Author name: Soliman M

Articles

خلاف لا يمكن أن يســـــتمر

بصفتي أحد مواطني مجلس التعاون الخليجي أجد نفسي مغموراً بمشاعر الإحباط العميق لما آل إليه الخلاف الذي نشأ عن اعتراض المملكة العربية السعودية على اتفاق التجارة الحرة الذي عقدته المنامة مع واشنطن، خصوصاً أن هذا الخلاف، يهدد بنسف مستقبل عملية التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي. ولعل استئثار ملف الخلاف السعودي – البحريني بالجزء الأكبر من جلسات المناقشات خلال قمة المنامة، يعكس بشكل جلي وملموس مدى حدة الأزمة وجديتها، الأمر الذي يثير تساؤلات عدة حول مستقبل مجلس التعاون الخليجي ذاته.
لا بد لي أن أشير في هذا المقام إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي، تبنت منذ فترة ليست بالقصيرة فكرة بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في دلالاتها، وتتمحور هذه الفكرة بشكل أساسي حول اقتناع دول مجلس التعاون الخليجي بأن عملية تعزيز أواصر التعاون فيما بينها، وبمساعدة مجموعة من الشركاء الرئيسيين، توفر فرصة لتحقيق أهدافها الجماعية على المديين القصير والبعيد.
وليس مستغرباً أن تتطلع شعوب دول مجلس التعاون الخليجي بعد انقضاء ما يزيد على ثلاثة وعشرين عاماً من عمر مجلس التعاون ونجاحه في تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية والأمنية الجماعية، ليس إلى استمرار المجلس فقط، بل أيضاً إلى ضرورة أن يتجاوز المجلس الأسباب الأولية التي ساهمت في إنشائه، والعمل على دعم وضمان المسار التنموي والتكاملي في المنطقة، خصوصاً أن هذا الكيان أصبح حقاً مكتسباً لشعوب المنطقة، ولا يجوز لأحد التفريط فيه مهما كانت الأسباب.
من الواضح أن الخلاف السعودي – البحريني حول إبرام البحرين بشكل منفرد اتفاق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، يصب في خانة المصالح الأمريكية. فالولايات المتحدة ظلت تمثل، ولعقود طويلة، قوة رئيسية في منطقة الخليج تحت شعار “حماية الأمن الإقليمي”. ومن خلال تضخيمها لمصادر التهديدات الأمنية المحدقة بالمنطقة، نجحت الولايات المتحدة في ترسيخ موقعها كقوة مطلقة النفوذ، وأصبحت تتدخل في جميع شؤون المنطقة بلا استثناء إلى حد أصبح معه من الصعب الوقوف في وجه المصالح الأمريكية أو حتى الاعتراض على إملاءاتها.
وفي الحقيقة، إن الاتفاق البحريني – الأمريكي، يجسد نموذجاً كلاسيكياً للنهج الذي طالما تبنته الإدارات الأمريكية المتعاقبة في مفاوضاتها مع الدول الأخرى، إذ إن الولايات المتحدة كانت، ولا تزال، تفضل التفاوض المنفرد مع دول بعينها، ولا تحبذ التفاوض مع كتلة إقليمية أو منظومة تضم مجموعة من الدول. فالولايات المتحدة تدرك تمام الإدراك، أن التفاوض ضمن الإطار الثنائي يمنحها قوة تفاوضية هائلة على عكس ما يمكن أن تحصل عليه دول مجلس التعاون من منافع وشروط تفضيلية في حال تفاوضها بشكل جماعي.
لكننا، اليوم، نجد أنفسنا أمام واقع قائم. فالبحرين والولايات المتحدة أبرمتا اتفاقاً للتبادل التجاري الحر في سبتمبر من عام 2004. وقد دفع التراشق الكلامي بين الرياض والمنامة ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير عبد الله بن عبد العزيز إلى الاعتذار عن عدم المشاركة في قمة المنامة. لهذه الأسباب، لا بد من إيجاد حل لهذه الأزمة لما فيه مصلحة جميع الأطراف المعنية وبما يخدم مصالح مجلس التعاون الخليجي نفسه. ولعل بودار الخلاف بين السعودية والكويت بشأن تأخير عبور المنتجات والسلع السعودية عبر الحدود المشتركة، يؤجِّج مشاعر القلق في المنطقة. وفي ظل التطورات الراهنة، ومن أجل إيجاد مخرج من الأزمة القائمة، فإنه ليس ثمة من خيار سوى تبني مبدأ إدارة الأزمة بكل تعقل وروية وتفعيل آلية احتواء الأضرار.
فمملكة البحرين، تؤكد أن وزراء الاقتصاد والمالية الممثلين للدول الخمس الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي (باستثناء المملكة العربية السعودية) توصلوا إلى اتفاق خلال قمة المنامة التي عُقدت في ديسمبر من عام 2004، يقضي بأن الاتفاقيات التجارية بين الدول الأعضاء في المجلس والولايات المتحدة تمثل “استثناءً بسبب الرفض الأمريكي لمفهوم التفاوض الجماعي”.

