Author name: Soliman M

Articles

اتفاق المصالحة السودانية ـ التشادية..إنجاز آخر للدبلوماسية السعـــــــــــــودية

في خطوة تؤكد قناعة المملكة العربية السعودية الراسخة بأن المشكلات التي تعانيها المنطقة العربية وما جاورها تحتاج إلى حلول نابعة من المنطقة نفسها، حققت المملكة إنجازاً آخر يضاف إلى رصيد نجاحاتها، وذلك بالتوسط في التوصل إلى اتفاق مصالحة بين السودان وتشاد يحول دون اندياح دائرة الصراع الناجم عن أزمة دارفور. وبينما سيتضح تأثير هذا الاتفاق خلال الأشهر المقبلة، فإن من المؤكد أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي ـ والذي يشجع هاتين الدولتين الجارتين في إفريقيا على منع الحركات المتمردة ومجموعات المعارضة من شن هجمات عبر الحدود المشتركة، ويدعم جهود الاتحاد الإفريقي لتحقيق الاستقرار في إقليم دارفور السوداني ـ يمثل فتحاً جديداً في هذه الأزمة الشائكة.
وكانت الحكومة السودانية قد وقّعت اتفاق سلام دارفور، الذي رعاه الاتحاد الإفريقي، مع الفصيل الرئيسي من حركة تحرير السودان في العاصمة النيجيرية أبوجا خلال شهر مايو من العام الماضي، غير أن العنف لم يتوقف في إقليم دارفور. ويعَد هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخراً في الرياض مهماً في هذا الصدد، لأن قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي تقول إن الصراع في دارفور لا يمكن حله حلاً شاملاً إلا بعد توقف الأعمال العدائية على الحدود بين السودان وتشاد.
وبعد سلسلة من الجهود الفاعلة لمعالجة الأزمات المستفحلة في المنطقة، ومنها الاقتتال الداخلي بين الفصائل الفلسطينية، والصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وملفات لبنان وسوريا والعراق وإيران، بادرت المملكة العربية السعودية إلى الاستفادة من فرصة مؤتمر القمة العربي، الذي عقد في الرياض خلال شهر مارس الماضي، لكي تحاول إيجاد حل للصراع على الطرف الآخر من البحر الأحمر، وأيضاً لكي تعمل على إيقاف التدخلات الليبية المتأرجحة في هذه المنطقة. وتدخّل الملك عبدالله بن عبدالعزيز ليدفع الحوار البنّاء بين فرقاء الأطراف المعنية، ومنهم الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره التشادي إدريس ديبـي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس المفوضية الإفريقية ألفا عمر كوناري، وذلك بهدف التوصل إلى آلية فاعلة لحل مشكلة دارفور.
بعد أسابيع قليلة، قالت الخرطوم إنها قبلت بالمرحلة الثانية من خطة الأمم المتحدة (حزم الدعم)، والتي تتضمن إرسال 3000 فرد من عناصر تابعة للأمم المتحدة بهدف توفير الإمدادات والاتصالات والمساعدات الفنية للطيران اللازمة لقوات الاتحاد الإفريقي ذات التجهيز الضعيف، والتي يبلغ عددها نحو 7 آلاف جندي، بعد أن ظلت عاجزة عن إحداث تحول حقيقي ينهي الاضطرابات والاقتتال الدموي في إقليم دارفور.
فبالإضافة إلى أن المملكة العربية السعودية تمثل القوة الاقتصادية الرئيسية في منطقة الخليج والشرق الأوسط، فإن توجهها نحو الإسهام الفاعل في جهود حل النـزاعات في العالم العربي ينبع من الرغبة الصادقة لقيادتها الحكيمة في محاولة المعالجة المتأنية لمشكلات العالم الإسلامي المتراكمة. وتأتي هذه المبادرات الدبلوماسية الأخيرة في وقت تبدو فيه الولايات المتحدة عاجزة عن التعامل الفاعل مع الأوضاع في العراق وإيران، وهي غير مهتمة بملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، هذا فضلاً عن فشلها في إيجاد الحلول الملائمة لكثير من المشكلات الأخرى التي تعانيها المنطقة.
وفي ما يتعلق بقضية دارفور، فإن المحاولات السعودية للتوسط في هذا الشأن تأتي كرد فعل لإثبات عدم صحة انتقادات الأطراف الأخرى، ومنها تشاد. ففي نوفمبر 2006، وجهت تشاد خطاباً إلى مجلس الأمن الدولي اتهمت فيه السودان ومجموعات معينة في المملكة العربية السعودية بالضلوع في المحاولات التي تبذلها مجموعات المعارضة التشادية لإسقاط حكومة الرئيس ديبـي في انجامينا. وأثبتت الرعاية السعودية للاتفاق الذي تم بين السودان وتشاد في الرياض سلامة الموقف السعودي، وأكدت أن دوافع المملكة العربية السعودية بنّاءة وإيجابية في هذا الخصوص.
علاوة على ذلك، فإن الاهتمام السعودي بالشأن السوداني يؤكد مؤازرة المملكة لدولة عربية شقيقة، مثل السودان الذي حظي بنعمة الثروة النفطية، غير أنه لايزال يعاني مصاعب اقتصادية جمة. وقد ارتفع الإنتاج وحجم الصادرات السودانية من النفط الخفيف النقي بصورة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية. وكان السودان قد بدأ تصدير النفط خلال عام 1999 فقط. وأصبح فعلاً ثالث أكبر منتج للنفط في دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتسبقه على رأس القائمة نيجيريا وأنغولا فقط، وسجلت الإحصائيات الصادرة عن وزارة الطاقة في السودان إنتاج نحو 500 ألف برميل من النفط يومياً خلال عام 2005، وذلك على الرغم من هذه الاضطرابات الداخلية – وطبقاً لما جاء في (مجلة النفط والغاز) الدولية – فإن السودان كان يملك احتياطيات تقليدية تبلغ 563 مليون برميل في يناير عام 2006، بينما تقول وزارة الطاقة السودانية إن إجمالي احتياطيات السودان من النفط يقدَّر بنحو خمسة مليارات برميل.
وطبقاً لتقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2006، يأتي السودان في المرتبة رقم 144 من بين 177 دولة شملها هذا التقرير. ومع وجود حقول نفطية ضخمة لم تستغَل أو تطوَّر حتى الآن، فإن من المتوقع أن تشهد صادرات السودان من النفط زيادة كبيرة إذا ما تحقق السلام، وساد الاستقرار أنحاء السودان، ليس بين الشمال والجنوب فقط، وإنما على امتداد أطراف البلاد وحدودها الإقليمية. ومن شأن ذلك أن يساعد كثيراً على ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي وازدهار الاقتصاد السوداني، وبذلك يتم التخفيف من حدة الفقر.
وكانت الرغبة السعودية في مساعدة السودان على الخروج من الوضع الذي أقعده طويلاً قد اتضحت عندما قال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، عادل الجبير خلال الشهر الماضي إن بلاده (سوف تتحمل مسؤولياتها للتخفيف من معاناة أشقائنا في السودان). وقد اتفق وزير الدولة السوداني للعلاقات الخارجية، علي كرتي، مع هذا التصريح عندما أقر بأن المملكة العربية السعودية سوف تكون الضامن لنجاح هذا الاتفاق. وعند سؤال علي كرتي عما إذا كانت المملكة ستعرض تقديم مساعدات مالية للطرفين لضمان نجاح الاتفاق، قال (لا يوجد نص صريح في الاتفاق، ولكن المفهوم أن المملكة درجت على مؤازرة السودان والمسلمين في كل مكان).
بالإضافة إلى الروابط التاريخية العريقة التي تناولها الباحثون، والتي كانت قائمة بين ممالك إقليم دارفور والمملكة العربية السعودية، هناك مصالح اقتصادية أيضاً. ففي ديسمبر عام 2005، تم توقيع اتفاق في جدة بين رجال أعمال سودانيين وسعوديين لتأسيس شركة قابضة للاستثمار. وبدأ هذا الاتفاق بتأسيس شركة مساهمة عامة قابضة برأسمال يبلغ عشرة مليارات دولار للاستثمار في مجال العقارات، وتم تشكيل لجنة من الجانبين للعمل على تنفيذ الاتفاق الذي يغطي أيضاً الاستثمار في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والنفط والطاقة الكهربائية والنقل، بالإضافة إلى قطاع الخدمات المصرفية.
غير أن السبب الرئيسي وراء هذا الجهد السعودي الدؤوب تجاه معالجة الأزمات المختلفة في المنطقة، ومن ضمنها دارفور، يكمن في قناعة المملكة الراسخة بالحاجة الماسة إلى تحقيق وحدة الصف وإنهاء الخلافات. وتدرك القيادة السعودية أن العالم العربي يواجه التفكك والانقسامات، وأن ظهور المزيد من القضايا المثيرة للانقسامات سيدخل المنطقة بأسرها في حالة من الفوضى التي سيصعب حلها لاحقاً.
إن هذا الاعتقاد الراسخ هو الذي شجّع المملكة العربية السعودية على المبادرة إلى جمع الفرقاء العراقيين وتسهيل التوصل إلى إعلان مكة في أكتوبر عام 2006، وذلك عندما التقى نحو 50 من الزعماء الدينيين العراقيين، ووافقوا على العمل من أجل إنهاء إراقة الدماء بسبب الاقتتال الطائفي في العراق الذي مزقته الحرب. وبعد ذلك، جاءت الرعاية السعودية التي حظيت بدعم وقبول إقليمي ودولي واسع لاتفاق تقاسم السلطة بين الفصائل الفلسطينية المتصارعة، وذلك خلال شهر فبراير من العام الحالي، ومن ثم جاء الإجراء الذي اتخذته القمة العربية التي عقدت في الرياض خلال شهر مارس الماضي بتبني أول (مبادرة عربية للسلام) في الشرق الأوسط وتأليف لجنة متابعة لتنفيذها.
وفي الواقع، فإن مؤتمر القمة العربية التاسع عشر، الذي ترأسه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، سعى إلى تحمل المسؤولية عن حالة الانقسام والتردد العربي، ثم العمل على استنهاض الجهود العربية وتفعيلها لحل الصراعات والانقسامات والأزمات القائمة في المنطقة. وكان الملك عبدالله بن عبدالعزيز صريحاً في تحديد أن العرب أنفسهم هم المسؤولون عن التدخلات الخارجية في المنطقة، نظراً لتقاعسهم عن القيام بواجباتهم تجاه حل مشكلاتهم. كما أكد أن الدول العربية لن تتـرَك للقوى الخارجية كي تقرر مستقبل المنطقة. وبذلك أعاد الملك عبدالله بن عبدالعزيز إحياء آمال جديدة تحتاج إلى جهد إقليمي جماعي لمواصلة تفعيل حالة الحراك الحيوي التي دبت فيها.

Articles

فرصة اليابان في بناء “معبر السلام” بالشرق الأوسط

عندما تولى شينـزو آبـي منصب رئيس وزراء اليابان خلفاً لجونيتشيرو كويزومي في أواخر العام الماضي، كان من المتوقع على نطاق واسع أن يقدم بياناً عن السياسة الخارجية لبلاده، ومن ضمنه جزء رئيسي يتعلق بسياسة طوكيو إزاء منطقة الشرق الأوسط. غير أننا لا نبالغ إذا قلنا إن الجولة الحالية لرئيس الوزراء الياباني، والتي يصطحب فيها وفداً يضم مئة من كبار رجال الأعمال في اليابان، هي أفضل أسلوب لإيصال الرسالة اليابانية، حيث سيقوم بزيارة كل من المملكة العربية السعودية والكويت وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى مصر.

غير أن استقرار السياسة الخارجية للحكومة اليابانية وجديتها بشأن المنطقة اتضحا بجلاء في خطاب لوزير الخارجية الياباني تارو آسو في فبراير الماضي، والذي قدم فيه تفصيلاً موسعاً لتصريحاته التي أدلى بها قبل أشهر قليلة وتحدث فيها عن فكرة “معبر السلام والازدهار”. وطرح الوزير الياباني ثلاثة أسباب تبرز أهمية الشرق الأوسط، ومن ضمنها أهمية دول مجلس التعاون الخليجي في توفير النفط لليابان، والتحول الاقتصادي الذي يفتح فرص استثمار ذات عوائد كبيرة، وأخيراً أهمية استقرار منطقة الشرق الأوسط للسلم العالمي.
كانت اليابان في عام 2006 تعتمد على منطقة الشرق الأوسط للحصول على 89.2% من واردات النفط الخام، تساهم دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 76.4% منها. ومن المفهوم تماماً في اليابان، كما هو الحال في معظم أجزاء آسيا التي تشهد طفرة اقتصادية متجددة، أن سوق النفط سوف تتحول بصورة متزايدة إلى سوق تتحكم فيها الدول المصدّرة. وبوصفها مستهلكاً رئيسياً للنفط، تدرك طوكيو أهمية الحفاظ على حضور ملموس في منطقة الشرق الأوسط. وقد قال وزير الخارجية آسو، في معرض توضيحه للأسباب التي دعت اليابان إلى تعزيز انخراطها السياسي واهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط، إن بلاده تسعى لتسخير الموارد الاقتصادية والفكرية والدبلوماسية ضمن “جهد ياباني شامل”.

في الواقع، تُعَد العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان علاقة مصالح مشتركة واحترام متبادل، فالمنطقة تتطلع لليابان، ليس كمجرد دولة مستوردة لنفطها فحسب، وإنما كمصدر كبير للاستثمارات وكمستودع زاخر بالخبرات. ونتيجة لارتفاع أسعار النفط، بالإضافة إلى التوسع والتطور الاقتصادي الذي شهدته منطقة الخليج والانتعاش الاقتصادي الكبير في اليابان، ارتفع حجم التجارة بين الطرفين بمعدل 39.1% خلال عام 2005 ليصل إلى 88.5 مليار دولار، وهو الأمر الذي جعل اليابان أحد أكبر الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون الخليجي. وتمثل واردات النفط الخام نحو 85% من تجارة اليابان مع المنطقة، حيث تستورد نحو 1.2 مليار برميل من النفط الخام من دول المنطقة، وكانت صادرات اليابان لدول المنطقة قد زادت بنحو 15% لتصل إلى ثلاثة عشر مليار دولار. ومثلت المكائن والمعدات أكبر حصة، حيث بلغت نحو عشرة مليارات دولار؛ ومن ضمن هذا المبلغ، وصلت حصة آليات النقل إلى نحو سبعة مليارات دولار. وتُعَد دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر سوق لليابان في المنطقة، حيث تساهم بنحو 37%، أي ما يعادل خمسة مليارات دولار من تجارة اليابان مع دول المنطقة.

ومن المتوقع أن تكتسب هذه العلاقة الاقتصادية زخماً عندما تصل المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان، والتي بدأت في سبتمبر 2006 بتركيز على قطاعي الزراعة والسلع، إلى خاتمة منطقية تتلاءم مع حجم هذه العلاقات. بالإضافة إلى ذلك، فإن خطط التنويع الاقتصادي التي يجري تنفيذها حالياً في دول المنطقة تتطلب استثمارات ضخمة وخبرات كبيرة، وكلاهما متوفر في اليابان.
من بين المشروعات الرئيسية التي دخلت حيز التنفيذ الفعلي حالياً، والتي تجدر الإشارة إليها، مصنع المواد البتر وكيميائية في مدينة ينبع، وهو مشروع مشترك بقيمة 9.8 مليار دولار بين شركتـي أرامكو وسوميتومو للكيميائيات؛ هذا بالإضافة إلى حصة في مشروع رأس غاز بدولة قطر تملكها مؤسسة الغاز الطبيعي المسال اليابانية، ومشروع مترو دبي الذي يضم اتحاد شركات برئاسة شركة متسوبيشي، وتسويق مشروع ألمنيوم البحرين (ألبا) من قبل شركة سوجيتـز.

