالها من سلوك إيران غير الودي والمواقف الباعثة على الشك وانعدام الثقة تحت رئاسة الرئيس أحمدي نجاد.
وكان الخلاف الداخلي الذي تطور على أثر ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية واتهامات التزوير والتلاعب بنتائجها النهائية لمصلحة ضمان عودة نجاد إلى سدة الرئاسة لأربع سنوات قادمة دلت على حقيقة أساسية مفادها: أن قيادة الدولة العليا الدينية والدنيوية المتمثلة بشخص ولي الفقيه والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية ترغب باستمرار قيادة نجاد للدولة بأي ثمن وتحت أي ظرف من الظروف، وهنا تكمن خطورة الأمر. فالمرشد الأعلى يمثل قمة هرم السلطة الدينية والسياسية التي لا يمكن تحديها أو مخالفتها، وهذه السلطة المطلقة سياسياً وشرعياً تؤمن بأن استمرار قيادة أحمدي نجاد كرئيس للدولة هو أمر صائب بل ضروري لخدمة مصالح إيران الدولة ومصالح إيران الثورة. فالمرشد الأعلى لم يخفِ تأييده ودعمه لأحمدي نجاد قبل بداية الحملة الانتخابية، وخلال الحملة وبعد ظهور النتائج، وخلال مرحلة التشكيك بمصداقيتها، إلى مرحلة تدخله شخصياً لحسم الخلاف لمصلحة (الابن البار).
نتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية أفرزت حقيقة علينا مواجهتها هنا في منطقة الخليج والعالم العربي. فنحن اليوم أمام أربع سنوات إضافية من التعامل مع إيران تحت قيادة أحمدي نجاد. ولا نجد من الصعوبة بمكان تحديد معالم العلاقات الخليجية ـ الإيرانية أو العربية ـ الإيرانية خلال السنوات الأربع القادمة على ضوء الحقائق التي أبرزتها تجربتنا خلال السنوات الفائتة في تعاملنا مع إيران تحت قيادة الرئيس أحمدي نجاد. فقد اتسمت علاقات إيران مع جاراتها من الدول الخليجية والعربية بتبني إيران سياسة هجومية وتدخلية في الشؤون الداخلية لعدد كبير من الدول العربية، وبموقف ينم عن رغبة إيرانية في فرض الهيمنة والاستعلاء. فخلال السنوات الماضية شهدنا عودة (غير رسمية) للطموحات الإيرانية بدولة البحرين العربية، وشهدنا تكرار التهديدات بإغلاق مضيق هرمز وإمكانية (إحراق المنطقة) إن دعت الضرورة، وشهدنا تصعيداً مقلقاً في سياسية إيران التدخلية في الشؤون اللبنانية، والعراقية، والفلسطينية، وربما اليمنية. وشهدنا تصعيداً في استخدام واستغلال السياسة الإيرانية للورقة الطائفية في العالم العربي، كل هذه الممارسات تمت من أجل دعم المصالح السياسية والاستراتيجية للنظام الإيراني ودعم السياسية التدخلية وتأسيس مراكز النفوذ للتأثير في سير وتطور السياسة الداخلية للدول العربية وزعزعة أمنها واستقرارها. وشهدنا مزيداً من التعنت والرفض في تسوية مشكلة الجزر العربية الثلاث المحتلة من قبل إيران، وشهدنا إصراراً على تجاهل إيران لقرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقرارات مجلس الأمن الدولي التي تطالب إيران بوقف نشاطات تخصيب اليورانيوم وفتح أبواب منشآت برنامجها النووي للمراقبة والتحقق الدولي.
الدعم العلني الذي قدمه المرشد الأعلى لضمان عودة أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة يحمل في طياته إشارات مؤكدة، على أن سياسة الرئيس أحمدي نجاد تتطابق مع رغبات ومواقف القيادة العليا في سلم السلطة ولا تعد سياسة أو مواقف شخصية تعكس أسلوب الرئيس الفردي في الحكم. فالمرشد الأعلى وقيادات الجناح المحافظ في السلطة، والتي تعد القوة الرئيسية التي تحكم الدولة اليوم، تنظر إلى سياسة الرئيس أحمدي نجاد بعين الرضى وتؤمن بأن هذه السياسة تمثل الأسلوب الناجح في خدمة مصالح الدولة العليا.