وبالتالي، فإن تخلّي السعودية عن تحفظاتها إزاء الاتفاق البحرين – الأمريكي أو حتى فرض السعودية تعرفة جمركية تبلغ نسبتها خمسة في المائة على السلع الأمريكية المُعاد تصديرها من البحرين، لا يمثل الحل الوحيد في الوقت الراهن. وباعتبار أن الاتفاق قد تم إبرامه بشكل نهائي، ومن المتوقع أن يحظى بسهولة بموافقة الكونغرس الأمريكي، فإنه يتعين على البرلمان البحريني المصادقة عليه في جلسته المرتقب عقدها في أواخر يناير 2005. وكذلك يتحتم على دول مجلس التعاون الخليجي هي الأخرى، مطالبة البحرين بضرورة الالتزام بعدم تفعيل بنود اتفاق التجارة الحرة، قبل أن تستكمل جميع دول مجلس التعاون عقد اتفاقيات مماثلة مع الولايات المتحدة. بالموازاة مع ذلك، يمكن للبحرين حماية مصالحها الخاصة من خلال طرح بند إلزامي مضاد، يشترط ضرورة الانتهاء من المفاوضات لإبرام اتفاقيات التجارة الحرة بين بقية دول مجلس التعاون والولايات المتحدة خلال فترة زمنية لا تتعدى ثلاث سنوات، على أساس أنه، في حال لم يتم الانتهاء من عقد الاتفاقيات في الوقت المحدد، يحق للبحرين المضي قدماً في تنفيذ اتفاقياتها مع واشنطن.
وفي سياق مثل هذا التفاهم، يمكن للمملكة العربية السعودية إلغاء القرار الذي اتخذته في يوليو من عام 2004 بتأجيل تدفق النفط السعودي إلى مملكة البحرين، والذي يصل حجمه إلى خمسين ألف برميل من النفط يومياً، وذلك في انتظار استكمال المحادثات بخصوص تقاسم إنتاج حقل أبو سعفة البحري بين السعودية والبحرين.
ولا شك في أن من شأن هذه الصيغة التوافقية، أن تعيدنا إلى الهدف المنشود المتمثل في إبرام دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقيات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة ضمن إطار جماعي، كما هي الحال مع كل من الاتحاد الأوروبي والصين والأردن ولبنان.
على جانب آخر، يبدو أن الخلاف القائم حول اتفاق التجارة الحرة بين البحرين والولايات المتحدة ربما يسهم في تباطؤ وتيرة المحادثات الرامية إلى التوقيع على اتفاقيات للتجارة الحرة بين بقية دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة. وباعتبار أن الأوضاع على الساحة الإقليمية شهدت جملة من التطورات المستجدة، وأن بعض الاختلاف في الرأي يطفو على السطح على غير ما كان معتاداً في الماضي، فقد آن الأوان أن تقوم دول المجلس بإعادة إحياء وتفعيل التوصيات والمبادئ التي ما انفكت تدعو إلى ضرورة تفعيل روح العمل الجماعي.
ومن وجهة نظرنا، فإن مملكة البحرين ستدرك أن المزيد من التنسيق مع الدول المجاورة لا يمكنه سوى الإفضاء إلى نتائج مماثلة، إن لم تكن أفضل بكثير، خصوصاً في ما يتعلق بقطاع التبادل التجاري، وذلك من خلال تدعيم الوحدة الجماعية. فقطاع الألبسة والمنسوجات في البحرين، على سبيل المثال، يمثل ما يربو على ستين في المائة من إجمالي صادراتها نحو السوق الأمريكية ويسهم بأكثر من ثلاثة في المائة في إجمالي الناتج الصناعي المحلي. غير أن هذا القطاع يواجه الآن أزمة متفاقمة، ومن الممكن أن يحقق هذا القطاع أرباحاً طائلة حتى في أسواق الدول المجاورة عن طريق التعاون والتنسيق.
وانطلاقاً من واقع أن حجم التجارة البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي تضاعف خلال الأعوام الاثني عشر الماضية من 7،53 مليار دولار أمريكي في عام 1990 إلى 15.14 مليار دولار أمريكي خلال عام 2002. وباعتبار أن اتفاق إقامة منطقة عربية للتجارة الحرة، دخل حيز التنفيذ في الأول من يناير 2005، فإن هناك ما يكفي من الأسباب التي تدعو إلى التفاؤل بخصوص قيام فرص لتحقيق نمو اقتصادي حقيقي على الصعيد الإقليمي الجماعي.