يُعَد تطوير الموارد البشرية من مجالات التعاون التي ستكون لها انعكاسات واسعة النطاق. ومع تزايد إدراك دول المنطقة للحاجة إلى تشجيع مجتمع المعرفة، أصبح من المهم تسريع الخطى لتجاوز الترتيبات والأنماط السائدة حالياً، ومن أمثلة ذلك التعاون بين الحكومة السعودية ومؤسسات مثل الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) لتقديم منح دراسية في اليابان وإيفاد الدارسين للحصول على دورات في الهندسة أو مبادرة مركز التعاون الياباني للشرق الأوسط التي تعمل على نقل برمجيات في المناهج التعليمية ومهارات الإدارة والتقنية المتطورة إلى مؤسسات بحرينية أو قيام هذا المركز الياباني بمساعدة القطريين في مجال اكتساب مهارات تطوير الإنتاج.
وينبغي لليابان أن تسعى مستقبلاً لتشجيع إجراء مباحثات حول منشآت التخزين اللازمة للتغلب على الأزمات، وذلك عن طريق استكشاف وتطوير قدرات منطقة الخليج على التحول إلى طرف يوفر حلول الطاقة، بالإضافة إلى بحث قضية إدارة المخزون الاستراتيجي من موارد الطاقة. وسوف تستفيد دول مجلس التعاون كثيراً من خبرة اليابان في التنويع الاقتصادي والاهتمام بالصناعات البتروكيميائية وغيرها من الصناعات الثقيلة الأخرى، وخصوصاً الألمنيوم والحديد الصلب.ما من شك في أن النفط والتجارة يمثلان العاملين الرئيسيين في صياغة وتغيير نمط العلاقات القائمة بين اليابان ودول الخليج، غير أن تحليل هذه العلاقة من هذه الزاوية وحدها يُعَد تبسيطاً مفرطاً لها، فهناك كثير من القضايا الإقليمية والدولية المتداخلة معها أيضاً.فهناك تناغم في مواقف دول مجلس التعاون الخليجي واليابان بشأن الصراع الفلسطينـي ـ الإسرائيلي، حيث ظلت طوكيو تحث الأسرة الدولية على المساعدة على إيجاد تسوية سلمية عادلة وشاملة لهذا الصراع على أساس قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 و338. وكانت اليابان إحدى الدول القليلة التي اعترفت بالحكومة الفلسطينية التي ألفتها حركة حماس بعد فوز الأخيرة في الانتخابات الديمقراطية التي أُجريت في مطلع العام الماضي.
وبينما لا تزال المنطقة والعالم عموماً يبذلان جهوداً حثيثة لتحقيق الاستقرار في العراق، يجدر بنا أن نثنـي على المساهمة اليابانية المقدرة في هذا الصدد. ففي عام 2005، قامت اليابان بإلغاء نحو سبعة مليارات دولار من ديونها المستحقة على العراق، ويعادل هذا المبلغ نحو 80% من إجمالي ديونها المستحقة على هذا البلد. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت اليابان بتقديم دعم يبلغ خمسة مليارات دولار لمجهود إعمار العراق. وخلال الأسبوع الأول من شهر إبريل الحالي، قدمت اليابان قرضاً بقيمة 850 مليون دولار لحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أثناء زيارته لها، وذلك بنسبة فائدة منخفضة للمساعدة على تمويل بناء منشآت النفط في البصرة. وستقوم اليابان كذلك بتمويل مصنع للأسمدة ومصفاة لتكرير النفط، كما تساعد على تحسين توليد الطاقة الكهربائية.في مقابلة لرئيس الوزراء الياباني شينـزو آبـي مع مجلة “نيوزويك” قبيل زيارته إلى الولايات المتحدة، قال: “إن اليابان تتمتع اليوم بعلاقات جيدة مع إيران، وهي ترغب في ممارسة أي نفوذ لديها للتأثير في مواقف الإيرانيين ومحاولة العمل من أجل التوصل إلى حل سلمي لقضية الملف النووي”.

وقد يكون من الأجدى على المدى الطويل أن تفكر اليابان في دراسة إمكان تأسيس مجموعة ثلاثية (ترويكا) مع المملكة العربية السعودية وتركيا لإقناع إيران بالتراجع عن حافة الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي. وبينما تملك المملكة العربية السعودية مصلحة مباشرة، إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، في حث إيران على التخلي عن محاولات امتلاك قدرات نووية، فإن نجاح مثل هذا الجهد سيؤدي إلى تغيير نظرة أعضاء الاتحاد الأوروبي لتركيا التي تبذل مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً إذا تمكنت من المساهمة بصورة إيجابية في التغلب على الأزمة الحالية بشأن البرنامج النووي الإيراني.تملك اليابان المؤهلات الملائمة للقيام بهذا الدور، وذلك على عكس الترويكا الأوروبية التي ظلت منهمكة في مفاوضات دبلوماسية غير مثمرة مع إيران، وهو الأمر الذي أدى إلى حالة المواجهة الحالية. وإلى جانب الاستفادة من دروس التاريخ في هيروشيما وناغازاكي، تملك اليابان سجلاً حافلاً في مجال تعزيز وتشجيع عدم التسلح النووي ومنع انتشار الأسلحة النووية. وأهم من ذلك، أننا إذا أخذنا في الحسبان أن إيران توفر أكثر من 15% من النفط الذي تحتاج إليه اليابان، وهو ما يجعل الأولى أكبر مصدر للنفط لليابان، فإن الدولتين تملكان مستوى ممتازاً من التعاون الاقتصادي الذي يمكن ترجمته وتحويله إلى رصيد سياسي مفيد في هذا الخصوص.

إن جولة رئيس الوزراء الياباني الحالية في دول المنطقة سوف تساعد على تفهم مخاوف دول مجلس التعاون في ما يتعلق بقضية الملف النووي الإيراني، وما قد ينجم عنها من صراع محتمل، وهي مخاوف تنسجم مع المخاوف اليابانية بخصوص احتمالات توسع دائرة التسلح النووي التي قد تصل إلى تخوم محيطها المباشر. إن طوكيو مؤهلة تماماً لإسداء النصح لطهران حول مزايا قبول نظام تفتيش يشمل تطبيق ضمانات شاملة، وهو النظام الذي ظلت اليابان ملتزمة به على مدى عقود طويلة.وإذا كانت اليابان ترغب في تحقيق رؤيتها لإنشاء “معبر للسلام والازدهار .. يمتد عبر مسار يبدأ من الضفة الغربية، عبر الأردن وما وراءها، لينتهي عند دول الخليج”، فلا بد أن تمثل إيران جزءاً كبيراً من هذه المعادلة.

http://www.alarabiya.net/views/2007/05/03/34071.html

Articles

آفاق العلاقات الخليجية ـ الباكـــــستانية

إن العلاقات بين دول الخليج العربية وباكستان غنية عن التعريف، فهي علاقات تتميز برسوخ جذورها التاريخية. غير أن آخر التطورات التي شهدتها منطقة الخليج أضفت على هذه العلاقات مزيداً من الأهمية الاستراتيجية، وهو ما يوجب على الجانبين تعزيز التعاون وتوسيع نطاق العمل المشترك، لطالما اتسمت العلاقات بين دول الخليج العربية وباكستان بتعدد أبعادها. وليس القرب الجغرافي سوى أحد العوامل التي ساهمت في توطيد هذه العلاقات. غير أن هذه العلاقات اتخذت صورتها الحالية نتيجةً لعوامل ثقافية ودينية وتاريخية، ناهيك عن قيامها على أساس المصالح السياسية والأمنية المشتركة والعلاقات الاقتصادية المتنامية.
ومن الأمثلة الواضحة على عمق العلاقات الخليجية – الباكستانية ما يأخذنا إلى الحرب العربية – الإسرائيلية في عام 1967، إذ تعدى موقف الجنرال أيوب خان، الرئيس الباكستاني حينذاك، على نحو لافت كل عبارات المجاملات الدبلوماسية المعروفة ليبلغ الملك فيصل، ملك المملكة العربية السعودية، في حينه، بأن باكستان على استعداد لإرسال قواتها الجوية لحماية المملكة من أي عدوان إسرائيلي محتمل. وفي الحقيقة، كان إعلان وقف إطلاق النار السبب الوحيد الذي منع باكستان من المشاركة في تلك الحرب ضد إسرائيل. ليس هذا فحسب، بل لقد كانت هناك شراكة استراتيجية بين دول الخليج وباكستان لمواجهة الغزو والاحتلال السوفييتيين لأفغانستان.
ولم تقتصر العلاقات بين الجانبين على المستوى الرسمي. فعلى سبيل المثال، وإلى جانب تحرك دول المنطقة، هبت شعوب دول الخليج إثر الزلزال المدمر الذي ضرب باكستان في أكتوبر 2005، وتم جمع التبرعات لمساعدة باكستان والوقوف إلى جانبها في تلك الفترة العصيبة. وفي ضوء هذه الخلفية ونظراًً إلى أهمية العلاقات الاستراتيجية القائمة بين باكستان ودول الخليج العربية، بات من الضروري معالجة النقص في البحث المنهجي المعمّق لهذه العلاقات. ولا شك في أن التوصل إلى فهم أفضل للهموم المشتركة يمثل الخطوة الأولى على هذا الطريق. ففي سياق التطورات الراهنة، يمكن لباكستان أن تضطلع بدور فاعل على صعيد أزمتين تثيران عميق القلق لدى دول مجلس التعاون الخليجي، هما:
أولاً، تفاقم ظاهرتي الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي في أفغانستان، وهو ما ينطوي على تداعيات سلبية قد تطال المنطقة برمتها. وثانياً، التهديد المحتمل المرتبط بالنشاطات النووية الإيرانية.
ومن الواضح أن هاتين المسألتين تهددان الأمن والاستقرار في المنطقة. وفي كلتا الحالتين، يمثل موقع باكستان الجيو – استراتيجي عنصراً محورياً. وفي ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، ترى دول مجلس التعاون أنه يتعين على إيران التخلي عن طموحاتها النووية حتى وإن انسحبت من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. ويمكن لباكستان في هذا المجال الاضطلاع بدور دبلوماسي فاعل لثني إيران عن مواصلة برنامجها النووي.
أما إعادة الاستقرار إلى أفغانستان ومنع تصاعد الإرهاب في المنطقة، فإنهما يمثلان مسألتين ملحتين بالنسبة لكلا الجانبين. ولقد شاركت باكستان في الجهود المخلصة لمكافحة الإرهاب على الصعيدين المحلي والدولي. ونحن ندرك حجم الصعوبات التي تنطوي عليها هذه المهمة، لأن دول الخليج تواجه مشكلةً مماثلةً. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن باكستان ودول الخليج اتخذتا خطوات جادةً لمكافحة الإرهاب واحتواء التهديد الذي تمثله الجريمة المنظمة.
لقد أعربت دول الخليج عن سعادتها بالمبادرة التي أطلقها الرئيس برويز مشرف لحث الدول الإسلامية على العمل من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط وأفغانستان، والعمل على إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، كما أن دول الخليج رحبت بهذه المبادرة أثناء اجتماع وزراء الخارجية الذي استضافته إسلام آباد في فبراير الماضي. وانبثقت هذه المبادرة الجديدة في منطقة الشرق الأوسط من الفكرة القائلة بضرورة تحرك الدول الإسلامية، بما فيها إيران، بصورة جماعية لإيجاد حلول عادلة ونهائية للنزاعات الدائرة في المنطقة.
ونحن على يقين بأن دول الخليج وباكستان بحاجة إلى توسيع آفاق ومجالات تعاونهما في مجال مكافحة الإرهاب، كما أنه من الضروري وضع استراتيجية مشتركة تقضي بتطبيق مجموعة أوسع من السياسات المستدامة في المدى البعيد تبدأ على مستوى شعوب الجانبين؛ كما أنه من الممكن تطوير مناهج دراسية شاملة للمدارس والمؤسسات الدينية بهدف غرس التعاليم الإسلامية الصحيحة. لكن لا بد لسياسات مكافحة التطرف أن تأخذ قيم شعوبنا وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها في الحسبان. ولذلك، فإن مكافحة الإرهاب والتعاون في المجالات الأمنية والعسكرية هي مجالات ثلاثة يمكن فيها للتعاون وآليات الأمن الجماعي أن تحقق نتائج طيبة، ولا سيما أن هناك حاجةً إلى معالجة هذه القضايا على نطاق إقليمي؛ كما أن بإمكان المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى الاضطلاع بدور إيجابي عبر المساهمة في إيجاد حل سلمي للنزاع حول كشمير، لأن هذه الدول تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من باكستان والهند.
وعلى الصعيد الاقتصادي، شهدت العلاقات الاقتصادية القوية بين دول المجلس وباكستان مؤخراً مزيداً من الزخم عبر الاستثمارات الجديدة الضخمة لدول الخليج في باكستان. ويعود هذا التنامي في حجم الاستثمارات الخليجية إلى الجهود المكثفة التي بذلتها باكستان لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول الخليج. لكن هذه الجهود تكللت بالنجاح بفضل الإنجازات الرائعة التي سجّلها الاقتصاد الباكستاني في السنوات الأخيرة. ومثلت دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في باكستان خلال عام 2006، إذ بلغ حجم استثماراتها 1.42 مليار دولار. ومن المتوقع أن يزداد الاستثمار الإماراتي في باكستان مستقبلاً، شأنه شأن استثمارات بقية دول المنطقة. وتشير التوقعات إلى أن حجم التبادل التجاري بين دولة الإمارات العربية المتحدة وباكستان خلال العام الجاري سيتجاوز عتبة خمسة مليارات دولار، واستثمرت الكويت وقطر مبالغ ضخمةً في قطاعي الطاقة والبنية التحتية في باكستان، كما أعلنتا خططاً لتوسيع استثماراتهما هناك، لكن أحدث الاستثمارات الخليجية ركزت على القطاعات الباكستانية الرئيسية، كالاتصالات وتطوير البنية التحتية والعقارات والطاقة والفولاذ والشحن البحري.
وربما يمثل تطوير مشروع مرفأ غوادار (Gwadar) إلى مرفق إقليمي للطاقة والنشاط التجاري أحد المشروعات الرئيسية التي قد تعود بالفائدة على الجانبين. ومن الممكن استخدام مرفأ غوادار كبوابة إقليمية ونقطة ربط بين جمهوريات آسيا الوسطى وبلدان مجاورة أخرى، وكنقطة عبور للسلع التجارية وموارد الطاقة المتجهة إلى الصين ودول آسيا الوسطى وحتى الهند.
كما يمكن لباكستان أن تتحول إلى نقطة عبور مهمة على الطريق التجاري الذي يربط الصين وأفغانستان وآسيا الوسطى والشرق الأقصى. فهناك مشروعان حيويان للطاقة تشارك فيهما إسلام آباد، ومن شأنهما أن يؤثرا بصورة عميقة في التعاون الإقليمي، هما: خط الأنابيب الذي يربط بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان وخط الغاز الممتد من قطر إلى باكستان، وهما مشروعان قادران على جعل بلوشستان مرفقاً لنشاطات نقل الغاز؛ وهو الأمر الذي قد يمكّنها من استقطاب دول الجوار، بينما سيتم ربط باكستان وإيران والهند وأفغانستان وتركمانستان وقطر عبر شبكة مشتركة. وهذا من شأنه أيضاً أن يعزز العلاقات بين دول جنوب ووسط آسيا، لاسيما عندما يعمل مرفأ غوادار بكامل طاقته ويصبح منفذاً بحرياً لكل من أفغانستان وغرب الصين ودول آسيا الوسطى.
علاوةً على ما تقدم، تستضيف دول مجلس التعاون أعداداً كبيرةً من العمالة الباكستانية على امتداد المنطقة، يصل عددها الإجمالي إلى نحو 1.7 مليون شخص. وبينما تأتي الجالية الهندية في المرتبة الأولى من حيث العمالة الوافدة في منطقة الخليج، تحتل الجالية الباكستانية المرتبة الثانية، وتضم أخصائيين ورجال أعمال وحرفيين وفنيين وعمالاً، وساهمت هذه الجالية بصورة كبيرة في تطوير الاقتصاد والبنية التحتية في المنطقة، كما أنها مصدر مهم للنقد الأجنبي بالنسبة لباكستان. وقد ساهم الشرق الأوسط بنحو 2.1 مليار دولار من إجمالي الحوالات المالية الخارجية إلى باكستان في السنة المالية 2005 – 2006، والبالغ نحو 4.6 مليار دولار.
أضف إلى ذلك أن دول المجلس وباكستان تتمتع بعلاقات أمنية ودفاعية قوية؛ فقد ساهمت باكستان بصورة كبيرة في تدريب وتأهيل ضباط في القوات المسلحة ومؤسسات قوى الأمن الداخلي في دول المجلس، كما أن هناك الكثير من العسكريين الباكستانيين الذين خدموا في دول الخليج، ونظم الجانبان مناورات عسكريةً مشتركةً، بالإضافة إلى تنامي حجم تجارة الأسلحة بينهما والتطوير المتواصل لأنظمتهما الدفاعية. وفي ظل الظروف الراهنة التي تشهد نقاشاً حاداً حول إقامة هيكلية أمنية جماعية لحماية مصالح دول المنطقة وشركائها، ترغب دول مجلس التعاون في النظر بجدية في إمكانية اضطلاع باكستان بدور أمني فاعل يقوم على أساس إشراك قواتها المسلحة في الدفاع عن المنطقة في حال تعرضها لأي تهديد خارجي.