Articles

حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون الخليجـــــــي

من المعروف أن قضية حقوق الإنسان هي قضية مركبة لها أبعادها القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالتالي لا يمكن مقاربتها إلا من منظور متعدد الأبعاد. ولقد أخذت هذه القضية طابعاً عالمياً خلال العقود الأخيرة، حيث لم تعد انتهاكات حقوق الإنسان شأناً داخلياً يخص الدولة التي تتم فيها الانتهاكات. وقد ارتبطت عولمة حقوق الإنسان بتطورات عديدة منها: تمدد ثورة المعلومات والاتصالات، وانتفاء قدرة أي نظام حاكم أو جماعة معارضة على إخفاء ممارساتها التي تنطوي على انتهاكات لحقوق الإنسان، فضلاً عن تنامي دور المنظمات المحلية والعالمية المعنية بحقوق الإنسان وقيامها بإصدار تقارير وبيانات تندد بانتهاكات حقوق الإنسان في حال حدوثها. كما أن بروز حق التدخل الإنساني كرّس من الطابع العالمي لقضية حقوق الإنسان.
ورغم الجوانب الإيجابية لعولمة قضية حقوق الإنسان، إلا أنه لا يمكن إغفال حقيقة التوظيف السياسي لهذه القضية في العلاقات الدولية، فعلى سبيل المثال، دأبت الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول على استخدام قضية حقوق الإنسان كورقة للضغط على بعض الدول التي تخالفها التوجهات والسياسات، ولذلك تتعامل مع هذه القضية كقضية مبدئية أخلاقية، بل راحت تطبقها بمعايير مزدوجة، مما أضرّ كثيراً بمصداقيتها بهذا الشأن.
وبالنظر إلى قضية حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه يمكن تسليط الضوء على جملة من الملاحظات:
الملاحظة الأولى: إن الدساتير والقوانين المعمول بها في دول المجلس تتضمن الكثير من النصوص الإيجابية المتعلقة بحقوق الإنسان. كما وقّعت هذه الدول على بعض الاتفاقيات والمواثيق الدولية المهمة المتعلقة بحماية حقوق الإنسان. وقد اقترن ذلك في جانب منه بعملية الإصلاح السياسي التي انخرطت فيها دول المجلس – بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة – منذ مطلع تسعينات القرن العشرين.
الثانية: إن غالبية دول المجلس وافقت على تأسيس منظمات غير حكومية لحماية حقوق الإنسان، كما أن بعضها قام بتأسيس مؤسسات وأجهزة حكومية لهذا الغرض. وهذا يدل على تزايد الاهتمام بهذا الملف في الدول المعنية، وبخاصة في ظل تسليط الضوء على واقع حقوق الإنسان فيها من قبل العديد من المنظمات والجهات العالمية. ولذلك فإن مجرد الموافقة على ترخيص منظمات غير حكومية لحقوق الإنسان هو خطوة مهمة تستحق الإشادة والتقدير. فدور هذه المنظمات يمكن أن يتسع تدريجياً مع مرور الوقت.
الثالثة: إنه رغم التحسن الكبير في سجل حقوق الإنسان في دول المجلس خلال السنوات الأخيرة، إلا أن التقارير الدورية والسنوية التي تصدرها جهات دولية حكومية وغير حكومية مثل (منظمة العفو الدولية) و(هيومن رايتس ووتش)، و(فريدم هاوس)، و(المنظمة العربية لحقوق الإنسان) و(الخارجية الأمريكية) وغيرها، تشير إلى بعض مظاهر انتهاكات حقوق الإنسان في دول المجلس. وقد دأبت حكومات هذه الدول على رفض مثل هذه التقارير والتشكيك فيها باعتبارها تستند إلى معلومات غير دقيقة، وتتجاهل التطورات الإيجابية التي تشهدها هذه الدول بشأن تعزيز احترام حقوق الإنسان، كما ترى أن بعضها موجه سياسياً.
الملاحظة الرابعة والأخيرة هي أنه بغض النظر عن الجدل الموسمي الذى يدور بين حكومات دول المجلس والمنظمات العالمية المعنية بحقوق الإنسان بخصوص التقارير التي تصدرها الأخيرة، فالمؤكد أن التحسّن في سجل حقوق الإنسان في هذه الدول لا يمكن إنكاره، ولكن هناك حاجة لمواصلة الجهود الرامية إلى ترسيخ حقوق الإنسان ومعالجة بعض السلبيات التي لا تزال قائمة بهذا الخصوص. ويمكن في هذا المقام التركيز على مايلي:
1- مواصلة عملية الإصلاح القانوني والسياسي في دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها الركيزة الأساسية لتعزيز أسس وضمانات احترام حقوق الإنسان.
2- تعديل القوانين والتشريعات التي تنطوي على تقييد لحقوق الإنسان، وإصدار القوانين التي من شأنها تعزيز حماية هذه الحقوق.
3- نشر ثقافة حقوق الإنسان بين مختلف فئات المجتمع من خلال وسائل الإعلام ومناهج التعليم والمحاضرات والندوات التثقيفية التي تنظمها النوادي وجمعيات النفع العام.
4- معالجة الآثار السلبية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تنطوي على مساس بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأفراد وفي مقدمتها مشكلات البطالة والغلاء وأزمة السكن والقروض الشخصية.