Articles

بوش في ولايته الثانية: نحو أجندة خليجية – أمريكية مشتركة

من المؤكد أن فوز الرئيس بوش بولاية ثانية سوف تكون له انعكاساته على السياسة الأمريكية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وفي ما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه منطقة الخليج وعلاقات واشنطن مع دول مجلس التعاون الخليجي، فإننا في مركز الخليج للأبحاث ندعو إلى العمل من أجل تطوير وتشجيع برنامج عمل مشترك يسمح بمعالجة الكثير من القضايا الملحة التي تواجه المنطقة، وذلك في إطار قناعتنا الراسخة بأنه من الممكن تطوير المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول منطقة الخليج بما يعود بالفائدة على الطرفين ويحقق مصالحهما.
ونظراً لأن منطقة الخليج تقف أمام منعطف تاريخي حاسم، فمن المؤكد أن القرارات والسياسات التي سيتم اتخاذها خلال السنوات الأربع المقبلة ستكون لها تأثيرات وانعكاسات ربما تستمر لعقود من الزمن. ومن هنا، فإنه من البديهي أن تسعى كل من الولايات المتحدة ودول منطقة الخليج إلى بذل جهود حثيثة من أجل التوصل إلى فهم مشترك حول القضايا المهمة التي تواجه المنطقة على النحو الذي يسهم في تعزيز حالة الأمن والاستقرار في منطقة الخليج. ويحدونا الأمل في أن الحوار البـنّـاء سيؤدي إلى التوصل إلى حلول دائمة لجميع المشكلات والعقبات. ومن أجل المساعدة على إنجاز هذه المهمة الحيوية، يود مركز الخليج للأبحاث أن يطرح تصوراته حول مختـلِـف القضايا الأساسية في المنطقة، وإمكانات العمل المشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الخليجية بشأن كل منها. ونعتقد أن هذه التصورات تعكس وجهة نظر الأغلبية العظمى من شعوب دول منطقة الخليج.
تشكل الحاجة إلى الإصلاحات السياسية المحور الأساسي لأي أجندة مستقبلية في دول منطقة الخليج. وفي هذا الإطار، لا بد من القول: إنه قد تم تحقيق بعض الإنجازات في هذا المجال خلال العقد الماضي،كان من أهمها: تنفيذ بعض الإصلاحات الدستورية، وتوسيع عملية المشاركة السياسية، وتدعيم الحوار الوطني الداخلي، وانتظام بعض الدول في إجراء انتخابات محلية وبرلمانية، كما أن المطالبة بتعزيز العمل بمبدأ الشفافية والمساءلة أصبحت من الأمور التي بدأت تأخذ حيزاً واسعاً من النقاش الدائر بين مختلِف الجهات. وإن كانت عملية الإصلاح قد بدأت بالفعل، فإنها بحاجة إلى أن تستمر بشكل أقوى وأن تستند إلى مبادرات داخلية ودعم خارجي حتى يتسنى إرساء أسس الشرعية الدستورية. وليس هناك من شيء يلحق الضرر بالعملية الإصلاحية أكثر من أن تبدو في نظر الشعوب وكأنها نتيجة لضغوط وتدخلات أجنبية أو تفرضها أجندة خارجية، حيث إن مثل هذا الانطباع سيؤدي إلى حالة من رفض الإصلاح من قبل الأوساط الشعبية والحكومية. ومن هنا، نؤكد بوضوح أن الإصلاح هو بالأساس عملية داخلية، تحظى فيها العوامل الخارجية بدور المساند في أحسن الأحوال، مع مراعاة أنه ليس هناك من صيغة واحدة للإصلاح تناسب ظروف جميع الدول المعنية في المنطقة.