خلاصة القول إن هناك الكثير من الفرص الحقيقية التي تتيح للجانبين خلال السنوات المقبلة العمل على تعزيز وتوطيد علاقاتهما الاستراتيجية لحماية مصالحهما المشتركة؛ لكن لا بد للطرفين من تحديد ومناقشة وتأطير الجوانب التي يرغبان في تطويرها لتوفير الفرص المعقولة لتحويلها من طور الأمنيات إلى واقع على الأرض.

Articles

زيارة بوتين ترسيخ لأواصر العلاقات الروسية ـ الـــــــخليجية

أصبحت منطقة الشرق الأوسط التي تضم أضخم كمية من موارد الطاقة مسرحاً لوضع أمني محفوف بالمخاطر ويكتنفه الغموض، ولذلك فإن محاولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مد جسور التواصل بين روسيا ومنطقة الخليج في هذا الوقت تُعَد خطوة إيجابية وفي الاتجاه الصحيح.
وبينما تُعَدّ المصالح التجارية السبب الرئيسي وراء تجدد الاهتمام الروسي بمنطقة الخليج، هناك عاملان استراتيجيان يفسران اهتمام روسيا المتزايد بهذه المنطقة الحيوية: أولاً، إن إعادة بروز دور روسيا كقوة عظمى، وإن كان على نحو متدرج وبثقة كبيرة، تفرض على موسكو ضرورة إظهار ثقلها على المسرح الدولي، وخاصة في أعقاب سقوط نظام صدام حسين في العراق. وثانياً، هناك التخوف من أن سيناريو الوضع الأمني في الشرق الأوسط وتداعياته قد يضر بمنطقة القوقاز وآسيا الوسطى، وربما روسيا نفسها. ونتيجة لذلك، تطرح روسيا رؤاها، وتتهيأ لكي تساهم بجهودها الدبلوماسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة. غير أنه من غير المحتمل أن تعمل روسيا في سياق هذا الجهد على تحدي الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وإنما ستبذل كل ما في وسعها لتذكير دول المنطقة والولايات المتحدة بأنها قادرة على سد كثير من الثغرات.
إن زيارة الرئيس بوتين إلى المملكة العربية السعودية ودولة قطر (ثم الأردن) هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين روسيا ومنطقة الخليج. وفي يناير الماضي، قال إيغور إيفانوف، سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، (نرتقي الآن إلى مستوى جديد نحو توسيع آفاق الحوار السياسي مع قطر والكويت والبحرين وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع المملكة العربية السعودية).
لقد توصلت موسكو ودول الخليج العربية إلى أجندة مشتركة، بعد فترة طويلة من الجفاء، تشمل التعاون في مجالات النفط ومكافحة الإرهاب ومبيعات الأسلحة. ويجري هذا التحول والتركيز الجديد في سياق تعبّر فيه دول الخليج عن حرصها على الإبقاء على خياراتها الجيوسياسية مفتوحة أمام كل الاحتمالات، بينما تعكف على مراجعة مدى فاعلية دور الولايات المتحدة بوصفها الضامن الوحيد لأمن المنطقة، مع مواصلة التفكير الجدي في استنباط آلية للأمن الجماعي تستوعب مجموعة من الأطراف الدولية الفاعلة.
وفي المجال الاقتصادي، تدرك دول الخليج أن روسيا، بوصفها أكبر منتج للنفط خارج نطاق منظمة أوبك، وأكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، لديها تأثير كبير في أسواق الطاقة العالمية. وتأكيداً لمصداقية إعلانها أنها الدولة الرائدة عالمياً في ضمان أمن الطاقة، قامت روسيا بإنتاج 9.236 مليون برميل من النفط يومياً في يونيو 2006، وهي كمية تزيد بنحو 46 ألف برميل على ما تنتجه المملكة العربية السعودية، ومن المتوقع أن تصل كمية العرض من النفط الروسي إلى نحو 9.9 مليون برميل يومياً خلال عام 2007. ولذلك ترغب الرياض في إدارة (حوار ثنائي حول ملف الطاقة) مع موسكو، وهو الأمر الذي تم تسهيله من خلال اتفاقية التعاون في مجالي النفط والغاز ومدتها خمس سنوات، والتي تم التوقيع عليها خلال الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عندما كان ولياً للعهد إلى روسيا في عام 2003.
وتمت مناقشة فكرة إنشاء منظمة للدول المصدّرة للغاز، على غرار منظمة أوبك، مع المسؤولين في دولة قطر التي تُعَد ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا وإيران. وبما أن نصف الاحتياطيات العالمية من الغاز الطبيعي توجد في دول منظمة أوبك، فإن مناقشة فكرة إنشاء اتحاد منتجين للغاز تكتسب أهمية خاصة في هذا التوقيت بالذات. غير أن من المهم بالقدر نفسه أن يتم التوصل إلى تدابير، ربما عن طريق إعادة فتح الحوار حول إمكان قيام روسيا برفع مستوى تمثيلها الحالي من وضعية المراقب، وذلك لتعزيز دور أوبك التي أصبح من الصعب عليها الحفاظ على أسعار النفط في مستوياتها المرتفعة.
وعلى صلة بمجال تجارة الطاقة في الجانبين، هناك فرص لتكثيف التعاون الاقتصادي. إذ تسعى شركات الطاقة الروسية إلى الدخول في مشروعات مشتركة مع دول الخليج، ومن ضمنها المملكة العربية السعودية، بينما يمكن للشركات والمؤسسات السعودية أن تستثمر في قطاع الموارد الطبيعية وفي مجال العقارات والصناعات الجوية والفضائية في روسيا.
وتُعَد الرياض شريكاً مثالياً، تحت مظلة (مبادرة الغاز) التي تُقدَّر تكلفتها بنحو 25 مليار دولار، والتي تمت مناقشتها بين الطرفين خلال عام 2003. وتتضمن هذه المبادرة مجالات توليد الطاقة الكهربائية ومنشآت تصدير الغاز الطبيعي المسال وتحلية مياه البحر. وبميزانية تُقدَّر بنحو ثلاثة مليارات دولار، تمتد على مدى أربعين عاماً، تقوم شركة لوكويل النفطية الروسية بتنفيذ أضخم مشروع للغاز في الجزء الشمالي من صحراء الربع الخالي بالمملكة العربية السعودية. كما تعكف روسيا وقطر على تكثيف التعاون الثنائي في مجال الطاقة، حيث عبّرت شركة غازبروم الروسية عن اهتمامها بالدخول في مشروعات مشتركة لإنتاج الغاز ومصافي التكرير في قطر.
وفي مجال مشروعات تجارية محتملة أخرى بخلاف النفط والغاز. وفي الوقت الذي تسعى فيه روسيا جاهدة إلى تنويع قاعدة عملائها في مجال مبيعات الأسلحة لتشمل دولاً أخرى غير الصين والهند، وخاصة بعد أن فقدت أسواقها المهمة المتمثلة بسوريا والعراق وليبيا، فإن دول الخليج أيضاً تبحث عن مصادر تسليح جديدة خارج إطار الدور الأمريكي في هذا الخصوص.
ومع أن روسيا تُعَد ثالث أكبر مُصدّر للأسلحة على نطاق العالم بعد الولايات المتحدة وبريطانيا، فإنها باعت أسلحة بقيمة 7.1 مليار دولار خلال عام 2005، وهو مبلغ أكبر من عائدات مبيعات الأسلحة الأمريكية خلال العام نفسه.
وفي المجال السياسي، هناك مجال واسع أمام موسكو لكي تعمل على إيجاد حلول للصراعات المريرة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في إيران والعراق ولبنان، إلى جانب الأراضي الفلسطينية، وذلك بحكم عضوية روسيا في المجموعة الرباعية وعلاقاتها الوثيقة مع حركة حماس، وهو ما يجعلها في وضع أفضل من معظم أطراف الأسرة الدولية الأخرى. كما أن تمكن الفصائل الفلسطينية من إنهاء جولة ناجحة من الحوار في مكة واتفاقها حول تشكيل حكومة وحدة وطنية، بالإضافة إلى إجراء مباحثات أمريكية ـ إسرائيلية ـ فلسطينية، كل ذلك سوف يسهّل على روسيا والمملكة العربية السعودية ممارسة ضغوط من أجل إعادة إحياء مباحثات السلام بين الأطراف المعنية بهذا الملف، وسيوفر زخماً كبيراً لإنعاش آمال التوصل إلى اتفاق.
وفي ما يتعلق بإيران، هناك جهود دبلوماسية مكثفة بين الطرفين في الفترة الأخيرة، وخاصة في أعقاب تزايد وجود القطع البحرية الأمريكية في منطقة الخليج وما تبع ذلك من تصاعد لحدة التوتر في المنطقة. وبينما يبدو من المؤكد أن دول الخليج العربية تعارض طموحات الهيمنة النووية الإيرانية، فإنها تتخوف أيضاً من احتمالات أن تؤدي أي مغامرة عسكرية أمريكية خاطئة إلى نشر المزيد من الفوضى في المنطقة. وفي هذا السياق، فبينما تستطيع روسيا أن تستخدم نفوذها المؤثر في إيران للإصرار على ضرورة كبح جماح البرنامج النووي الذي تتبناه طهران، فإن موسكو تستطيع أيضاً استخدام نفوذها في مجلس الأمن الدولي للحيلولة دون تمرير أي إجراء قد تراه موسكو مبالغاً فيه. وينبغي للطرفين، دول الخليج وروسيا، استغلال هذه الفرصة للتأكيد على ضرورة توخي كل من الولايات المتحدة وإيران جانب الحذر في سياساتهما في منطقة الخليج.
إن علاقات روسيا بإيران ذات أهمية كبيرة في هذا المنعطف الحرج؛ فبينما يجري تطوير محطة الطاقة النووية في بوشهر بتكلفة تُقَدَّر بنحو ثمانمائة مليون دولار، في إطار الاتفاقية الفنية الموقعة مع موسكو، هناك خطط لإنشاء وتوريد مفاعلين نوويين، وربما خمسة مفاعلات نووية، ومن ضمنها مفاعل آخر في بوشهر. وفي عام 2005، قامت الدول ذات العضوية الدائمة في منظمة شنغهاي للتعاون، ومن بينها روسيا، بمنح إيران وضعية (مراقب) في هذه المنظمة. وبالإضافة إلى ذلك، قامت روسيا بتسليم نظام صواريخ الدفاع الجوي (تور ـ إم 1) إلى إيران في ديسمبر 2006، وذلك بموجب عقد تُقدَّر قيمته بنحو سبعمائة مليون دولار، تم التوقيع عليه قبل عام.
إن من مصلحة دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط والعالم بصفة عامة، أنه وإلى حين أن تبرهن إيران على صدق نواياها السلمية وأهدافها الحقيقية، فإن على كل الأطراف التي تزودها بالأسلحة وتتعاون معها في المجال النووي أن تكف عن ذلك. وبالتالي، إذ إن التمادي في هذا التعاون خلال المرحلة الحالية سيعزز فقط طموحات إيران وسعيها الدؤوب للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من ذلك، فإن انخراط روسيا في قضية الملف النووي الإيراني، وسعيها لممارسة دور (الوسيط النـزيه) سيساعدان على تحقيق تطور إيجابي في سيناريو الوضع في العراق، حيث يتزايد كل يوم نفوذ إيران القوي في الشؤون السياسية الداخلية لهذا البلد الذي تمزقه الحرب، وهو ما يمثل خطراً على وحدته، ويفتح احتمالات امتداد دائرة الصراع فيه وانتشار تداعياته إلى الدول المجاورة.
وإلى جانب المصالح الاقتصادية، تأتي زيارة بوتين إلى الأردن في هذا السياق أيضاً، حيث تناولت المباحثات المتعلقة بالاستقرار الإقليمي مجالات التعاون في مكافحة الإرهاب في ظل المخاطر والتحديات المشتركة التي يواجهها الطرفان. وبينما نجد أن دول الخليج نجحت إلى حد كبير في السيطرة على خطر المتطرفين والجماعات المتشددة، فإن موسكو لاتزال تطارد من تسميهم المتمردين الشيشان، والذين يؤيدهم ويتعاطف معهم بعض مواطني منطقة الخليج.
وبينما تسعى روسيا ودول الخليج إلى تقييم إيجابيات وسلبيات المصالح المشتركة التي تم استكشافها حديثاً، ويتخذان من الخطوات ما يساعد على ترسيخها، فإن الجزء الغالب من الخطوات العملية سوف يعتمد على الكيفية التي ترى بها الولايات المتحدة هذا السيناريو الذي بدأت معالمه تطفو على السطح؛ غير أنه من شبه المؤكد أن تشهد العلاقات الروسية ـ الخليجية مرحلة جديدة من التعاون الحيوي المثمر خلال السنوات المقبلة.