Articles

محنة العراق بين الغياب العربي والتغلغل الإيرانــــــــي

كان للغزو الأمريكي للعراق مضار كثيرة لا تُعد ولا تحصى، فهي تتمثل في حدها الأدنى، في الانتهاك الصريح للقوانين والمعاهدات الدولية عبر غزو دولة مستقلة ذات سيادة تحت غطاء مبررات ملفقة وحجج واهية وادعاءات باطلة. كما أثمر الغزو والاحتلال عن انتهاك فاضح لحقوق الإنسان في العراق، حيث تقع بعض ممارسات سلطات الاحتلال، ضمن هذا الإطار، في خانة الجرائم الخطيرة ضد الإنسانية، وهي التهم نفسها التي وجهتها محكمة قوات الاحتلال للقيادات العراقية السابقة. ومع ذلك فقد كان لهذا الغزو والاحتلال منفعة كبيرة للعرب بصفة عامة ولدول مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة، فقد كشف قدرة وبراعة الإيرانيين في استغلال كل فجوة يصنعها الآخرون، واستعدادهم غير المحدود لاستغلال أي أخطاء ترتكبها أطراف أخرى من أجل خدمة المصالح القومية العليا للدولة الإيرانية.
وقد كان من بين الأخطاء الجسيمة أو بالأحرى الخطايا المتعمَّدة أو غير المتعمَّدة لمخطِّطي الاحتلال الأمريكي للعراق، توظيف ظاهرة التنوع الطائفي والعرقي، الذي يزخر به المجتمع العراقي، كأداة لإدارة العملية السياسية في الدولة، واستغلال سلطات الاحتلال قيادات ومجموعات سياسية تعتمد بشكل علني وصريح الأسس والمنطلقات الطائفية أو العرقية كهُوِيّات لبرامجها السياسية. وقامت هذه القيادات والتنظيمات السياسية ـ وأغلبها يمتلك تنظيمات شبه عسكرية ـ بمهمة تعميق حالة التعددية والاختلافات الطائفية والعرقية ـ التي توجد في أغلب دول العالم ـ وتحويلها إلى خلافات حادة، ثم إلى أداة أساسية في الصراع السياسي الدامي الذي شهدته البلاد منذ الأشهر الأولى للاحتلال وحتى اليوم. وكان للقيادات والجماعات الطائفية الشيعية، والقيادات والجماعات العرقية الكردية دور بارز في تثبيت أسس الصراع على ركائز الانتماءات الطائفية والعرقية، والعمل بكل جهد على تدمير الأسس التقليدية التي قامت عليها الدولة العراقية منذ نشأتها والتي شكّلت جوهر الانتماء الوطني العراقي، والانتماء القومي العربي لمواطني العراق من العرب. ونجحت هذه القيادات والجماعات التي سيطرت على زمام السلطة بفضل الغزو والاحتلال في تحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في إحلال الهوية الطائفية أو الهوية العرقية محل الهوية العراقية الوطنية.
وكان للتخطيط الاستراتيجي الإيراني دور بارز في دعم هذه الظاهرة الخطيرة وتبنيها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد تبنت القيادات الإيرانية السياسية والدينية والمخابراتية وحتى العسكرية، كلٌّ في اختصاصه، مهمة توفير الدعم والمساندة للقيادات والجماعات الشيعية ذات الصبغة الطائفية الموثقة في برامجها السياسية وفي خطابها الإعلامي والسياسي.
إن القادة الإيرانيين، وعلى كافة مستوياتهم، لا يترددون في توظيف واستخدام الورقة الطائفية. وفي هذا السياق، فقد قاموا بتقديم الدعم للجماعات السياسية الطائفية بشكل علني وبوسائل متعددة، خاصة من خلال الدعوات التي تُوجَّه إلى هذه القيادات السياسية العراقية لزيارة طهران، ومن خلال التصريحات الصحفية اللاحقة لكل زيارة أو اجتماع. فالفارق الجذري بين القيادات الإيرانية والقيادات العربية هنا أن القيادات الإيرانية تعتبر أن من واجبها المنطقي والطبيعي والشرعي أن توفر الدعم والمساندة للجماعات والقيادات السياسية الشيعية. ومن الناحية العملية أثبتت هذه السياسة دورها الكبير في تأسيس مراكز القوى التي تخدم المصالح الاستراتيجية العليا للدولة الإيرانية بشكل ناجح وفعال.
ولطالما شكت وتظلمت القيادات العربية السنية في العراق من تجاهل ذوي القربى، وكثيراً ما عبّرت هذه القيادات عن عدم الرضا تجاه مواقف وسياسات الدول العربية المتعلقة بالعراق، حيث إن أغلب القيادات السياسية العربية تتجنب تحت طائلة من الأعذار، والمبررات غير المنطقية لقاء القيادات السياسية للمجتمع العربي السني في العراق سراً أو علناً. وتشمل قائمة المبررات والأعذار، التي تدعو إلى عدم التواصل مع القيادات العربية السنية، أسباباً معلنة وأسباباً غير معلنة. فما هو معلن ينصب على (عدم الرغبة في التدخل في الشؤون الداخلية للعراق)، أو (عدم الرغبة في تعميق الانقسام والصراع الطائفي داخل العراق)، أو غيرها من المبررات التي تُصنَّف اليوم ضمن الخيال السياسي والعالم الافتراضي الذي لا يمت للواقع العراقي بأية صلة. أما الأسباب غير المعلنة فتتمثل على الأرجح في عدم الرغبة في إغضاب أو إزعاج الحكومة العراقية رغم صبغتها الطائفية الواضحة، أو عدم الرغبة في إغضاب الجانب الأمريكي رغم الأخطاء القاتلة، وربما هناك سبب آخر أو إضافي يخص بعض الدول العربية والخليجية يتمثل في الرغبة في تجنب إثارة حفيظة طهران التي تعتبر العراق ساحة احتكار للدور الإيراني، ولن تنظر بعين العطف أو الرضا تجاه أي منافس محتمل.

