أين دور مجلس التعاون الخليجــــــــي؟
إن التطورات التي جرت على صعيد العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة خلال الآونة الأخيرة، والتي انطوت على قيام الرياض بإلغاء نظام انتقال الأفراد بين البلدين ببطاقة الهوية، جاءت لتؤكّد على حقيقة مهمّة وهي ضعْف أو غياب دور مجلس التعاون الخليجي في إدارة العلاقات بين الدول الأعضاء ومعالجة الخلافات في ما بينها قبل أن يستفحل خطرها وتتحوّل إلى أزمات، فلو أن المجلس يقوم بدوره في معالجة مثل هذه الأمور لأمكن تفادي الكثير من الخلافات والمشكلات التي تؤثّر بالسلب في مسيرة العلاقات بين الدول الأعضاء، في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى ترسيخ العمل الخليجي المشترك حتى تستطيع التعامل بفاعلية مع التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.
وإذا كان بعضهم قد فسّر قرار المملكة العربية السعودية بأنه نتيجة لوجود حالة من الغيرة لدى بعض الأوساط السعودية من النجاحات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي حقّقتْها دولة الإمارات العربية المتحدة، أو أنه نوع من العقاب لدولة الإمارات بسبب قرارها بالانسحاب من نظام العملة الخليجية الموحّدة. وبغضّ النظر عن مدى دقّة ودوافع هذه التفسيرات، التي قد تكون لمصالح شخصية، فالمؤكّد أن العلاقات بين دول المجلس هي أعمق من أن تُختزل في تفسيرات يغلُب عليها طابع الانفعال العاطفي. وربما تكون هذه التطورات مناسبةً لإعادة تقييم مجمل تجربة مجلس التعاون الخليجي، بحيث يتمّ تطوير آليات أكثر فاعلية لإدارة وحلّ الخلافات بين الدول الأعضاء، فالاختلافات أمر طبيعي، وتحدُث في كافة التجمُّعات والمنظّمات الإقليمية والدولية، لكن الفارق الجوهري بين تجمُّع وآخر يتمثّل في مدى تطوير صيغ وآليات مؤسّسية لمعالجة الخلافات بين الدول الأعضاء، وحصْر كل خلاف في حدوده الموضوعية بحيث لا يمتدّ ليشمل قضايا ومجالات أخرى للعلاقات بين الدولتين أو الدول المعنية.
ورغم كل الانتقادات التي يمكن توجيهها إلى مجلس التعاون الخليجي، إلا أنه لا خيار أمام دول المجلس سوى الحفاظ على هذا الكيان وضمان استمراريته، لكنْ مع العمل بجدية وإخلاص من أجل تعزيز سُلُطاته وصلاحياته، ومعالجة المعوّقات التي تؤثّر في عمله، حتى يستطيع القيام بدور فاعل ومؤثّر في ترسيخ مسيرة التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، وحماية أمنها الوطنيّ، وتنسيق سياساتها الخارجية. فعالم اليوم هو عالم التكتُّلات الكبيرة ولا مكان فيه للكيانات الصغيرة.
إن تطوير عمل المجلس وتفعيل دوره لن يكونا إلا من خلال مراجعة أمينة ومخلصة لتجربته خلال العقود الماضية. فلماذا يغيب دور المجلس في معالجة الخلافات بين الدول الأعضاء على نحو يؤثّر في مسيرة العمل الخليجي المشترك؟ وهل الخلل يرجع إلى عدم امتلاك أجهزة المجلس الصلاحيات الكافية، أم لضعْف هذه الأجهزة وبخاصة جهاز الأمانة العامّة، وعدم قُدْرتها على ممارسة المهام المنوطة بها، أم للاثنين معاً؟
كما أن تطوير دور المجلس لن يكون إلا من خلال التزام الدول الأعضاء بتعزيز صلاحيات المجلس من ناحية، وتنفيذ القرارات التي يتمّ الاتفاق عليها من ناحية أخرى، لأن ضعْف الالتزام بهذا الخصوص يؤثّر بالسلب في مصداقية المجلس وأيضاً مصداقية قراراته. فالقرارات تُوضع لكي تُنفّذ، وليس لكي يتمّ إدراجها على أرفُف أجهزة المجلس، أو أن تكون مجرد قرارات استرشادية.