Articles

الخليج في عـام – 2006

كعادته في نهاية كل عام عقد مركز الخليج للأبحاث مؤتمره السنوي الرابع لطرح كتابه السنوي (الخليج في عام 2006-2007) الذي يتناول بالرصد والتحليل والتقييم أهم التطورات التي تشهدها دول منطقة الخليج، سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد علاقاتها الإقليمية والدولية، وذلك استناداً إلى منهجية علمية تتحرى الدقة في رصد الوقائع، والموضوعية في تحليلها، وتجنب الأحكام المسبقة في تفسيرها.
ولا يغفل الكتاب حقيقة التداخل بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي وما هو أمني على الصعيد الخليجي؛ وتراعي كذلك حقيقة الترابط بين ما هو داخلي وما هو خارجي، حيث إن منطقة الخليج والمنطقة العربية بصفة عامة تمثلان حالة نموذجية توضح تأثير المتغيرات الدولية في التطورات المحلية والإقليمية من ناحية، وتأثير بعض القضايا والأزمات الداخلية والإقليمية في الأوضاع الدولية من ناحية أخرى. كما يحاول الكتاب في الوقت نفسه استشراف الآفاق المستقبلية للقضايا والتطورات الخليجية خلال المستقبل المنظور.
إن منطقة الخليج التي لم تنعم بالأمن والاستقرار منذ عقود، تمر في الوقت الراهن بمنعطف تاريخي خطير، أو هي بالأحرى على فوهة بركان، وبخاصة في ظل استمرار الأوضاع المأساوية في العراق، التي هي أقرب ما تكون إلى حالة الحرب الأهلية، وتعقد أزمة الملف النووي الإيراني في ظل تعثر الجهود الدبلوماسية، وقيام مجلس الأمن بفرض عقوبات على طهران. كل ذلك وغيره ينذر بمخاطر جدية قد تتعرض لها المنطقة، ولا سيما في حال حدوث انهيار كامل في العراق أو اندلاع مواجهة مسلحة بسبب الملف النووي الإيراني.
إن الفشل الواضح الذي تعانيه السياسة الأمريكية إزاء منطقة الخليج والمنطقة العربية بصفة عامة، يُعد أحد الأسباب الرئيسية التي يمكن في ضوئها فهم استمرار الأزمات الحادة التي تعانيها المنطقة وتفسيرها؛ ففشلها في العراق واضح ولا يحتاج إلى برهان، كما أن دعمها المطلق لإسرائيل مثّل ـ ويمثّل ـ أحد الأسباب الرئيسية للحيلولة دون التوصل إلى تسوية شاملة للصراع العربي ـ الإسرائيلي؛ أضف إلى ذلك أن السياسة الانتقائية والمعايير المزدوجة التي تطبقها بشأن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة أفقدتها صدقيتها في هذا الخصوص.
لقد اهتم كتاب (الخليج في عام 2006 – 2007) برصد الخطوات التي اتخذتها دول مجلس التعاون الخليجي على طريق الإصلاح السياسي وتقييمها، وبخاصة في ما يتعلق بالانتظام في إجراء الانتخابات البلدية والتشريعية، وتحديث بعض القوانين والتشريعات ذات الصلة بالحياة السياسية، وتخفيف القيود على منظمات المجتمع المدني، والتحرك من أجل تحسين سجل حقوق الإنسان، وغير ذلك من الإجراءات.
وعلى الرغم من أن خطوات الإصلاح السياسي تتفاوت من حيث طبيعتها وأهميتها من دولة إلى أخرى، فإن من المهم مواصلة هذه الجهود بصورة تراكمية وفاعلة، باعتبارها السبيل الأمثل لتأسيس عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمجتمع، يقوم على تكريس أسس المواطنة ومبادئها، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، فضلاً عن تعزيز الوحدة الوطنية، وترسيخ الشرعية السياسية للنظم الحاكمة بما يعزز من فرص الأمن والاستقرار والتنمية.
ولكن حتى يحقق الإصلاح السياسي في دول المنطقة الأهداف المنشودة منه، فإن من المهم مواصلة الجهود من أجل تأسيس ثقافة سياسية ديمقراطية، بما ينطوي عليه ذلك من تطوير لسياسات التعليم والإعلام والثقافة، فضلاً عن تحديث أجهزة الدولة ومؤسساتها، وبخاصة في ظل ما تفرضه العولمة من تحديات واستحقاقات، وإفساح مجال أكبر لتنظيمات المجتمع المدني لتؤدي دورها بفاعلية؛ فالمجتمع المدني النشط يمثل ركيزة أساسية لأي تطور ديمقراطي حقيقي.

ولا شك في أن أحد التحديات الرئيسية التي تواجه جهود الإصلاح الداخلي في دول المجلس إنما يتمثل بعدم استقرار البيئة الإقليمية وافتقارها إلى الأمن، بسبب ما يجري في العراق، وأيضاً بسبب التطورات الحادة المرتبطة بأزمة الملف النووي الإيراني وما تحمله من آفاق غائمة، فضلاً عن الخطر الذي تمثله بعض الخلايا والتنظيمات الإرهابية العابرة لحدود الدول. فمثل هذه الأوضاع يمكن أن تنعكس سلباً على عمليات الإصلاح الداخلي في دول المجلس.
لقد شغلت التطورات الاقتصادية التي شهدتها دول المجلس خلال عام 2006 حيزاً مهماً من كتاب الخليج السنوي، وبخاصة في ظل حالة التحسن النسبي التي تشهدها اقتصادات هذه الدول بسبب زيادة عائداتها المالية من جراء ارتفاع أسعار النفط من ناحية، وتواصل عمليات الإصلاح الاقتصادي فيها بدرجات متفاوتة وأوجه مختلفة من ناحية أخرى.
وفي هذا السياق، فقد اهتم الكتاب برصد المؤشرات الرئيسية لأداء الاقتصادات الخليجية خلال عام 2006 وتحليلها، وتقييم أداء أسواق المال، فضلاً عن مناقشة جهود تنويع مصادر الدخل وتحليلها، ودور القطاع الخاص، ومستجدات التنسيق الاقتصادي بين دول مجلس التعاون وبخاصة في ما يتعلق بالاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، والاتحاد النقدي وإصدار العملة الخليجية الموحدة.
كما اهتم الكتاب برصد أهم المستجدات ذات الصلة بشؤون الأمن والدفاع في المنطقة وتحليلها. وفي هذا السياق، مثّل العراق حالة استثنائية من حيث مدى تدهور الأوضاع الأمنية في ظل تعدد القوى والتنظيمات والميليشيات التي انخرطت في ممارسة العنف والإرهاب. كما شهدت بعض الدول، مثل السعودية واليمن، بعض الأنشطة والمحاولات الإرهابية التي استهدفت بعض المنشآت والمرافق النفطية بصورة أساسية، وهو ما يمثل تطوراً له دلالته في تفكير تنظيم القاعدة وخلاياه المنتشرة في العديد من الدول.
ولكن على الرغم من ذلك، وباستثناء حالة العراق، فإن انحسار الأنشطة الإرهابية مثّل ملمحاً بارزاً خلال عام 2006، الأمر الذي يشير إلى كفاءة الأجهزة الأمنية في محاصرة أنشطة التنظيمات الإرهابية من خلال تفكيك هياكلها التنظيمية، واعتقال الكثير من قياداتها وكوادرها ومحاكمتهم.
ومع التسليم الكامل بأهمية دور الأمن في محاصرة الإرهاب، إلا أن الحل الأمني ليس كافياً لمعالجة ظواهر التطرف والعنف والإرهاب، حيث إن هناك مصادر وجذوراً ثقافية واقتصادية واجتماعية لهذه الظواهر، ومن ثم فإن معالجتها تتطلب ما هو أبعد من الأمن؛ تتطلب التحرك بفاعلية لمواصلة جهود الإصلاح الشامل وفقاً لأجندات وطنية تلبي طموحات الشعوب الخليجية.
وبالإضافة إلى ما سبق، يتضمن الكتاب إحصاءات دقيقة وتحليلات موثقة تتعلق بشؤون الدفاع في دول المجلس، وبخاصة في ما يتصل بسياسات التسليح والتدريب والتأهيل، ومستجدات التنسيق والتعاون العسكري بين هذه الدول، ولا سيما في ضوء خطة تطوير قوات درع الجزيرة وإعادة هيكلتها. كما اهتم الكتاب برصد قضايا البيئة في منطقة الخليج وتحليلها، وهي قضايا في غاية الأهمية لما لها من انعكاسات قائمة ومحتملة على أوضاع التنمية البشرية في المنطقة.
وفي ضوء المستجدات التي شهدتها السياسات الخارجية لدول المجلس، سواء على الصعيد الفردي أو على الصعيد الجماعي خلال عام 2006، فقد اهتم كتاب الخليج في عام برصد هذه المستجدات وتحليلها وتقييمها، وبخاصة ما يتعلق منها بمواقف الدول المعنية وسياساتها تجاه المسألة العراقية بتعقيداتها المعروفة، والقضية الفلسطينية وما شهدته من تطورات في ظل حكومة حماس، والحرب الإسرائيلية على لبنان، وغير ذلك من القضايا الإقليمية المهمة.
كما اهتم الكتاب بتحليل المستجدات على صعيد العلاقات الدولية لدول المجلس، وبخاصة في ما يتصل بعلاقاتها مع كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وآسيا، وهي علاقات لها أبعادها وجوانبها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية؛ فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تمثّل اللاعب الدولي الرئيسي في منطقة الخليج، فإن الاتحاد الأوروبي له أهميته من ناحية اقتصادية وسياسية، كما أن آسيا لها أهميتها من عدة زوايا؛ أبرزها الطلب المستقبلي على النفط، وهو ما يمثل أحد المتغيرات الرئيسية في فهم مستجدات السياسات الخليجية تجاه آسيا.

إن منطقة الخليج والجزيرة العربية تشمل بالمعنى الجيو ـ استراتيجي دول مجلس التعاون الخليجي وكلاً من العراق وإيران اليمن. ومن هنا فإن ما يحدث في كلٍّ من هذه الدول الثلاث سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد سياساتها الخارجية، إنما ينعكس بطريقة أو بأخرى على منطقة الخليج برمتها. ولذلك، اهتم كتاب (الخليج في عام) برصد مستجدات الأوضاع في الدول الثلاث وتحليلها واستشرافها، سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد سياساتها الخارجية.
وفي هذا السياق، فقد تم تسليط الضوء على مستجدات المسألة العراقية، وبخاصة في ظل استمرار تردي الأوضاع الأمنية، وتصاعد العنف الطائفي وعمليات القتل الجماعي على الهوية، وزيادة سطوة الميليشيات المسلحة، وانتشار فرق الموت، وذلك في ظل عجز واضح لقوات الشرطة والأمن، خاصة أنه قد أصبح في حكم المؤكد أن بعض قطاعاتها مخترق من قبل ميليشيات وقوى طائفية. ناهيك عن استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة عمليات التهجير القسري.
وقد كان الوضع في العراق من الأسباب الرئيسية إن لم يكن السبب الرئيسي لخسارة الجمهوريين. فالقوة العظمى الوحيدة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة تواجه مأزقاً حقيقياً في العراق، وهو مأزق له تكلفته المادية والبشرية العالية، ناهيك عن تكلفته المعنوية المتعلقة بتآكل هيبة الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها غير قادرة على تحقيق نصر في العراق حسب مفهومها ورؤيتها لهذا النصر.
وعلى الرغم من اتجاه واشنطن نحو تغيير سياساتها في العراق في ضوء توصيات تقرير (بيكر ـ هاملتون) المثير للجدل ومقترحاته، وبغض النظر عن طبيعة التغيير المحتمل ومدى تأثيره في الأوضاع على الأرض، فالأرجح أن جانباً رئيسياً من معضلة واشنطن في العراق يتمثل بأنها غير قادرة على الاستمرار، وفي الوقت نفسه غير قادرة على الانسحاب؛ فالخياران أحلاهما مر، ولكلٍّ منهما تكلفته وثمنه.
وإذا كانت عملية إعدام صدام حسين قد أسدلت الستار على رجل ارتبط اسمه بالحروب والصراعات التي شهدتها المنطقة عقوداً، فالأرجح أن هذه العملية لن تنهي دوامة العنف في العراق، بل إنها ستعمّق من روح الثأر والانتقام على نحو قد يقود إلى حرب أهلية تفضي في نهاية المطاف إلى تفكك الدولة العراقية، مما سيحوّلها إلى بؤرة لتصدير التطرف والعنف والإرهاب إلى خارج حدود العراق.
ومهما يكن من أمر، فإن المعطيات القائمة حالياً تشير إلى أن العراق سوف يعاني مزيداً من عدم الاستقرار لسنوات قادمة، وأنه لا سبيل لوضعه على طريق الاستقرار والتنمية إلا من خلال إنجاز مصالحة وطنية حقيقية، وحل الميليشيات المسلحة، وتعزيز الجيش والشرطة العراقيين على نحو يدعم من قدرتهما على ضبط الأمن، وإعادة الاعتبار لأجهزة الدولة ومؤسساتها، ومراجعة خطط إعادة الإعمار، وإفساح المجال لمشاركة أطراف إقليمية ودولية في إيجاد حلول للمسألة العراقية، ووضع برنامج زمني معقول لانسحاب القوات الأجنبية من العراق. ولكن التحدي الحقيقي الذي يواجه مختلف المعنيين بالشأن العراقي هو: كيف يمكن توفير هذه الشروط وإنضاجها في ظل حالة الفوضى والانفلات التي تعانيها الساحة العراقية؟
إذا كان ما يجري حالياً في العراق سوف يلقي بتأثيراته على المنطقة لسنوات قادمة، فإن أزمة الملف النووي الإيراني سوف تظل بؤرة للتوتر وربما للانفجار في المنطقة، وخاصة في ظل تشدد إيران في التمسك بموقفها، وتحديها قرار مجلس الأمن الخاص بفرض العقوبات، الذي كان قد صدر بالإجماع. ومن هنا، فإن الأزمة ستبقى مفتوحة على احتمالات اتخاذ خطوات تصعيدية أخرى ضد إيران.
وفي هذا السياق، فإن أسوأ سيناريو يمكن أن تشهده هذه الأزمة هو حدوث مواجهة مسلحة بين واشنطن وطهران، أو قيام إسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية. ومبعث القلق هنا هو أن أي مواجهة عسكرية ستكون لها انعكاساتها الأمنية الخطرة على المنطقة، ناهيك عن الآثار البيئية والصحية التي يمكن أن تنجم عن تدمير المنشآت النووية.
ومما يضاعف من خطورة الوضع، أن إيران أحمدي نجاد ليست عراق صدام حسين من حيث حجم القدرات العسكرية وطبيعتها، كما أن لديها بعض الأوراق التي يمكن أن تستخدمها في حال تعرضها لضربات عسكرية. ومن هنا تأتي أهمية مطالبة دول مجلس التعاون الخليجي بجعل منطقة الشرق الأوسط برمتها، بما فيها منطقة الخليج، خالية من أسلحة الدمار الشامل، وخاصة أن استمرار الوضع الراهن يمكن أن يفتح الباب لسباق تسلح في المنطقة، وهو ما يؤثر سلباً في فرص تحقيق الأمن والاستقرار فيها.
إذا كان وزير الدفاع الأمريكي الجديد روبرت غيتس قد صرح في أول زيارة له إلى العراق بأن الولايات المتحدة الأمريكية باقية في الخليج فترة طويلة، وإذا كان يمكن فهم ذلك في ضوء مكانة واشنطن وطموحها كقوة عظمى وحيدة، حيث إن دورها في الخليج يُعد أحد المرتكزات الرئيسية لدورها على الصعيد العالمي؛ فإن التحدي الحقيقي يتمثل بكيفية بلورة صيغة ملائمة تجعل من الدور الأمريكي في الخليج عنصراً للأمن والاستقرار، لا مصدراً للتوتر والفوضى.
وهذا لن يتحقق إلا بتسوية المشكلات الرئيسية في المنطقة برمتها، وفي مقدمها المسألة العراقية، وأزمة الملف النووي الإيراني، والصراع العربي ـ الإسرائيلي باعتبار أنه لا يمكن عزل ما يجري في الخليج عما يجري على صعيد الصراع العربي ـ الإسرائيلي. كما أن بلورة نظام أمني مستقر في الخليج قائمٍ على ترتيبات وضمانات متبادلة بمشاركة واشنطن وأطراف دولية أخرى، تمثل عنصراً مهماً في المعادلة باعتبارها أحد المداخل الرئيسية لتحقيق أمن الطاقة. كما أن بقاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة يتطلب إلى جانب أشياء أخرى تطوير صيغ للشراكة الحقيقية مع دولها، بعيداً من سياسات الإملاء والتدخل السافر في الشؤون الداخلية لهذه الدول، ويتطلب أيضاً تصحيح صورة الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت مشوهة لدى شعوب المنطقة بسبب الاختيارات والسياسات الأمريكية الخاطئة، وخاصة في ظل سيطرة المحافظين الجدد على مراكز القرار في واشنطن.
وفي هذا المقام، أود الإشارة إلى أن الشعوب العربية ليست في حالة رفض أو كراهية للشعب الأمريكي أو الثقافة الأمريكية، أو القيم السياسية الأمريكية، أو التعليم الأمريكي، ولكن في حالة كراهية للسياسات الأمريكية التي تقوم على غطرسة القوة، والمعايير المزدوجة، وانعدام الصدقية، والتأييد الأعمى لإسرائيل. ومن هنا، فإن تصحيح الصورة يتطلب في الأساس تصحيح الأصيل وليس مجرد التركيز على العمل الإعلامي والدعائي الأجوف. ومن دون ذلك سوف تظل منطقة الخليج عرضة للأزمات والانفجارات التي تلحق الضرر ليس بمصالح دولها فحسب، بل بالمصالح الأمريكية والعالمية فيها كذلك.