Articles

قمة العشرين ومصالح دول مجلس التعــــــــــــاون

احتلت قضايا الأزمة المالية العالمية وتنسيق السياسات الاقتصادية بهدف إنعاش النمو الاقتصادي وإصلاح النظام المالي العالمي- كما كان متوقعاً لها – رأس جدول أعمال قمة دول مجموعة العشرين التي عقدت في لندن في الثاني من إبريل الماضي، وسط إدراك من الجميع أن إيجاد الحلول الناجحة لمثل هذه المشكلات التي تعصف بالاقتصاد العالمي لا يمكن أن يتحقق على يد بعض الدول بعد الآن، حتى إن مجموعة الدول السبع الكبار لا تستطيع الاضطلاع بهذه المهمة؛ وذلك نظراً لتزايد أهمية الأسواق الناشئة خلال العقدين المنصرمين.
وبغض النظر عمّا إذا كانت المهمة تتمثل في معالجة العجز التجاري الأمريكي أو الحصة من إجمالي الناتج المحلي في العالم أو توفير ما يمكن من الطاقة والمواد الخام، فإنه لم يعُد ممكناً بعد اليوم تجاهل دول مثل الصين والبرازيل والمملكة العربية السعودية. وتأسيساً على ما تقدم فإن صيغة مجموعة العشرين تبدو الإطار الأنسب للتعامل مع الأزمة القائمة. فهذه المجموعة التي تأسست عام 1999 تضم الاقتصادات التسعة عشر الأكبر في العالم والاتحاد الأوروبي وتمثل مجتمعة تسعين في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العالم ونحو ثمانين في المائة من حجم التجارة العالمية ونحو ثلثي سكان الكرة الأرضية.
وهذه هي المرة الثانية التي يجتمع فيها رؤساء دول مجموعة العشرين، الأمر الذي يدلِّل على حجم الأزمة. أضف إلى ذلك أن جدول أعمال المجموعة تحول من مناقشة القضايا السياسية إلى مناقشة القضايا الاقتصادية التي أصبحت أكثر أهمية وإلحاحاً. إلا أن التنسيق العالمي هو الكفيل وحده بتحقيق الانتعاش الاقتصادي المنشود وإيجاد الحلول للمصارف المتعثرة، وتبقى كافة المحاولات الأخرى التي لا تلتزم بالتنسيق بين دول العالم محفوفة بالمخاطر، وتؤدي بالضرورة إلى الإضرار بالعديد من دول العالم وربما العودة مجدداً إلى السياسات الحمائية التي لا بد من تجنبها مهما كلَّف الأمر.
إن دور المملكة العربية السعودية في مجموعة العشرين يبقى محورياً، ليس لأنها أكبر الدول المصدرة للنفط وحسب، بل لأنها تحرص كل الحرص على حماية مصالح دول مجلس التعاون الأخرى وكافة الدول المصدرة للنفط بشكل عام. ونظراً لأن المملكة العربية السعودية تحتل مقعداً في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي منذ عام 1978، فإن لها دوراً لا يمكن تجاهله في الحوار الدائر حول إصلاح المؤسسات المالية العالمية. إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أن مجموعة العشرين لا تزال تفتقر إلى أمانة عامة وكوادر متفرغة من الموظفين، الأمر الذي لم يسمح لها حتى الآن بلعب دور فعال يتسم بالكفاءة في الجهود المبذولة لمعالجة المشكلات الاقتصادية والتصدي لها. ولذلك فإن إنشاء المؤسسات يعتبر من الأمور المهمة فعلاً والتي كان لا بد من إعطائها الأولوية التي تستحق على جدول اجتماع القمة في لندن.
لقد حذَّر البنك الدولي مؤخراً من أن العاصفة الاقتصادية التي تعصف بالعالم ستلحق بالدول النامية والأسواق الناشئة في العالم خلال العام الحالي وذلك بشكل يفوق كل التوقعات السابقة. إن بعض الدول في أوروبا الشرقية مثل أوكرانيا وهنغاريا سبق لها أن لجأت إلى صندوق النقد الدولي طلباً للمساعدة، كما أن هاجس إفلاس المصارف في أوروبا الشرقية بدأ يفرض نفسه بقوة، الأمر الذي ستكون له تبعات سلبية على بعض مصارف أوروبا الغربية التي تعاني أزمات حادة ونقصاً في السيولة في النمسا والسويد وسويسرا على سبيل المثال لا الحصر.
كان رئيس الوزراء البريطاني، غوردون براون، قد حظي باستقبال فاتر خلال زيارته إلى منطقة الخليج في شهر نوفمبر الماضي وذلك عندما حاول أن يروج لفكرة أن دول مجلس التعاون قادرة على جمع (مئات المليارات) لعمليات الإنقاذ المقترحة للمؤسسات المتعثرة. لقد تغيرت الأولويات، أصبح لزاماً ضخ المزيد من الأموال في الأسواق المحلية ولا سيما في ظل تراجع معدلات السيولة العالمية والخسائر الفادحة التي تعرضت لها صناديق الثروة السيادية بسبب الفوضى العارمة التي شهدتها أسواق المال العالمية. أضف إلى ذلك أنه بسبب أسعار النفط المنخفضة. فإن بعض الدول المصدرة للنفط ستعاني عجزاً في ميزانياتها لعام 2009 ولن يكون لديها فائض مالي تقدمه إلى صندوق النقد الدولي.
إلا أنه على الرغم من هذه الأوضاع الصعبة فإنه لا يزال هناك مجال للتعاون، لأن من مصلحة دول المجلس عدم التخلي عن مسؤولياتها تجاه المجتمع الدولي. وهي مستعدة للمساهمة بنسبة 10 في المائة من الخمسة مليارات دولار التي رصدها البنك الدولي لدعم مكافحة الفقر في دول إفريقيا. كما أن بإمكان دول المجلس إقراض صندوق النقد الدولي مبالغ مالية تساهم في حل الأزمة المالية العالمية. ولكن من حق دول المجلس أن تطالب مقابل هذه الأموال بأن تحصل على معدلات فائدة أفضل، وأن تحظى بدور وصوت أقوى في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي. وتصر دول المجلس كذلك على حقها في معرفة الجهة المستفيدة من الأموال التي تقدمها وذلك لضمان وصولها إلى الجهات التي تحتاجها.