Articles

دول المجلس ومبادرة اسطنبــــــــــول للتعاون

عُقد في دولة الكويت يومي الثاني عشر والثالث عشر من ديسمبر 2006 المؤتمر الدولي للتعاون بين منظمة حلف شمالي الأطلسي ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تحت عنوان (مواجهة التحديات المشتركة من خلال مبادرة اسطنبول للتعاون)، والذي تم خلاله التوقيع على اتفاقية أمنية بين دولة الكويت وحلف الناتو، تتعلق بتبادل المعلومات وفق أطر معينة.
بداية لا بد من الإشارة إلى أن هذا المؤتمر حقق نجاحاً باهراً، ليس بسبب المشاركة الكثيفة من قبل دول مجلس التعاون وحلف شمالي الأطلسي، حيث عقد المؤتمر تحت رعاية سمو رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح وحضور أمين عام حلف شمالي الأطلسي ونائبه وممثلين عن دول مجلس التعاون ودول حلف الناتو وحسب، بل بسبب الإعداد المتميز للمؤتمر والتسهيلات التي وفرها المشرفون على تنظيم هذا الحدث، ممثلا في جهاز الأمن الوطني الكويتي أيضاً. وإذ نتوجه بالتهنئة لدولة الكويت على نجاح هذا المؤتمر، إلاّ أنه لا بد من التنويه بأن هذا ليس بالأمر الجديد على دولة الكويت التي طالما كانت سباقة ورائدة في العديد من القضايا التي تهم مستقبل وأمن واستقرار دول المجلس.
وعلى الرغم من أن أحد أهم الأهداف من وراء عقد المؤتمر هو إيصال فكرة واضحة وفهم أفضل لمضمون وأهداف مبادرة اسطنبول للتعاون وتمتين أواصر التعاون ما بين الحلف ودول المجلس وصولاً إلى الاستقرار الدائم واستتباب الأمن في منطقة الخليج، فإن هناك من لا يزال يعارض هذه المبادرة إما لجهله بمضمونها وأهدافها أو ربما لوجود أزمة ثقة تنعكس سلباً وعلى نحو مباشر على تطبيقها.
وفي إطار الجهود المبذولة للتعريف بمبادرة اسطنبول للتعاون وأهمية تعزيز العلاقات بين حلف الناتو ودول المجلس، سيعقد كل من مركز الخليج للأبحاث ومعهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية في المملكة العربية السعودية وقسم الدبلوماسية العامة في حلف شمالي الأطلسي مؤتمراً تحت عنوان (قضايا التعاون الأمني ومبادرة اسطنبول للتعاون: تعزيز علاقات حلف شمالي الأطلسي مع دول الخليج)، وذلك في الرياض يومي العشرين والحادي والعشرين من يناير 2007. ونظراً إلى أهمية هذه القضية، وبفعل الدور الحيوي الكبير الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية في المنطقة، أرى أن من واجبي أن أحاول التعريف بمبادرة اسطنبول للتعاون وأهدافها وكذلك تحديد بعض مرتكزات أهمية توقيع المملكة على هذه المبادرة.
تتلخص مبادرة اسطنبول للتعاون (ICI)، التي أطلقت خلال قمة منظمة حلف الناتو التي انعقدت في اسطنبول من 28 ـ 29 يونيو 2004، في أنها مبادرة اختيارية ذات فوائد متبادلة ومشتركة في إطار من العلاقات الثنائية بين حلف الناتو من جهة، وكل من الدول الموجهة لها تلك المبادرة ومن ضمنها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من جهة أخرى، الأمر الذي شجع دولة الكويت ودولة قطر ومملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة على توقيع هذه المبادرة، بينما لا تزال المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان تعكفان على دراسة إمكانية توقيع هذه المبادرة. ومع أن هذه المبادرة مستقلة عن مبادرة حوار المتوسط (MD)، التي طرحها الحلف في عام 1994، إلاّ أنها لا تتعارض من حيث المبدأ مع حوار المتوسط، بل تعتبر مكملة له في ضوء التحولات الجديدة في أدوار حلف الناتو، وظهور تهديدات عالمية جديدة تمس مصالح كافة الدول المعنية بالاستقرار والأمن على الساحة الدولية، لا سيما الدول الأعضاء في حلف الناتو ودول الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا، شاملة دول البحر المتوسط ودول منطقة الخليج بما فيها المملكة العربية السعودية التي تعد من القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة والمؤثرة في الشؤون العالمية سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وتعد قواتها المسلحة من القوات المؤهلة والمتطورة، وسبق لها التعاون مع قوات دولية مختلفة خلال فترة احتلال دولة الكويت (1990 ـ 1991).

أهداف المبادرة
تهدف مبادرة اسطنبول للتعاون إلى تعزيز الأمن الإقليمي واستقرار هذه المنطقة من العالم عن طريق بناء أسس شراكة جديدة مع حلف الناتو، من خلال تفعيل مختلف أوجه التعاون التي يقدمها الحلف للدول المهتمة في مجالات عدة منها الأمن والتدريب وشؤون الدفاع والتنسيق والتعاون العسكري عن طريق تنفيذ تدريبات عملية ذات فوائد جمة تصب جميعها في صالح القوات المسلحة العائدة للدول المعنية عند قيامها بمحاربة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وعمليات تهريب السلاح غير المشروع، بقصد تحسين إمكانياتها لمواجهة مختلف أنواع التهديدات، وإجراء المزيد من الحوار السياسي المشترك حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك بالتعاون مع حلف الناتو.
مرتكزات توقيع المملكة العربية السعودية على مبادرة اسطنبول للتعاون
ترتكز أهمية توقيع السعودية على مبادرة اسطنبول للتعاون مع حلف الناتو على عدة مرتكزات أساسية مهمة منها:
1- المكانة المرموقة التي تحتلها المملكة في كافة المجالات على المستويين الإقليمي والعالمي، التي تؤهلها للمضي قدماً والسير بعملية شراكة إيجابية متوازنة ومتكافئة ومتعددة الجوانب ومأمونة المخاطر، من خلال بناء علاقات تعاون قوية مبنية على أسس متينة مع حلف الناتو الذي يمكن القول عنه إنه أصبح مظلة أمنية دولية بهذا الحجم الذي يضم 26 دولة، بالإضافة إلى الشراكات العالمية التي شيدها الحلف مع عدد من الدول مثل الشراكة من أجل السلام مع روسيا (PFP)، ودول حوار المتوسط (MD)، والتي تركز غالبيتها على التدريبات العسكرية المشتركة، والدوريات البحرية المضادة للإرهاب، والتعاون المشترك لمواجهة الأزمات والكوارث. يضاف إلى ما تقدم عدم وجود أي قيود أو تحفظات قانونية أو مخاطر تضر بالمصالح الوطنية العليا للمملكة العربية السعودية عند توقيعها على مبادرة اسطنبول للتعاون شأنها شأن مختلف أنواع الاتفاقيات الدولية الأخرى.
2- إن التعامل مع الحلف من قبل دول أخرى وتوقيع اتفاقيات ثنائية معه لا يختلف من حيث المبادئ الأساسية (وإن اختلفت نوعية البرامج المشتركة) عن التعاون مع دول تشكل تجمعات ومنظمات ومؤسسات عالمية أخرى مثل مجموعة الثمانية (G-8) والاتحاد الأوروبي (EU) ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) ومجلس الشراكة الأوروبية ـ الأطلسية (EAPC) وغيرها.
3- الدور المتعاظم لمنظمة حلف الناتو على الساحة الدولية في كافة مجالات التعاون والتنسيق الثنائي والجماعي، بعيداً عن أي حماية عسكرية أو أمنية للحلف إزاء الدول الأضعف نسبياً، ودون التدخل في الشؤون الداخلية أو العلاقات الخارجية للدول الشريكة معه، حيث إن دوره الرئيسي لا يتعدى عمليات التعاون والتنسيق الثنائية في إطار شامل وشفاف من العلاقات المتوازنة بينه وبين الدول التي وقعت معه اتفاقيات شراكة واضحة المعالم لا سيما أن حلف الناتو لا يملك تحت تصرفه أية قوات عسكرية ضاربة، ولا يحرك بصورة مباشرة أية تشكيلات مقاتلة على الأرض أو في البحر أو في الجو، فهو يدير نشاطاته اليومية من خلال قيادات جغرافية معلومة على الأرض في أمريكا الشمالية وأوروبا، في حين تحتفظ الدول الأعضاء بقواتها المخصصة للحلف داخل حدودها الوطنية وتحت قياداتها العسكرية المحلية، ولكن بالتنسيق مع الهيئات ذات الاختصاص في إطار الهيكل التنظيمي للحلف بصفة عامة وقيادته في بروكسل ـ ببلجيكا.
4- يضع الحلف في اعتباراته مختلف الأفكار والمقترحات والملاحظات الصادرة عن دول الإقليم أو المؤسسات الإقليمية، بعيداً عن أي سوء فهم أو التباس، ولا يقوم بفرضها على أية جهة من الجهات المتعاونة معه، ولا يقحم نفسه في جدل سياسي حول مواضيع يتم تناولها وتداولها من قبل أطراف أخرى.
5- اتساع نطاق برامج التعاون المشتركة، التي تضمنتها وثيقة اسطنبول للتعاون حسب الأهمية والأولوية، وأهميتها للقوات السعودية المسلحة (البرية والبحرية والجوية)، وكذلك قوات الحرس الوطني والأمن الداخلي وحرس الحدود، حيث تتضمن ما يلي:

• أمن الحدود وذلك من خلال ندوات أمن الحدود وندوات إدارة الحدود المشتركة وضبطها.
• مكافحة الإرهاب من خلال دورات تدريب الضباط على مكافحة الإرهاب، وندوات مجلس الشراكة الأوروبية ـ الأطلسية حول الإرهاب، وتبادل المعلومات والمعرفة الاستخبارية مع الأجهزة المعنية في الدول الأعضاء بمبادرة اسطنبول للتعاون.
• إصلاح وتحسين شؤون الدفاع، من خلال ورش العمل في السياسات والاستراتيجيات الدفاعية في إطار منظمة الشراكة من أجل السلام (PFP)، وإيجازات حول الإصلاحات الدفاعية، واجتماعات/ حلقات دراسية/ مؤتمرات الخبراء في مجال الدفاع، وكذلك اجتماعات/ حلقات دراسية/ مؤتمرات حول الأبعاد الاقتصادية والمالية للإرهاب ومكافحته.
• تنظيم نشاطات دبلوماسية عامة، مثل المؤتمرات الأكاديمية حول الناتو وإقليم الشرق الأوسط الكبير، ومبادرات الناتو مع العالم العربي، وعلاقات الناتو مع دول الخليج، التي ترعاها إدارة الدبلوماسية العامة وكلية الدفاع في حلف الناتو، بالتعاون مع مراكز الدراسات والأبحاث والمؤسسات الأكاديمية في العالم والخليج، بالإضافة إلى تنظيم زيارات للأكاديميين من منطقة الشرق الأوسط، بما فيها دول الخليج، إلى مقرات قيادات حلف الناتو ومقرات تدريب الدبلوماسيين في حلف الناتو.
• منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وذلك من خلال تركيز الجهود السياسية والدفاعية ضد انتشار أسلحة الدمار ووسائل إطلاقها، وعقد مؤتمرات وندوات في هذا المجال يشارك فيها وفود سياسية وعسكرية عليا، بالإضافة إلى التعريف بجهود حلف الناتو ضد هذا النوع من الأسلحة.
• حظر الأسلحة الصغيرة والخفيفة، من خلال الندوات والاجتماعات المتعلقة بمسائل عامة والاجتماعات الخاصة التي ينظمها حلف الناتو مع الشركاء المعنيين بهذه القضايا.
• التخطيط لحالات الطوارئ المدنية، وذلك عن طريق ندوات لتخطيط الطوارئ المدنية وأوجه التعاون المدني ـ العسكري (CEP/CIMIC)، ودورات ونشاطات تدريبية حول العلاقات المدنية ـ العسكرية في حلف الناتو، وندوات الموارد الأساسية عند الطوارئ كالطعام والمياه والطبابة والإخلاء والنقل، وندوات حول البنية التحتية الصعبة من حيث الإجراءات والترتيبات اللازمة، وورش عمل تخطيط مواجهة الطوارئ المدنية، وتمارين وتدريبات وهمية وميدانية للهيئات والسلطات المعنية، وأيام عمل حول عمل لجان تخطيط الاتصالات المدنية، ودورات الضباط وضباط الصف لتدريبهم على أعمال التعاون مع مختلف الحالات على المستوى التكتيكي، ودورات ضباط الارتباط على مستوى العمليات والمستوى الاستراتيجي.
• إدارة الأزمات، من خلال الاجتماعات واللقاءات للخبراء على مختلف المستويات، ودورات إدارة الأزمات متعددة الجنسيات.
• الاتصالات (اللقاءات) العسكرية ـ العسكرية المتبادلة عن طريق الزيارات واللقاءات والمؤتمرات لجميع القادة المعنيين، والاطلاع على مختلف نظم الإنذار المبكر المحمولة جواً والعاملة لدى حلف الناتو.
• عمليات دعم السلام من مختلف الجوانب المتعلقة بالمفاهيم والخطط والعمليات عن طريق كافة أنواع الدورات وورش العمل واللقاءات المتعلقة بهذا الموضوع.
• التمارين العسكرية والنشاطات التدريبية ذات العلاقة، عن طريق المشاركة والمراقبة لكافة أنواع التمارين والتدريبات، لا سيما البحرية منها والمتعلقة بمكافحة الإرهاب والتهريب في البحار، والمناطق الساحلية والموانئ.
• التثقيف العسكري، التدريب، والعقيدة القتالية، وذلك عن طريق المشاركة بمختلف أنواع الدورات والنشاطات التدريبية، ولقاءات القادة على أعلى المستويات، وتبادل وجهات النظر للتوصل إلى رؤية مشتركة حول مختلف القضايا بهذا الشأن، والمشاركة بدورات اللغات على المستويات كافة ، والاطلاع على الكراسات والنشرات التدريبية.

ونستخلص مما تقدم أن مبادرة اسطنبول للتعاون التي طرحها حلف الناتو على دول مجلس التعاون، تمثل البوابة الرئيسية للاطلاع على مختلف النظم وأساليب العمل لدى حلف الناتو من قبل القادة العسكريين والأمنيين والمدنيين من ذوي العلاقة بشؤون الدفاع والأمن والقضايا الاستراتيجية والعملياتية والتكتيكية في دول مجلس التعاون، من أجل تأمين المتطلبات الأساسية للكفاءة القتالية والقابلية التبادلية لكافة التشكيلات العسكرية والأمنية، وتحسين قدراتها لتصبح بالمستوى الذي يعمل به حلف الناتو في مجال العمليات والتدريب والاستخبارات والمعلومات، والدعم اللوجستي والهندسي والإداري.

Articles

محددات اندماج اليمن في مجلس التعاون لدول الخليــــج العربية

جاء المؤتمر الدولي للمانحين الذي عقد في لندن بمشاركة دول مجلس التعاون الست وعدد من الدول الأوروبية، إضافة إلى اليمن ليتوج الجهود السياسية والاقتصادية والعسكرية خلال الأسابيع القليلة باتجاه اندماج اليمن في مجلس التعاون لدول الخليج العربية. فعلى النطاق السياسي قام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية، كما عقد اتصالات مع قادة دول المجلس الأخرى أثمرت عن دعم مادي بلغ ملياري دولار تعهدت به دول مجلس التعاون في مؤتمر المانحين، في حين خطا التقارب الاقتصادي خطوات جيدة، ولعل أبرز مؤشراته الاتفاق اليمني الخليجي لتوحيد المواصفات القياسية والفنية للمنتجات والسلع المتبادلة والآلية الموحدة للسلامة المهنية. كما جاء مؤتمر المانحين ليتوج الجهود الدبلوماسية التي سعت إلى تحقيق المزيد من التقدم لانضمام اليمن إلى دول مجلس التعاون. وفي المجال العسكري دعت سلطنة عمان اليمن إلى المشاركة، للمرة الأولى، في مناورة (درع الجزيرة) التي ستقام في السلطنة نهاية العام الحالي.
ولم يكن مركز الخليج للأبحاث بعيداً عن هذه التحركات، حيث أقام ندوة بالتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية، ناقشت موضوع اندماج اليمـن في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث هدفت الندوة إلى طرح ومناقشة مختـلــف القضايا والتطورات ذات الصلة بواقع ومستقبل العلاقات بين اليمن ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مع التركيز على القضايا والأبعاد الاستراتيجية والأمنية والسياسية والاقتصادية لانضمام اليمن إلى المجلس، فضلاً عن مناقشة أهمية التطوير التنموي لليمن من حيث مجالاتــه وآلياتــه ومتطلباتــه وما يمكن أن يترتب عليه من مكاسب ومصالح مشتركة لكل من اليمن ودول المجلس، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الأمني. كما سعت الندوة إلى استشراف الآفاق المستقبلية لمسارات واتجاهات العلاقة بين اليمن ودول المجلس، وبلورة بعض المقترحات العملية التي من شأنها تطوير وتعزيز الشراكة بين الجانبين، بما يسهم في بلورة المعطيات وتهيئة الظروف الملائمة لانضمام اليمن إلى المجلس خلال فترة زمنية مناسبة.
إن مركز الخليج للأبحاث يؤمن بأن أي نقاش لموضوع انضمام اليمن ينبغي أن يأخذ في الحسبان مجموعة من المنطلقات المهمة:
أول هذه المنطلقات، أن اليمن بالمعنى الجيواستراتيجي هو جزء من منطقة الخليج والجزيرة العربية، لذا فإن قضايا الأمن والاستقرار والتنمية في اليمن هي قضايا تهم جميع دول المنطقة، لأن حدوث أي مشكلات أو أزمات داخلية ـ لا سمح الله ـ في اليمن سوف تكون لها تأثيراتها وانعكاساتها السلبية بالنسبة لبقية دول المنطقة.
أما المنطلق الثاني، فجوهره أن تصفية الخلافات الحدودية بين اليمن وبعض دول المجلس المجاورة له تمـثـل أرضية مهمة لتعزيز علاقات التعاون بين الجانبين بما يمهــد السبيل لانضمام اليمن إلى المجلس في مرحلة تالية.
ويتمثل المنطلق الثالث بتطوير قدرة الدولة اليمنية على مواجهة المشكلات الداخلية. فمع كل التقدير للإنجازات التي قامت بها السلطات اليمنية على الصعيد الداخلي، والجهود الكبيرة التي تقوم بها من أجل تحقيق التنمية، إلا أن اليمن لا يزال يواجه مجموعة من المشكلات والتحديات الداخلية التي تحتاج إلى حلول جذرية وشاملة، لأن استمرارها سوف يلقي بتأثيراتــه السلبية ليس على الأوضاع والتوازنات الداخلية في اليمن فحسب، بل على علاقاته الإقليمية والدولية أيضاً.
ومن بين المشكلات التي يعانيها اليمن، والتي ترصدها باستفاضة تقارير ودراسات يمنية وعربية ودولية، يمكن أن نشير بإيجاز إلى ارتفاع معدلات البطالة والأمية والفقر، واستشراء الفساد المالي والإداري، وانتشار السلاح على نطاق واسع بين المواطنين، واللجوء المتكرر من قبل بعض القوى القبلية إلى تحدي هيبة الدولة وسيادة القانون.
وبناء عليه، فإنه إذا كان يتعين على دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الدول والمؤسسات المانحة في العالم بلورة وتبني برامج فعالة لمساعدة اليمن على تجاوز أوضاعه الراهنة، فإنه من المهم أن تواصل الحكومة اليمنية جهودها من أجل تحديث المؤسسات، وتطوير السياسات، وبناء القدرات، والتصدي للبيروقراطية والفساد، لأن ذلك هو أحد الشروط الرئيسية لتفعيل الاستفادة من المساعدات الخارجية.
أما المنطلق الرابع، فيتمحور حول ضرورة مراجعة وتقييم تجربة انضمام اليمن إلى بعض أجهزة المجلس، بالنظر إلى أن ذلك قد يقدم بعض المؤشرات المهمـة بشأن متطلبات تهيئة اليمن للانضمام إلى المجلس كعضو كامل العضوية.
ويتمثل المنطلق الخامس الذي يتعين أخذه في الحسبان بضرورة تفهم وتقييم تجربة المجلس بعد أكثر من ربع قرن على تأسيســه. فعلى الرغم من بعض الإنجازات المهمة التي حققها المجلس، فإنها لا تزال دون مستوى الطموح. وهناك كثير من الأفكار والرؤى المطروحة من أجل تفعيل دور المجلس، وبخاصة في مجالات الأمن والاقتصاد والسياسة الخارجية. لذا، فإن الحديث عن متطلبات وإمكانيات انضمام اليمن إلى المجلس يتعين النظر إليه في ضوء تقييم تجربة المجلس برمتها.
إن منطقة الخليج تعاني من التوتر وعدم الاستقرار منذ عقود، وهو ما يتمثل بالحروب الثلاث التي شهدتها المنطقة، والتي لا تزال توابعها وتداعياتها تتواصل حتى الآن، وأعمال العنف والإرهاب التي شهدتها ـ وتشهدها ـ بعض الدول، فضلاً عن أنشطة الجريمة المنظمة التي أصبحت عابرة لحدود الدول.
ومن هذا المنطلق، فإن العلاقات بين اليمن ودول المجلس لها جوانبها الاستراتيجية والأمنية المهمة، فهناك حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين الجانبين من أجل مواجهة خطر الإرهاب، وخصوصاً الخلايا النائمة لتنظيم القاعدة، والتصدي لعمليات وأنشطة تهريب الأسلحة والمتفجرات والمخدرات، التي تغذي بدورها الأنشطة الإرهابية.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أمور محددة نوجزها في بعض التساؤلات، التي تتناول موضوع الأمن لأنه يمثل الركيزة الأساسية للتنمية والاستقرار والديمقراطية. ومن هذه التساؤلات كيف يمكن تعزيز قدرة الأجهزة اليمنية المختصة على مواجهة التهديدات الأمنية الداخلية؟ وما هي متطلبات وآليات تعزيز التعاون والتنسيق بين اليمن ودول المجلس في المجالات الأمنية، وخاصة في ما يتعلق بالتصدي للأنشطة الإرهابية وعمليات التسلل والتهريب عبر الحدود؟ وإلى أي مدى تتوافق القوانين والتشريعات اليمنية بشأن مكافحة الجريمة والتصدي لخطر الإرهاب مع القوانين والاتفاقيات المعمول بها على مستوى مجلس التعاون الخليجي؟
وإذا كان الأمن يمثل ركيزة أساسية لواقع ومستقبل العلاقات بين اليمن ودول المجلس، فإن الاقتصاد لا يقل أهمية عن ذلك. ومع التسليم بوجود مستويات اقتصادية متفاوتة بين اليمن ودول المجلس، إلا أن التحدي الحقيقي الذي يواجه الطرفين هو كيف يمكن معالجة المشكلات الاقتصادية في اليمن وتحقيق نوع من التنمية المستدامة على نحو يجعل اليمن ينخرط في منظومة دول المجلس بشكل تدريجي وطبيعي حتى يصبح عضواً كامل العضوية؟
ولا تقتصر العلاقات الاقتصادية على مجرد تقديرات رقمية أو مساعدات مالية تقدمها دول المجلس أو غيرها لليمن، ولكن الأهم من ذلك هو تبني الخطط والبرامج والسياسات التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة في اليمن، بحيث توجــه المساعدات الخارجية لتمويلها.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها المؤسسات اليمنية بهذا الخصوص، فإنه لا تزال هناك حاجة ضرورية إلى بلورة مثل هذه الخطط والبرامج، خصوصاً أن تحقيق التنمية بمفهومها المجتمعي الشامل هو المدخل الأساسي لمواجهة ظواهر التطرف والعنف وتجفيف منابعها.
وفي هذا المقام، نشير إلى ضرورة التركيز على عدد من العناصر التي من شأنها تعزيز العلاقات الاقتصادية بين اليمن ودول المجلس:
1- مواصلة جهود تحسين وتطوير البيئة الاستثمارية في اليمن، بحيث تصبح بيئة جاذبة للاستثمارات العربية والأجنبية. ومع التسليم بأهمية تحديث القوانين والتشريعات وتبسيط الإجراءات ذات الصلة بالاستثمار، إلا أن ذلك ليس كافياً، فثمة عناصر أخرى ضرورية لتشجيع الاستثمار المحلي وجذب الاستثمار الأجنبي، منها توفير الأمن والاستقرار، وتحقيق سيادة القانون استناداً إلى نظام قضائي عصري، وتخفيف القيود المفروضة على المستثمرين.

2- تأهيل قوة العمل اليمنية بما يجعلها أكثر قدرة على تلبية الاحتياجات المتطورة لأسواق العمل الخليجية، وهذا أحد المجالات المهمة لعلاقات التعاون بين اليمن ودول المجلس. لذا، فإن من المهم تطوير وتفعيل سياسات التعليم والتدريب والتأهيل. ويمكن لليمن أن يستفيد من خبرات بعض دول المجلس في هذه المجالات.
3- تقدير الاحتياجات التمويلية لليمن استناداً إلى دراسات علمية وخطط وبرامج تنموية مدروسة تقوم على أولويات محددة وجداول زمنية للتنفيذ.
4- تطوير سـبــل وإمكانات استفادة اليمن من خبرات دول المجلس في مجالات الصناعات النفطية، بما يعزز من مكانة هذا القطاع في الاقتصاد اليمني.
5- البحث في سـبــل ومتطلبات وشروط تعزيز علاقات التعاون والشراكة بين القطاع الخاص اليمني من ناحية، والقطاع الخاص في دول المجلس من ناحية أخرى.
6- مراجعة ملف العلاقات التجارية بين اليمن ودول المجلس، حيث إن تعزيز التبادل التجاري يمكن أن يحقق فائدة مشتركة للجانبين.
إن هدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين اليمن ودول مجلس التعاون لا يتحقق إلا في إطار ترسيخ علاقات سياسية متميزة بين الجانبين. وعلى الرغم من اختلاف طبيعة النظام السياسي في اليمن عن النــظــم السياسية في دول المجلس، فإن ذلك لا يمثــل أي عائق أمام تطوير العلاقات على نحو يسمح بانضمام اليمن إلى مجلس التعاون في مرحلة لاحقة، وبصورة طبيعية وسلسة.
وفي هذا السياق، نؤكد حقيقة مهمة، مفادها أن تكريس التعاون الإقليمي بين مجموعة من الدول يرتكز على عدد من المبادئ المهمة، منها التزام كل دولة عضو باحترام سيادة الدول الأخرى وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتطوير آليات فعالة لمعالجة الخلافات والمنازعات، والإيمان بمبدأ تحقيق مكاسب مشتركة، وتقديم تنازلات متبادلة إذا اقتضت الضرورة ذلك. وفي ظل الالتزام بمثل هذه المبادئ، فإن اختلاف النظم السياسية لا يؤثــر في إمكانية تأسيس تعاون إقليمي فعال. كما أن تحقيق نوع من التماثل بين التشريعات والقوانين والإجراءات ذات الصلة بمجالات العلاقات بين الدول الأعضاء يمثل ركيزة أساسية لتعزيز التعاون فيما بينها، وهو أمر له أهميته بالنسبة لمستقبل العلاقات بين اليمن ودول مجلس التعاون.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن مواصلة جهود الإصلاح السياسي، سواء في اليمن أو في دول المجلس، تــعـد من الأمور المهمة ذات الصلة بتعزيز العلاقات بين الجانبين. فالإصلاح السياسي هو الذي يوفــر الإطار المناسب لدفع وتشجيع جهود الإصلاح في المجالات الأخرى، الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.