Articles

أفغانستان وإحياء التحالف الأمريكي – الإيراني

تبادل المصالح بين الأصدقاء، وأحياناً بين الأعداء، لا يعد ظاهرة جديدة في العلاقات بين الدول، فالعلاقات بين الدول لا تعرف العداءات الدائمة ولا الصداقات الدائمة، بل جوهرها هو المصالح الدائمة. وتُعتبر علاقة التعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية (الشيطان الأكبر) من جهة وجمهورية إيران الإسلامية (قلب محور الشر) من جهة أخرى مثالاً نموذجياً يجسد هذه الحقيقة في الوقت الراهن. فعلى الرغم من التهديدات والضجيج الإعلامي السلبي الذي صدر، ويصدر كل يوم، من كلتا الدولتين ضد الدولة الأخرى، وعلى الرغم أيضاً من تبادل النعوت والأوصاف السيئة، ناهيك عن إطلاق التصريحات والإدانات العلنية والإعلامية التي تصدر من كبار المسؤولين في كلتا الدولتين، والمدعومة عادة بالحملات الإعلامية المتبادلة، رغم كل ذلك وغيره فثمة مؤشرات عديدة تؤكد أن علاقة التعاون، بل التحالف بين واشنطن وطهران، هي أقوى من أي تحالف رسمي، وأصلب من أي تحالف معلن شهدته منطقة الشرق الأوسط خلال العصر الحديث باستثناء واحد هو التحالف الأمريكي – الإسرائيلي.
إن التحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران يقوم على مبدأ سحري أثبت فاعليته منذ بداية العلاقات الدولية، وهو مبدأ (خدمة المصالح المشتركة). والمراقب لتطور العلاقات الأمريكية – الإيرانية منذ الثورة الإيرانية وحتى اليوم سيجد حقيقة أن العلاقات بين الدولتين غائبة وسيئة (سياسياً)، ولكنها حية وفاعلة (استراتيجياً). فهناك فارق كبير بين العلاقات السياسية الرسمية والعلنية من جهة، والعلاقات الاستراتيجية من جهة أخرى، والتي تقوم على تفاهمات مباشرة أو غير مباشرة بين الطرفين بشأن عدد من القضايا.
وفي هذا السياق، فإن التحالف الاستراتيجي الأمريكي – الإيراني، والذي تبلور سريعاً في فترة ما بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 استمد – ويستمد – قوته وفاعليته من كونه يمثل علاقة استراتيجية تقوم على أسس راسخة وعملية هدفها الأساسي هو خدمة المصالح الوطنية العليا والمشتركة لكلتا الدولتين. وكان الدعم المباشر وغير المباشر الذي قدمته إيران للولايات المتحدة في عملية إزالة نظام طالبان في أفغانستان عام 2001، وأيضاً إزالة نظام البعث في العراق عام 2003 يمثل قمة ثمرة التحالف الاستراتيجي من أجل خدمة المصالح المشتركة للطرفين رغم انعدام أو غياب حاله التوافق السياسي العلني.
وتجسد العلاقة بين الدولتين حقيقة أن السياسة الخارجية لكل منهما تقوم على حسابات خدمة المصلحة العليا للدولة، فالولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى لها سياستها الكونية وحساباتها الخاصة، كما أن السياسة الإيرانية الإقليمية والدولية لا تحكمها العواطف والأهواء والشعارات العلنية، فإيران ليست دولة عقائدية في سياستها الخارجية، كما يعتقد الكثيرون. ولنأخذ مثالاً واحداً في هذا المجال، فدعم مصالح الأقليات الشيعية في العالم، الذي أمسى إحدى الدعائم الأساسية لسياسة الدولة الخارجية، لا يقوم على أساس حماية مصالح هذه الأقليات، ولا يقوم أيضاً على أسس خدمة المذهب الشيعي، بل على أساس واحد هو مدى خدمة المذهب الشيعي والأقليات الشيعية للمصالح الوطنية العليا للدولة الإيرانية. فتوظيف الورقة الطائفية في سياسة إيران الخارجية، والذي أدى إلى تأجيج التنافس والتناحر الطائفي في العالم الإسلامي، هو جزء من (استراتيجية الدولة التدخلية) في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأيضاً جزء من (استراتيجية بناء مراكز النفوذ الإيراني) في مجتمعات ودول المنطقة.
وعلى المنوال نفسه (خدمة المصالح الوطنية العليا) تقوم أسس علاقة إيران بالولايات المتحدة الأمريكية اليوم في ظل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما. فقد حملت وكالات الأنباء العالمية مؤخراً معلومات حول قيام الإدارة الأمريكية ودول حلف شمال الأطلسي العاملة في ساحة الحرب الأفغانية بدراسة احتمال استخدام الأراضي الإيرانية كقاعدة خلفية لدعم العمليات الحربية لحلف الناتو في أفغانستان، وذلك عبر تفاهمات خاصة مع النظام الإيراني، حيث أكد الجنرال جون كرادوك من قيادة حلف شمال الأطلسي أن قيادة الحلف لن تعترض على أي من الدول الأعضاء في الحلف ترغب في الاتفاق مع إيران بهدف تمرير الإمدادات لقواتها العاملة في أفغانستان عبر الأراضي الإيرانية.
وجاء هذا التطور بعد قيام جمهورية قيرغيزستان بإلغاء اتفاقية تقديم الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية في أفغانستان عبر أراضيها، وكذلك على خلفية تدهور الوضع الأمني في باكستان وارتفاع وتيرة المعارضة الداخلية لدور باكستان في توفير الدعم للمجهود الحربي الأمريكي والغربي في ساحة العمليات الأفغانية. وقد استشعرت القيادات الأمريكية والغربية خطورة الموقف في باكستان بعدما تمكنت حركة طالبان والمجموعات الباكستانية الداعمة من قطع طرق الإمداد البرية عبر مضيق (خيبر) الذي يعد شريان الإمداد الرئيسي للقوات الغربية العاملة داخل أفغانستان. وفي ضوء ذلك يبدو أن الخطة الغربية البديلة تقوم على فكرة إمكان استخدام أراضي إيران لغرضين حيويين يتحكمان في استمرار وسير العمليات العسكرية في أفغانستان، هما:
الأول، إن إيران من الممكن أن توفر الممر الآمن عبر موانئها البحرية وأراضيها ومجالها الجوي لضمان إيصال تعزيزات القوات الغربية وعمليات استبدالها الدوري، وإيصال الأسلحة والمؤن والمعدات إلى داخل أفغانستان.
الثاني، إن الأراضي الإيرانية من الممكن أن تُستخدم كملاذ آمن للقوات الأمريكية والغربية في حالة قيام ظروف خاصة تستوجب الانسحاب الطارئ من الأراضي الأفغانية. وهذا يعني قيام حالة اعتماد كبير على التعاون الإيراني في استمرار الحرب في الساحة الأفغانية التي أكد الرئيس أوباما مراراً أنها ستحظى بالأولوية في سياسته الخارجية.
وتقوم أسس هذا الاقتراح على الحسابات الاستراتيجية والمنطقية نفسها التي تحكم العلاقات بين واشنطن وطهران، وهي أن النظام الإيراني يجد (مصلحة استراتيجية عليا) في منع عودة نظام طالبان السني المتطرف والعدو الطبيعي لإيران إلى السلطة في كابول وبأي ثمن. ومن هنا فإن تحالف طهران مع الولايات المتحدة عام 2001 لإسقاط نظام طالبان، الذي قام على أسس (المصلحة المشتركة)، لا يزال يتحكم في وجوب استمرار التعاون بين الدولتين من أجل منع عودة النظام المعادي لكليهما إلى زمام السلطة.
وفي ضوء كل ذلك، فإنه يتعين على الدول العربية أن تدرك أن الولايات المتحدة في مأزق كبير، وتحاول إيجاد مخرج منه بأي ثمن، وأن طهران في حالة ترقب لقطف ثمار هذا المأزق. لذا فإن فكرة إعادة التعاون والتحالف الاستراتيجي بين واشنطن وطهران للسيطرة على الوضع في أفغانستان قد تكون بداية لعودة تحالف استراتيجي متعدد الأبعاد بين الدولتين، وقد يقود واشنطن وحلفاءها الغربيين إلى تقديم تنازلات جذرية لإيران في مواقع وقضايا خطيرة يمكن أن تمس الأمن والمصالح الوطنية العليا لدول عربية وخاصة في منطقة الخليج.