Articles

“وثيقة مكة” وحقائق المــــيدان

إن مبادرة منظمة المؤتمر الإسلامي بعقد مؤتمر للمصالحة العراقية في مدينة مكة المكرمة كانت نابعة من دافعين: الأول حسن نيات من قام بتبني الفكرة ومن قام برصد الإمكانيات والجهود لدعمها، والثاني الشعور باليأس والإحباط جراء تدهور الوضع الأمني والإنساني في العراق والرغبة في عمل أي شيء قد يساهم في إنقاذ الموقف قبل الانهيار الكامل والمدمر للدولة العراقية. ومن هنا، لا يمكن للمرء إلا أن يبارك هذا الجهد، على الرغم من إدراكنا أن هذه المبادرة قد جاءت متأخرة عن موعدها مع فهمنا وتقديرنا لأسباب هذا التأخير والتردد. ولكن ليس من المنطقي تحميل هذا الجهد أكثر مما يحتمل، أو الذهاب بعيداً في التوقعات لما يمكن أن يترتب على (وثيقة مكة) من نتائج بشأن وقف الاقتتال الدائر في العراق. فباعتراف الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فإن الإنجاز لا يتعدى تبني الوثيقة، خصوصاً أنها تفتقر إلى آلية للتنفيذ والمراقبة على نحو يلزم جميع الأطراف دون استثناء باحترام بنودها.
هناك ثلاثة أطراف رئيسية مباشرة مسؤولة فعلياً عن إهدار الدم العراقي في كل يوم بل وفي كل ساعة من دون قيد أو رادع. وهذه الأطراف الثلاثة تتمثل بعناصر المليشيات المسلحة التي أمست عملياً تتحكم في الشارع العراقي وفي أرواح المواطنين وممتلكاتهم، وقوات الاحتلال الأمريكي ومن يساندها من حلفائها، وأخيراً قوات الجيش والشرطة العراقية المؤسسة حديثاً، والتي تقف في وسط المعادلة، وهناك طرف رابع لا يقل خطورة وفتكاً عن الأطراف الثلاثة الأخرى، والذي يتمثل بالعصابات الإجرامية المنظمة التي برزت على السطح منذ بداية الاحتلال، والتي يتعاظم دورها في عملية التدمير المبرمج للدولة والمجتمع، مستغلة حالة الانفلات الأمني الشامل، حيث صارت تمارس نشاطها اليومي في خطف وقتل المواطنين دون رادع أو رقيب.
وإذا نظرنا إلى الأطراف الثلاثة المسؤولة بصورة رئيسية عن ممارسة العنف علي الساحة العراقية ومدى تأثير وثيقة تحريم سفك الدماء العراقية في مواقفها أو سلوكياتها، فسنُواجـَـه بحقيقة مروّعة ومؤلمة تعمق حالة اليأس والإحباط التي نعيشها كل يوم عبر مراقبة المآسي التي تجري على أرض العراق. فقوات الاحتلال الأمريكي لن تكون معنية، لا من قريب ولا من بعيد، بوثيقة إسلامية أُقرت من قبل علماء الدين الإسلامي في رحاب مكة المكرمة. فمن يحاول متابعة سلوك قوات الاحتلال خلال الأعوام الثلاثة الماضية يجد أن هذه القوات، وبإقرار قياداتها ومن خلال متابعة الجزء اليسير من الفضائح التي تم الكشف عنها، كانت مسؤولة عن مقتل الآلاف بل مئات الآلاف من المواطنين العراقيين الأبرياء على اختلاف انتماءاتهم. فهذه الوثيقة دون أدنى شك لن تشكل رادعاً قانونياً أو معنوياً لنحو مائة وثمانين ألف جندي أجنبي موجودين على أرض العراق، ويتمتعون بالحصانة القانونية الكاملة من سلطة القوانين العراقية، وحتى من سلطة القوانين الدولية الخاصة بحالات الحرب أو التي من المفترض أن تحكم تصرفات القوات المحتلة.
والطرف الثاني المسؤول عن العنف وسفك الدماء في العراق هو قوات الجيش والشرطة العراقية التي تم إنشاؤها خلال العامين الماضيين، فهي أضعف من أن تقوم بدور فاعل ومؤثر في حفظ الأمن والنظام، وذلك لأسباب عديدة لا يتسع المجال للخوض فيها. وإذا كان يمكن تفهم أسباب استمرار ضعف الجيش والشرطة العراقيين، إلاّ أن هناك حقيقة مؤلمة تؤكدها تقارير عديدة، عراقية وغير عراقية، كما تدل عليها الشواهد على الأرض، وهى أن بعض تشكيلات الجيش والشرطة العراقيين قد تم اختراقها وبدرجة خطيرة من قبل مليشيات طائفية وعرقية متطرفة أو من قبل مجموعات إجرامية بدءاً من أعلى المستويات القيادية فيها نزولاً إلى عناصرها الميدانية. وهذه التشكيلات المخترقة أمنياً وسياسياً لا يعنيها مصلحة الوطن واستقراره أو أمن المواطن أو حرمة دمه. فمرجعياتها العليا تكمن في قيادات المليشيات وبعض القوى الطائفية أو العرقية المتعصبة التي لا تأتمر بأمر الدولة. ومن هنا، فإن المصالح الطائفية أو العرقية الضيقة هي التي تتحكم في سلوكيات هذا الجزء من عناصر القوات المسلحة في استباحة دماء المواطنين أو اعتقالهم العشوائي أو اختطافهم أو إرهابهم وتهجيرهم القسري. وهذه الجماعات التي تتصرف وفق برنامج سياسي محدد لا يمكن أن تكترث بما حدث في مكة المكرمة، ولن تعير أي اهتمام لوثيقة تحريم سفك الدماء وتحريم الاقتتال المذهبي. وإن لم يتم التعامل بصورة حازمة وجدية مع هذه العناصر التي لوثت بفكرها الطائفي المتزمت وسلوكياتها الوحشية القوات المسلحة وأجهزة الشرطة العراقية، فإن (الإرهاب المتستر بمؤسسات الدولة) سيستمر، وستبقى الدولة أو جزء مهم منها يتحمل مسؤولية مباشرة عن استمرار سفك دماء العراقيين الأبرياء. وهنا، يجب أن نذكر أن الحكومة العراقية قد اكتشفت مؤخراً، وبعد مرور ثلاث سنوات، وفي وحدتين أمنيتين فقط أن هناك ما يقارب ثلاثة آلاف من عناصر المليشيات (وهو مجموع عناصر الوحدتين) قد تم توظيفهم في صفوف قوات الشرطة العراقية وأنهم كانوا يستلمون أوامرهم من قيادات المليشيات، لذا تم اتخاذ القرار بالاستغناء عن خدماتهم أو نقلهم لمهمات أخرى. وهنا، لا يسع المرء إلاّ أن يتساءل عن حجم الاختراق الحقيقي وعن طبيعة العلاقة بين القوات المسلحة الجديدة وقيادات المليشيات؟
وفى ضوء استعراض موقف الطرفين السابقين، يتعين التمعن في موقف الطرف الثالث، وربما هو الأكثر أهمية، والمتمثل بالمليشيات الطائفية أو العرقية المسلحة وتحديد ردود أفعالها المحتملة على (وثيقة مكة). فعراق اليوم يمكن وصفه بحق، وبكل أسف، بأنه (دولة المليشيات). وانطلاقاً من هذه الحقيقة، فمن المرجح أن (وثيقة مكة) لن تكون ملزمة لهذه المليشيات لا قانونياً ولا أخلاقياً، ولا سيما أن تصعيد الاقتتال والتناحر الطائفي أو العرقي هو أساس إنشاء هذه المليشيات وأساس بقائها وازدهارها، ومن ثم فإن تبني وتصعيد هذا النوع من الصراع يشكل مهمتها الأساسية، فهذه المليشيات، في ظل غياب سلطة الدولة وهيبتها، لا تستمد (شرعيتها) من الدولة الغائبة، ولكنها صنعت (شرعيتها) في مطبخها الطائفي أو العرقي، وذلك عبر الادعاء بأنها تحمي وتدافع عن مصالح طائفة معينة أو قومية معينة في ظل ظروف انهيار الدولة ومؤسساتها. ومن هنا، فإن الورقة الطائفية أو العرقية تبقى مبرر وجودها وبقائها، ولذلك فهى لم تشارك، ولم ترغب في أن تشارك، في اجتماعات مكة، وبالتالي فهي ليست ملزمة بها لا من قريب ولا من بعيد. وعلى الرغم من كثرة حديث الحكومة العراقية عن حل الميلشيات فإن أجهزة الدولة ومؤسساتها لا تزال أضعف من أن تقوم بهذا الأمر، فحل الميلشيات يحتاج إلى دولة قوية تكون قادرة على فرض سيادتها وهيبتها عبر احتكار حق الاستخدم المشروع للعنف من ناحية، وتوفير ضمانات احترام حقوق مختلـِـف الأعراق والطوائف ضمن مفهوم واحد للمواطنة من ناحية أخرى، وكلا الأمرين لا وجود له على أرض الواقع.
فالمليشيات الكردية (قوات البشمركة) التي يُعتقـَـد أن عدد أفرادها يبلغ سبعين ألف مقاتل، والتي قامت ومنذ اليوم الأول بدعم القوات الأمريكية وتسهيل مهمة غزو البلاد واحتلالها، توظف اليوم عضلاتها في ممارسة وإنجاز مهمة (التنظيف العرقي) الخطرة والمبرمجة، والتي تسير قدماً في شمال وشمال شرق البلاد، تمهيداً لتحقيق الهدف القادم عاجلاً أو آجلا والمتمثل بإعلان الدولة الكردية المستقلة والعمل سريعاً على استغلال ظروف البلاد غير الطبيعية لتوسيع الرقعة الجغرافية لـ (الدولة المنتظرة)، وضمان مواردها النفطية، وذلك دون وجه حق أو أسس قانونية أو شرعية، ضاربة عرض الحائط بسلطة الدولة المركزية. وهذه المليشيات التي تتلقى أوامرها من عائلتين كرديتين فقط، هما عائلتا السيد البرزاني والسيد الطالباني، تقوم بعمليات عنف منظم حسب الحاجة لخدمة الهدف الأسمى سالف الذكر. ومن المفارقات أن القيادات الكردية تنفي عن تشكيلاتها المسلحة صفة المليشيات، وتؤكد أنها (قوات مسلحة رسمية). لذا، فإن (وثيقة مكة) لا تعني المليشيات الكردية، وهي ماضية، دون هوادة، في تنفيذ عملية (التطهير العرقي) التي جاءت بعد إنجاز عملية (التزوير الانتخابي) بهدف تغيير التركيبة السكانية للمناطق المختلطة قسراً وإرهاباً.
أما المليشيات التي تتسربل برداء المذهبية الشيعية فعددها كبير. وبعيداً عن مليشيات الأحزاب والجماعات الشيعية الصغيرة التي برزت مؤخراً على ساحة العنف الطائفي كمليشيات حزب الفضيلة أو عصابات (ثأر الله) و(انتقام الله) وما شاكلها، فإن هناك ثلاث مليشيات شيعية كبيرة تتمركز في معظم أرجاء البلاد وتتمثل بمليشيات فيلق بدر، والتنظيمات المسلحة لحزب الدعوة الإسلامي، ومليشيات جيش المهدي. فمليشيات فيلق بدر التابعة لعائلة السيد عبد العزيز الحكيم (وتمثل الجناح العسكري لتنظيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق)، أما التنظيمات المسلحة لحزب الدعوة الإسلامية، فقد تم تشكيلها في بداية الثمانينيات وبالتحديد مع تصاعد المواجهة العراقية ـ الإيرانية، ليس لخدمة مصالح الطائفة الشيعية في العراق بل لخدمة هدف انتشار الثورة الإيرانية، ثم لدعم المجهود العسكري والاستخباري الإيراني خلال أعوام الحرب مع العراق. وكان من الطبيعي أن ترتبط هذه المليشيات بصناعها وداعميها بصلات وروابط لا يمكن فصمها بسهولة. فعلى مدى سنوات طويلة، تجاوزت ربع قرن من الزمن، كانت المرجعية الأساسية لهذه المليشيات وقياداتها العسكرية والسياسية تتمثل بقيادات استخبارية إيرانية وقيادات قوات الحرس الثوري الإيراني. ومن يعُدْ إلى البيانات والبلاغات العسكرية الرسمية التي أصدرتها هذه التنظيمات العسكرية خلال سنوات الحرب، والتي تجاوز عددها المئات، يجدْ أن دعمها للمجهود الحربي الإيراني كان شغلها الشاغل.
أما مليشيات (جيش المهدي)، فقد ظهرت بعد فترة وجيزة من وقوع العراق تحت الاحتلال، وهى تتكون في أغلبيتها العظمى من مجموعة من الشباب قليلي الخبرة، والذين يتضخ من ممارساتهم أنه لا يعنيهم الدين ولا الطائفة. وكان غرض إنشاء هذه المليشيات أصلاً هو فرض سيطرة عائلة الصدر على (البيت الشيعي) في العراق، فاتُهمت أولاً بعملية التصفية الجسدية للمنافس المتوقع السيد عبد المجيد الخوئي ورفاقه والتمثيل بجثثهم في أكثر المواقع قدسية لدى الشيعة في مدينة النجف، ثم قامت بفرض حصار مسلح على مقر المرجعيات الشيعية التقليدية طوال أسابيع عدة، ومن ضمنها مقر إقامة المرجع الأعلى للطائفة آية الله العظمى السيد علي السيستاني. وكان هدف مليشيات الصدر هو توظيف الإرهاب لتأسيس قيادة السيد مقتدى الصدر وعائلة الصدر كممثل وحيد لمصالح الطائفة الشيعية، والحد من نفوذ العائلات الدينية الأخرى، ومن ثم السيطرة على زمام السلطة في الدولة. ومن الواضح ارتباط هذه بالمصالح الاستراتيجية العليا للدولة الإيرانية من ناحية، والمصالح الذاتية، السياسية والمادية، لهذه المليشيات والمتمثلة بفرض السيطرة على الدولة وخيراتها من ناحية أخرى، تمنعانها من القبول بمحتوى (وثيقة مكة). فالتخلي عن الورقة الطائفية سيعري هذه المليشيات من (شرعيتها)، فهي لا تملك شيئاً آخر يضمن استمرار وجودها ودورها وتأثيرها في التطورات السياسية في الدولة غير تصعيد التناحر والاقتتال المذهبـي.
ويقف على الطرف الآخر مجموعة ثالثة من المليشيات، وهي تتكون من عدد غير محدود من المجموعات المسلحة السنية التي برزت على الساحة بعد الاحتلال، والتي يساهم بعضها في إراقة الدم العراقي على الأسس المذهبية، كمثيلاتها من المليشيات الأخرى. وهذا الصنف من المليشيات يمكن تصنيفه إلى قسمين رئيسيين: المليشيات العراقية التي تدّعي (الشرعية) عبر مقاومتها للاحتلال الأمريكي وترى أن حق مقاومة الاحتلال حق شرعي تصونه القوانين الدولية، وتحاول التملص من مسؤولياتها عن الاقتتال المذهبي. والصنف الثاني يتمثل بمليشيات تنظيم القاعدة ومن يدعمها، والتي تجاهر علناً بمسؤوليتها عن إراقة دماء المواطنين العراقيين والقتل والإجرام بناءً على الانتماء الطائفي، فمجموعات تنظيم القاعدة بعناصرها العربية أو العراقية تجد في الاقتتال الطائفي شرعية لوجودها وتسعى جاهدة لدفع البلاد إلى أتون الحرب الأهلية، التي ستضمن موقعاً دائماً وآمناً لها على أرض العراق، وربما تعينها على إقامة دولتها العنصرية المتطرفة. لذا فإن (وثيقة مكة) لا تعنيها ولن تغير من سلوكها القائم على الإمعان في القتل على أساس الهوية الطائفية، وأكثر من هذا فهي تمارس العنف ضد كل من يقف في وجهها دون اعتبار للانتماء الطائفي. وإذا نظرنا إلى ادعاءات مليشيات الجماعات السنية المسلحة العاملة خارج إطار تنظيم القاعدة، بكونها غير مسؤولة عن عمليات القتل الطائفي، وأنها تمارس المقاومة ولا علاقة لها بالإرهاب، وأنها تحتفظ فقط بالمسؤولية عن قتل ما يزيد على ألفي عنصر من جنود الاحتلال، إلى جانب قتل (عملاء الاحتلال)، كما تصفهم هذه التنظيمات، من السياسيين المتعاونين وأعضاء الحكومة العراقية والعاملين في القوات المسلحة، نجد أن من الصعوبة إعفاء هذه المجموعات السنية العراقية المسلحة من مسؤولية القتل الطائفي، ومن مسؤولية حمام الدم الذي يغرق فيه العراق اليوم. فإذا كانت هذه المليشيات والجماعات المسلحة السنية حريصة حقاً على مستقبل البلاد ووحدتها وأمن المواطن واستقرار الوطن، فإن عليها واجباً ومهمة بالعمل والتدخل الجدي لإيقاف ممارسات تنظيم القاعدة وأعوانه التي تسعى إلى تعزيز الفرقة الطائفية واستباحة الأرواح والمقدسات من دون قيد ديني أو أخلاقي.
إن (وثيقة مكة) ببنودها العشرة تـُـعـَـد وثيقة للمبادئ الإسلامية العليا وسجلاً للقيم الأخلاقية والإنسانية التي قام على أساسها الدين الإسلامي الحنيف. وقد جاءت الوثيقة لتقول: إن العنف والقتل والاعتداء باسم الانتماء الطائفي أمور ليست من الإسلام في شيء. ولكن الواقع الميداني المؤلم في العراق يبدو بعيداً كل البعد عن هذه المبادئ. فالأطراف التي تمارس العنف اليوم على الساحة العراقية، بجميع مشاربها وأطيافها، لها أهدافها ومراميها الخاصة والمحددة، وعنصر الغيرة على الوطن والمواطن لا يدخل في حساباتها. كما أن لها مرجعياتها السياسية والدينية التي تمارس رسم السياسة بمعزل عن القيم العليا للدين الإسلامي أو محتوى (وثيقة مكة). فهذه المليشيات تعيش بنشوة وإغراءات السلطة من خلال ممارسة القوة والعنف بعيداً عن سلطة الدولة وسيادة القانون، بالإضافة إلى نشوة النفوذ السياسي وحتى الاعتراف الدولي، وتخطط كل منها إما لفرض السيطرة الكاملة على الدولة وخيراتها، أو الاستحواذ على جزء من الدولة لتأسيس دولتها الطائفية أو العرقية والتمتع بخيراتها. وإذا كان المتفائلون ينتظرون خيراً من إقرار (وثيقة مكة)، إلا أن المصالح على الأرض أقوى من الوثائق، وإن الواقع الميداني المرير والمرعب على أرض العراق هو الحقيقة. ومن هنا، فإن أمن واستقرار العراق ضرورة أساسية للأمن والاستقرار الإقليمي والخليجي بالذات، ولا يمكن النظر إلى أمن العراق بمعزل بعد الأمن الإقليمي، ولذا يتعين على جميع الأطراف الإقليمية والدولية الحرص على أمن واستقرار العراق، فدولة تُحكم من قبل المليشيات لن تكون إلا عبئاً وخطراً على جميع الدول المجاورة وعلى الأمن والاستقرار الدوليين.
ومن هذا المنطلق، فإن نزع سلاح المليشيات وتفكيك هيكليتها العسكرية والسياسية لا يمكن إنجازه من دون ترسيخ مؤسسات الدولة، وإعادة تشكيل القوات المسلحة العراقية لتصبح القوه الضاربة في وجه الذين عبثوا بأمن البلاد ووحدتها، فالأمن أهم من الديمقراطية، ولا ديمقراطية من دون أمن. على أن يتم دعم أي مجهود في هذا الاتجاه بقرار من مجلس الأمن الدولي يستند إلى الفصل السابع من الميثاق يطلب من جميع الدول الإقليمية الالتزام بقرار حل المليشيات ويلزمها، تحت طائلة العقوبات، بالتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق والتخلي عن دعمها واستغلالها لهذه المليشيات. فمن دون قوة جبارة تستمد شرعيتها من دورها في إنقاذ الوطن والمواطن من براثن المليشيات وتقوم على الأرض بحل ونزع سلاح هذه المليشيات وتصفية عناصرها، إذا دعت الضرورة، فلا أمل في بناء عراق موحد وآمن وديمقراطي