Articles

الإعلام وتمكين المواطن العربــــــــي

ما إن تحرّر مارد ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من القمقم حتى اجتاح الحدود، وساهم في تسريع وصول المعلومات على اختلاف أنواعها ومصادرها في أوقات قياسية إلى القارئ والمشاهد العربي، وأصبح عصياً على الدول فرض قيود على التدفق الإعلامي والمعلوماتي القادم من خارج حدودها سواء عبر القنوات الفضائية أو الإنترنت، الأمر الذي أنهى احتكار النظم الحاكمة للمعلومات، حيث تعددت مصادرها وسبل الوصول إليها، مما أدى إلى تمكين المواطن العربي وتحريره إلى حد كبير من الرقابة التي تحاول بعض الجهات الرسمية فرضها عليه.
لم تعُد المشكلة الآن تنحصر في كيفية الوصول إلى المعلومة، بل أصبح من الضروري التعامل مع تبعات هذه الحرية الجديدة. فمهمة المسؤولين عن الإعلام في العالم العربي على وجه العموم وفي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على وجه الخصوص لم تعُدْ تقتصر على تحديد ما يُسمَح أو لا يُسمَح للمواطن الاطّلاع عليه من معلومات وأفكار جديدة. فالمهمة الآن أصبحت أكثر أهمية وتعقيداً وتتمثل في كيفية تأهيل المواطن للتمييز بين الطيب والخبيث، وبين المصادر الموثوقة وتلك التي تُروِّج للأكاذيب والشائعات المغرضة والتي تحاول أن تنال من أمن واستقرار المواطن والوطن، وتدريب المواطن وتشجيعه على التفكير والتفكر والتأمل فيما يشاهد ويقرأ.
هذا على الصعيد العام، أما على الصعيد الخاص، فإن أحداً لا يستطيع أن يُلازِم ابنه أو ابنته على مدار الساعة ليراقب ما يتصفحونه من مواقع وما يطّلعون عليه من معلومات على شبكة الإنترنت في ظلِّ هذه الظروف الجديدة. ولذلك فإن الأسلوب الأمثل هو غرس الفضائل والقيم الإيجابية لدى الطفل منذ نعومة أظفاره من خلال إعادة الاعتبار لدور الأسرة في عملية التنشئة والتوجيه، وتطوير المناهج الدراسية عبر مختلف المراحل، وترسيخ دور الإعلام الوطني الهادف. فمن هنا يمكن خلق أجيال قادرة على الانفتاح على ثورة المعلومات والاتصالات والتعامل مع مكوناتها وأدواتها من دون أن تفقد هويتها أو تصاب باستلاب فكري وحضاري.
إن الإعلام العربي يواجه تحديات كبيرة في الوقت الراهن وبخاصة في ظل ثورة المعلومات والاتصالات. ولذلك فمن المهم هنا مراجعة التشريعات والقوانين المنظمة للعمل الإعلامي سواء المقروء أو المسموع أو المرئي، بحيث تتم إقامة توازن صحي وصحيح بين توفير ضمانات حرية الرأي والتعبير من ناحية والالتزام بمسؤولية الكلمة من ناحية أخرى، وقد اتخذت بعض الدول العربية خطوات مهمة على هذا الطريق.
وإذا كانت هناك طفرة كمية في وسائل الإعلام في الدول العربية خلال السنوات الأخيرة، فإنه من المهم توجيه مزيد من الاهتمام إلى مضمون ومحتوى الرسالة الإعلامية، بحيث يؤدي الإعلام دوره الإخباري على أكمل وجه، ويؤدي أيضاً رسالته كوسيلة للتنشئة والتثقيف ونشر الوعي والترفيه النظيف بين مختلف فئات المجتمع، فضلاً عن دوره في تعزيز فرص التضامن العربي والتواصل بين الشعوب العربية. ولذلك فإن الجهات القائمة على أمر الإعلام في الدول العربية تقع عليها مسؤولية الارتقاء بالجوانب المهنية للعمل الإعلامي، وتعظيم المكون المحلي والعربي والإسلامي في البرامج والمواد الإعلامية. فليس مقبولاً أن تكون هناك محطات عربية تبث على مدار الساعة مواد أجنبية معظمها غث أو برامج تافهة غايتها مخاطبة الغرائز بهدف جني الأرباح.
إن الإعلام الحر والمسؤول عنصر رئيسي في عملية التحول الديمقراطي، ولا يمكن الحديث عن حرية إعلامية حقيقية في الدول العربية إلا في إطار اتخاذ خطوات جادة على طريق توفير ضمانات احترام حقوق الإنسان بما فيها حقه في الحصول على المعلومات، وتعزيز دولة المؤسسات، وتحقيق سيادة القانون، وإرساء قيم وممارسات الشفافية والمساءلة والمحاسبة على مختلف المستويات. كما يقع على عاتق الإعلاميين العرب الارتقاء بالعمل الإعلامي العربي من حيث الشكل والمحتوى والتقنيات والكوادر حتى لا يظل متخلفاً عن الركب، وحتى تكون له مصداقيته التي تحظى باحترام المواطن العربي. فالمصداقية شرط ضروري لنجاح أي عمل إعلامي.

Articles

إدارة الرئيس أوباما وهموم العالم العربي: وجهة نظر خليجـــــية

إن المهمة الأولى لإدارة الرئيس باراك أوباما في منطقة الشرق الأوسط تتمحور حول إيجاد معالجات فعالة للمشكلات والتحديات الخطيرة التي ولّدتها السياسات الخاطئة لإدارة الرئيس جورج بوش، وبخاصة في ما يتعلق بالأزمة العراقية، والدور الإيراني في العراق، فضلاً عن التحرك بجدية وفاعلية على طريق تسوية القضايا والتحديات التقليدية التي شكلت – وتشكل – عائقاً لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وإذا كان من غير المتوقع أن تلقي الإدارة الجديدة بثقلها في قضايا المنطقة قبل مرور نحو عام على الأقل باعتبار أن هناك أوضاعاً داخلية ضاغطة يتعين على الإدارة التعامل معها، فإنه من المهم أن تتحرك تجاه قضايا المنطقة في ضوء الدروس المستخلصة من إخفاقات سياسات إدارة بوش من ناحية، والنظر إلى طبيعة المصالح الأمريكية في المنطقة العربية من ناحية أخرى، لا سيما أن ممارسات إدارة بوش كثيراً ما أحرجت الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة، بل أصبحت تشكل عبئاً عليها في بعض الأحيان.
وبناءً عليه، فإنه على صعيد الصراع العربي – الإسرائيلي، يتطلع العرب إلى أن تقوم الإدارة الجديدة بدور أكثر فاعلية وأكثر حيادية في دفع عملية التسوية وفق رؤية جديدة لا تقوم على مجرد الضغط على الجانب الفلسطيني أو تتجاهل بعض القضايا والجوانب الجوهرية المرتبطة بالقضية الفلسطينية، أو تركز على عزل سوريا، أو تطالب العرب بالتطبيع مع إسرائيل قبل التوصل إلى تسوية شاملة ومقبولة، أو تغض الطرف عن السياسات الإسرائيلية العدوانية التي تعوق جهود التسوية.
وبخصوص المسألة العراقية، فإن ما طرحه الرئيس الجديد خلال حملته الانتخابية بشأن تحقيق انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية من العراق خلال 16 شهراً، يجب أن يقترن بخطوات فعّالة وإيجابية من أجل تدعيم الجيش والشرطة العراقيين، وتفعيل جهود تحقيق مصالحة وطنية داخلية حقيقية، ودعم عملية إعادة الإعمار، وإفساح مجال أكبر للأمم المتحدة ودول الجوار الجغرافي للمساعدة في جهود تحقيق الأمن واستقرار الأوضاع في العراق. ومن دون ذلك فإن أي انسحاب غير مدروس من العراق قد يؤدي إلى حرب أهلية طاحنة، كما أنه سوف يجعل العراق ساحة خصبة لجماعات التطرف والإرهاب، ناهيك عن كونه سيصيب هيبة الولايات المتحدة الأمريكية في مقتل.
وبغض النظر عن الجدل الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط، فالمؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها سوف يظلون لسنوات مقبلة يعتمدون على نفط المنطقة، لذا فإن قضية أمن الطاقة يجب أن تأتي ضمن أولويات الإدارة القادمة، لا سيما أن هناك أطرافاً دولية كثيرة معنية بهذا الملف. ويمكن لواشنطن أن تقوم بدور أكثر فاعلية في حشد الجهود الدولية لتحقيق هذا الهدف.
وبخصوص مستقبل العلاقات الأمريكية – الإيرانية، وانعكاسات ذلك على دول المنطقة، يمكن القول إنه من حيث المبدأ لا يوجد اعتراض عربي أو خليجي على فكرة قيام إدارة الرئيس أوباما بفتح قنوات الحوار مع طهران، فتأسيس علاقات طبيعية بين واشنطن وطهران لا يُعد مصدراً للقلق، بل سيمثل تطوراً إيجابياً من المتوقع أن يصب في النهاية في مصلحة الأمن والاستقرار الإقليمي. لكن ما يشكل مصدراً للقلق هو قيام واشنطن وطهران في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة بالتوصل إلى عقد صفقة على حساب المصالح الاستراتيجية للدول العربية بصفة عامة والدول الخليجية على وجه التحديد.