Articles

الحاجة إلى قرار من مجلس الأمن لإنهاء التدخل الخارجي في شـــــــــــــؤون العـراق

على الرغم من أن بغداد وطهران لم تكشفا عن التفاصيل الدقيقة للمباحثات التي أجراها القادة من البلـَـديـْـن في إيران بتاريخ الحادي عشر من سبتمبر، فإن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لم يترك مجالاً كبيراً للتساؤلات عندما قال: “إن رئيس الوزراء نوري المالكي قد رافقه خلال زيارته الأخيرة إلى طهران وفد متخصص في الشؤون الأمنية. لقد اصطحبوا ملفات، وكانت معهم معلومات وأدلة موثقة وطلبوا بصورة صريحة وضع حد للتدخلات الإيرانية في شؤون العراق الأمنية”.
وكان وزراء الداخلية في الدول الست المجاورة للعراق بالإضافة إلى مصر والبحرين قد عقدوا ثلاثة اجتماعات منذ إسقاط نظام صدام حسين، حيث التقوا في إيران في ديسمبر 2004، وتركيا في أغسطس 2005، والمملكة العربية السعودية في سبتمبر 2006. وركزت المباحثات التي جرت خلال هذه اللقاءات على اعتبار الوضع الأمني والسياسي في العراق “قضية أمن إقليمي” تعني جميع دول المنطقة وبالذات الدول المجاورة للعراق. لذلك فإن المحور الأساسي لهذه الاجتماعات كان فرض “مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق” إلى جانب تأكيد ضرورة الحفاظ على الاستقلال السياسي للعراق وسلامة أراضيه وحدوده الإقليمية ووحدته الوطنية. كما تمت مناقشة قضايا أخرى تتعلق بالتعاون المشترك في المجالات الأمنية التي تشمل تهريب السلع والأسلحة ومكافحة المخدرات ومنع تدفق الأموال الموجهة لتمويل الأنشطة الإرهابية. غير أن هذه الاجتماعات لم يتمخض عنها سوى القليل على صعيد الواقع الميداني على الأرض. وهذا الأمر يعود إلى طبيعة هذه الاجتماعات والصفة غير الملزمة لما يتمخض عنها من اتفاق أو تفاهمات، والتي تعتمد وبشكل أساسي على “مبدأ حسن النوايا”. فالقرارات التي تم التوصل إليها خلال هذه الاجتماعات ليست سوى تعبير عن التضامن، لأنها غير ملزمة من الناحية القانونية ولا تتبعها آليات محددة لمتابعة تنفيذها من الناحية العملية.
فقد كان من المقرر أن تقوم دول الجوار، خلال اجتماعها الأخير، بالتوقيع على برتوكول خاص ليحدد أسس تصرف دول الجوار تجاه الوضع في العراق، ولكن عملية التوقيع لم تـُـنـجـَـزْ لأسباب تتعلق بضرورة أخذ موافقة الحكومات المعنية. مع العلم أنه حتى لو تمت عملية الموافقة على البرتوكول ، فإن الحقيقة تبقى أن الإنجاز لا يعادل حجم وخطورة الأزمة العراقية وجدية وفداحة التدخلات الخارجية، لكون البرتوكول الذي كان من المفترض توقيعه يفتقر إلى الآلية التي تردع من يرغب في التدخل، وذلك بسبب افتقاده قوة الإلزام القانوني أو آلية عقوبات تـُـفـرَض على الأطراف التي تخالف تعهدات الوثيقة.
إن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق من قبل بعض الأطراف الإقليمية أمسى أحد المكونات الأساسية للأزمة العراقية. علاوة على ذلك، فهنالك اختلافات إيديولوجية وسياسية بين بعض جيران العراق والولايات المتحدة التي تـُـعـتـَـبـر الطرف الدولى الرئيسي المعني بضمان الأمن والاستقرار في العراق والمنطقة. وتساعد هذه الاختلافات على تشجيع هذه الدول على إشعال أي أزمة من شأنها التأثير سلباً على الولايات المتحدة وإعاقة مهمتها في المنطقة. وبينما يمكن تصنيف إيران وسوريا بأنهما من الدول التي ينطبق عليها هذا القول، فإن تركيا هي الأخرى مدفوعة في سياستها تجاه العراق بمصالحها الذاتية وباعتبارات إيديولوجية أكثر من أي شيء آخر. حيث أن القضية الكردية التي تواجه تركيا على الصعيد الداخلي وعلاقاتها مع العراق جعلت أنقرة أقل فاعلية على صعيد العمل الدبلوماسي في محيطها المجاور مقارنة بجهودها في مجال السعي لاكتساب عضوية الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن خطر قيام القوات التركية بعبور الحدود العراقية لمطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني يُعتـبـَـر حقيقياً، وقد يخلق حالة من الفوضى ويوسع دائرة عدم الاستقرار في المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الوضع قد يزداد حدة إذا ما تكثفت التحركات الكردية في اتجاه السعي لنيل استقلال الأكراد داخل العراق.
هنالك تاريخ طويل لسياسة التدخل التي تمارسها إيران في العراق. وتنبع أهداف طهران في التأثير بالتطورات الجارية في العراق من عدد من العوامل الاستراتيجية والثقافية والمصالح الدينية. وكان تاريخ علاقات البلـَـديـْـن قد اتسم بحالة من العداء والخصومة والتنافس المتواصل. وتشير الأدلة المبنية على أحداث وقعت مؤخراً إلى أن إيران قد قامت بتحريض جيش المهدي الذي يتزعمه مقتدى الصدر، وتسهيل حركة الجماعات المتطرفة مثل “أنصار الإسلام”، وقامت بدعم ثلاثة أطراف رئيسية في الائتلاف العراقي الموحد، وهي أطراف لديها صلات مع إيران، وهي على التوالي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وحزب الدعوة وحزب الدعوة الإسلامي ـ تنظيم العراق. وعلى الرغم من وجود القوات الأمريكية التي تحتل العراق، فإن سياسات التدخل الإيرانية لها تأثير كبير في مجمل التطورات الجارية في العراق حالياً.
ومع أن إيران قد نفت ممارسة أي نفوذ أو تأثير سلبي لها في العراق، فإنها ظلت تواجه اتهامات من عدد من الدول بمساعدة تدفق الأشخاص والأموال وتهريب الأسلحة، إلى جانب التدخل في الحياة السياسية العراقية.
وكان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قد ألقى كلمة أمام مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة في شهر سبتمبر 2005، وقال فيها “إن المسؤولين الإيرانيين يتدخلون في الحكومات العراقية… ويذهبون إلى المناطق التي تؤمّنها القوات الأمريكية ويدفعون أموالاً وينصـّـبون أناسهم … بل وينشئون قوات للشرطة الموالية لهم ويسلحون المليشيات هناك… ويعززون وجودهم في المنطقة (جنوب العراق) “.
ومع التسليم بكل الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها ـ وترتكبها ـ الولايات المتحدة الأمريكية في سياساتها تجاه العراق، فإن واشنطن لم تـُـخـْـفِ قلقها تجاه الدور الإيراني المتصاعد في الشؤون العراقية، بل إن إخفاقها في التعامل مع المسألة العراقية هو أهم العوامل التي خلقت ظروفاً مواتية للتدخل الإيراني. ولذلك فقد صرح الرئيس الأمريكي جورج بوش في الحادي والثلاثين من أغسطس الماضي قائلاً: “إن النظام الإيراني يتدخل في شؤون العراق عن طريق رعاية الإرهابيين والمقاومة، وتوفير الدعم للمليشيات الخارجة على القانون وتوفير المكونات اللازمة لتصنيع المتفجرات”.
وكان علي الدباغ، المتحدث باسم الحكومة العراقية متفقاً مع وجهة النظر هذه عندما قال قبل أسابيع قليلة: “إننا نريد تمرير رسالة إلى القادة الإيرانيين بأن العراق بحاجة إلى علاقات جيدة مع الدول المجاورة له، من دون أي تدخل في شؤوننا الداخلية… ونحن نعلم أن العنف في العراق تغذيه وتموله جهات أخرى، بعضها دول وبعضها الآخر مجموعات معينة… ونحن نريد من الدول المجاورة لنا أن تساهم معنا في منع مثل هذه الأشياء من الدخول إلى العراق”.
ومع تدهور الوضع الفعلي على الأرض في العراق، حيث قُتل نحو أربعة وأربعين ألفاً من العراقيين منذ عام 2003، بالإضافة إلى وجود أكثر من أربعة وثلاثين ألف معتقل قابعين في سجون قوات الاحتلال أو سجون الحكومة العراقية بتهم متعددة، أهمها تهمة “دعم أو ممارسة الأنشطة الإرهابية” وبينما يتجه العراق نحو الانزلاق في أتون حرب أهلية محتملة، يتزايد في الوقت نفسه قلق الدول المجاورة لهذا البلد، الذي تمزقه الحرب، بشأن الانعكاسات المحتملة لهذه الأوضاع على أراضيها. وهناك شعور شبه عام في أوساط معظم الحكومات في المنطقة مفاده أن معالجة مسألة النفوذ الإيراني في العراق هى من المفاتيح الرئيسية للانتقال من الوضع الراهن إلى التحسن المنشود. وبناءً عليه، فإن أفضل طرح بنـّـاء يمكن لإيران أن تقدمه في هذه المرحلة ليس تقديم المساعدة الفاعلة، بل التوقف تماماً عن تقديم أي مساعدة من أي نوع. إن الحل الأنسب والأكثر فاعلية الذي يحتاج إليه العراق الآن هو إنهاء التدخل الإيراني في شؤونه على الفور من ناحية، إلى جانب وضع جدول زمني معقول لخروج القوات الأجنبية من العراق من ناحية ثانية، فضلاً عن بناء توافق مستقر بين القوى العراقية الرئيسية على قاعدة مصالحة وطنية حقيقية وشاملة من ناحية ثالثة. ولا شك في أن وضع حد للتدخل الإيراني في شؤون العراق سوف يخلق ظروفاً مواتية لتحقيق الهدفين الآخرين.
وفي مثل هذا السيناريو، ينبغي التفكير في الكيفية التي يمكن أن تعمل بها الأسرة الدولية على تغيير مسار الأحداث، وذلك بمحاولة استنباط آلية لإجبار إيران على الابتعاد عن التدخل في شؤون العراق الداخلية. ويمكن أن يأخذ هذا الجهد صيغة قرار دولي برعاية الأمم المتحدة. ومن المعروف أن الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تحظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ما لم يصدر بذلك تفويض صريح من مجلس الأمن الدولي. وتنص هذه الفقرة على أنه “ليس في هذا الميثاق ما يسوغ “للأمم المتحدة” أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تخل بحكم هذا الميثاق…”.
وعلى الرغم من أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (2131) (20)، الذي صدر بعنوان “إعلان عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحماية استقلالها وسيادتها” ليس ملزماً قانونياً، فإنه نص صراحة على أنه “لا يحق لأي دولة أو مجموعة من الدول أن تتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لأي سبب كان، في الشؤون الداخلية والخارجية للدول الأخرى. وتبعاً لذلك، يجب على الدول الامتناع في علاقاتها الدولية عن التهديد باستعمال القوة وجميع أشكال التدخل الأخرى، كما يجب إدانة التهديدات الموجهة إلى كيان الدولة وعناصر نظامها السياسي والاقتصادي وهـُـويـتـهـا الثقافية”.
وبينما لا توجد سوابق واضحة لقرارات من الأمم المتحدة تعالج حالات تتطابق مع سيناريو الوضع القائم بين إيران والعراق، فقد كان هناك عدد من القرارات التي تدين الاحتلال والاعتداء على الغير، مثل إدانة الاحتلال العراقي لدولة الكويت أو الاعتداء من قبل يوغسلافيا الاتحادية على جمهورية البوسنة واحتلالها. وفي حالة أفغانستان، كان مشروع القرار الذي أدان تدخل الاتحاد السوفييتي السابق في هذا البلد وطالب بانسحاب القوات السوفييتية منه قد وُوجـِـه بالاعتراض من قبل السوفييت الذين صوّتوا ضده بالفيتو. وعلى الرغم من ذلك، فقد صدر قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1980 وأكد أن “احترام سيادة الدول وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي يُعتـَـبـر مبدأً أساسياً من مبادئ ميثاق الأمم المتحدة”. كما أدان القرار بشدة “التدخل العسكري في أفغانستان”، وناشد جميع الدول “الامتناع عن أي تدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدولة…”.
يمكن لأي قرار مقترح أن يستفيد من بعض عناصر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الصادر في عام 2004. فبينما يدعو هذا القرار لبنان إلى بسط سيادته على كامل أراضيه ويدعو “القوى الأجنبية” (في إشارة إلى سوريا) إلى الانسحاب من لبنان، فقد سعي أيضاً إلى وضع حد للتدخل في الشؤون السياسية الداخلية في لبنان. ومن المؤكد أن الشق الأخير من هذا القرار يُعتـبـَـر ملائماً وهو يصلح لمعالجة موضوع منع إيران من التدخل في شؤون العراق الداخلية.
لقد حان الوقت لكشف السرية التي كانت تغطي التدخلات التي كانت تقوم بها بعض الدول المجاورة في شؤون العراق الداخلية. وفي الوقت نفسه، ينبغي دعم الحكومة العراقية ومساعدتها بآلية محددة من قبل مجلس الأمن الدولي لإجبار إيران على تقديم جدول زمني منتظم يوضح بالتفصيل إجراءات فك الارتباط التي تتخذها في هذا الخصوص. ويبدو أنه مع اضمحلال الآمال في إمكانية التوصل إلى عراق قوي وموحد في خضم العنف والاضطرابات الطائفية التي تزداد سوءاً كل يوم، فإن الخطة العملية الوحيدة التي يُرجـَّـح أن تضغط على إيران لكي تخفف من تصعيدها وتكف عن تدخلاتها في شؤون العراق هي إصدار قرار من الأمم المتحدة في الوقت المناسب وتنفيذه بصورة فاعلة.
لذا، فإنه من دون قيام مجلس الأمن الدولي بتبني قرار حازم وصريح، ربما يستند إلى الفصل السابع من ميثاق المنظمة الذي يضمن عنصر الإلزام في التنفيذ، لحظر التدخل في الشؤون الداخلية للعراق وإجبار الدول المجاورة على احترام سيادة ووحدة أراضي الدولة فإن جهود الدول الإقليمية الحريصة على مستقبل العراق ستذهب سدى أمام عجز اجتماعات دول الجوار الجغرافي عن فرض “مبدأ عدم التدخل”. فالنوايا الحسنة لا يبدو لها مكان أمام بريق المصالح الذاتية لبعض الأطراف الإقليمية التي تقول ما لا تعمل وتعـِـد بما لا تنفذ. ومثل هذا القرار يمكن أن يكون له مصداقية أكبر في حال اقترانه بمبادرة أمريكية تطرح جدولاً زمنياً محدداً لانسحاب القوات الأجنبية من العراق في ظل تعزيز عملية بناء الجيش والشرطة العراقيين، ومواصلة جهود بناء التوافق الداخلي في العراق، فضلاً عن تفعيل عملية إعادة الإعمار. وفي هذا السياق، فإن وقف التدخل الإيراني في الشؤون العراقية هو شرط ضروري لمعالجة الأزمة العراقية، لكنه ليس كافياً.

Facebook
Twitter
YouTube
LinkedIn
Scroll to Top