إن بروز احتمالات تبني دبلوماسية (الصفقة الشاملة) مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس أوباما سوف يدفع طهران إلى بذل الجهود القصوى من أجل تعزيز موقفها التفاوضي بما يجعلها ترفع سقف مطالبها في حالة الانخراط بترتيبات الصفقة بين الجانبين. لذا فإن العام المقبل قد يشهد تصعيداً تدريجياً في سياسة إيران التدخلية في العالم العربي، وبالخصوص في ساحات المواجهة الرئيسية المتمثلة في العراق ولبنان وفلسطين، كما أن أحد أهداف السياسة الإيرانية الراهنة هو العمل على مقاومة الجهود المبذولة من قبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية والرامية إلى تفكيك التحالف الاستراتيجي السوري – الإيراني، إلى جانب سعي طهران إلى تعزيز دورها في العراق والحفاظ على استمراريته، وذلك من خلال ما يلي: وضع العقبات والقيود التي من شأنها منع الولايات المتحدة من الحصول على تفويض عراقي يمنح الشرعية لبقاء القوات الأمريكية في الأراضي العراقية، أو على أقل تقدير تخفيض السقف الزمني لبقاء هذه القوات، وتشجيع ودعم مشروع قيام (الإقليم الشيعي) أو إقليم الجنوب في حالة تمكن الأكراد من تأسيس وإعلان (إقليم كردستان)، فالإقليم الشيعي سيرتبط استراتيجياً بإيران، فضلاً عن الاستمرار في تقديم مختلف أشكال الدعم لكافة الفئات والأحزاب الشيعية من أجل ضمان استمرارية نفوذها المؤثر في الساحة العراقية، ومن ثم ضمان تحقيق أهداف إيران الاستراتيجية في العراق.
وفي ضوء ما سبق، فإن ملف إيران النووي وطريقة معالجته، يأتيان في مقدمة القضايا التي ستكون لها انعكاساتها على منطقة الخليج بصفة خاصة والمنطقة العربية بصفة عامة. ويتمثل التحدي الرئيسي هنا في حقيقة فشل العقوبات الاقتصادية والمالية في التأثير الفعال في الموقف الإيراني. ولذلك فإن القيادة الإيرانية تأمل بصفقة مع واشنطن قد تتضمن (غضّ الطرف) عن البرنامج النووي الإيراني والسماح باستمراره من دون ضغوط أمريكية أو دولية كبيرة. وفي حالة الفشل في تضمين مشروع الصفقة قضية مستقبل البرنامج النووي الإيراني فإن التطورات المستقبلية بخصوص هذا الملف، يمكن تحديدها بالمسارات التالية:
1- تصعيد كبير في العقوبات غير العسكرية المباشرة (اقتصادية ومالية ودبلوماسية) التي ستفرضها الإدارة الأمريكية على طهران، مما يستوجب على دول الخليج أخذ ذلك في الاعتبار في تعاملها المستقبلي مع إيران.
2- في حال فشل نظام العقوبات الدولية في توليد الضغوط الكافية لإخضاع إيران لقرارات الشرعية الدولية، فإن بديل العمل العسكري سيحصل على مزيد من الشرعية الدولية والقبول السياسي.
3- تبقى احتمالات شن عمل عسكري ضد إيران خلال السنة الأولى من تولي الرئيس الأمريكي الجديد زمام السلطة غير واردة أو ضعيفة إلى حد كبير، فالرئيس الأمريكي الجديد سيحتاج إلى السنة الأولى من رئاسته لتثبيت إدارته الجديدة والتعامل مع التحديات الداخلية، وسيحاول قدر الإمكان تجنب التورط في مغامرة عسكرية خارجية. لكن احتمالات العمل العسكري قد ترتفع بمرور الزمن في حالة عدم التوصل إلى تسوية مرضية لأزمة الملف النووي الإيراني. وبالمقابل فإن القيادة الإسرائيلية ستحاول تجنب إحراج الرئيس الأمريكي الجديد خلال فترة رئاسته في السنة الأولى، ولن تلجأ إلى العمل العسكري إلا في حالة الحصول على معلومات تؤكد حدوث تقدم كبير في مسعى إيران لتطوير السلاح النووي أو حدوث تحدٍّ خطير من إيران يبرر العمل العسكري.
ولذلك، فإن المطلوب من الرئيس أوباما وإدارته القادمة هو العمل على احتواء الطموحات الإيرانية المتنامية شريطة ألا يكون ذلك على حساب المصالح الخليجية بصفة خاصة والعربية بصفة عامة، فضلاً عن التعامل مع مشكلات وقضايا العراق، والصراع العربي – الإسرائيلي، والحرب ضد الإرهاب، ودارفور، والإصلاح في دول المنطقة وفق رؤى وسياسات جديدة تعيد للولايات المتحدة الأمريكية مصداقيتها، وتعزز من فرص الأمن والاستقرار في المنطقة.
وفي كل الحالات، فإن التغيير في سياسة واشنطن في المنطقة سيتوقف في جانب مهم منه على مدى نجاح الدول العربية في بلورة رؤى وسياسات مشتركة لإدارة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من القوى الدولية والإقليمية الكبرى. أما الاستمرار في سياسة رد الفعل وانتظار أن تأتي المبادرات من واشنطن أو غيرها من العواصم، فإن ذلك لن يخدم القضايا العربية كثيراً سواء أكان ساكن البيت الأبيض هو أوباما أم غيره.

Facebook
Twitter
YouTube
LinkedIn
Scroll to Top