لقد شهد الوضع الحالي تعقيدات كبيرة، لأن المبادرة الأمريكية الخاصة بالإصلاح السياسي ونشر الديمقراطية في العالم العربي تفتقر إلى المصداقية وإلى ثقة وتأييد الشعوب العربية. وهناك كثير من الأسباب التي تقف وراء ذلك، من بينها السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية لعقود تجاه ملف الديمقراطية في المنطقة، إذ فضلت دوماً الاهتمام بالاستقرار على حساب الإصلاح السياسي والديمقراطي، مما جعلها تدعم نظماً تسلطية، متجاهلة مصالح وحقوق الشعوب في الحرية والمشاركة السياسية. كما أن الطريقة التي تعاملت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع القضايا العربية والإسلامية، خصوصاً الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والذي تشكل القضية الفلسطينية جوهره وقطب رحاه قد أثرت كثيراً في مصداقية واشنطن في المنطقة. وبالتالي، فإن أي جهود أو مساعٍ إضافية تقوم بها الولايات المتحدة باتجاه حل هذه القضايا ستؤدي إلى استعادة مصداقيتها في أوساط الشعوب العربية. ومن المهم أن تتركز الجهود الأمريكية في الجوانب التي يمكن أن تظهر فيها آثارها الإيجابية بشكل واضح، بحيث تشكل إسهاماً حقيقياً في تعزيز جهود التنمية والإصلاح في الدول الخليجية. لا شك في أن منطقة الخليج بحاجة إلى الولايات المتحدة، ولكن في نطاق الشراكة الإيجابية والعادلة. ومن هنا، يدعو المركز الإدارة الأمريكية إلى ضرورة مضاعفة جهودها من أجل تشجيع المجتمع المدني في دول المجلس، ودعم أنشطة الإصلاحيين السياسيين والاجتماعيين، إضافة إلى دفع جهود محاربة الفساد السياسي والاقتصادي.
من المؤكد أن الإرهاب مشكلة عالمية، حيث يؤدي إلى زعزعة الاستقرار ويقوض فرص التعايش السلمي بين الشعوب. وخلال السنوات القليلة الماضية، كانت المؤسسات الحكومية إضافة إلى أعداد من المواطنين الأبرياء من ضحايا الأنشطة الإرهابية. ومن هذا المنطلق، فإن مركز الخليج للأبحاث يدين بشكل واضح الإرهاب بجميع صوره وأشكاله. وفي الوقت ذاته، نرى أن ظاهرة الإرهاب لا يمكن أن تنفصل عن الإطار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي تبرز فيه. وعليه، فإنه لا بد من القول إن المواجهة الجدية للإرهاب لا يمكن أن تتحقق إلا بالتوصل إلى آلية مقبولة لتعريف الإرهاب، والتفريق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال من ناحية، فضلاً عن اتخاذ السياسات والإجراءات الفاعلة التي من شأنها معالجة الجذور العميقة للإرهاب من ناحية أخرى، أي من الضروري العمل بجدية من أجل معالجة أسباب الإرهاب بدلاً من التعامل فقط مع النتائج والمخرجات والأحداث. وفي هذا السياق، تبقى هناك مساحة واسعة للعمل المشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول المجلس من أجل مكافحة الإرهاب شريطة أن يستند ذلك إلى مبادئ احترام سيادة دول المنطقة، واحترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، فضلاً عن تجنب الأمور التي من شأنها الإضرار بتماسك النسيج الاجتماعي في دول المنطقة.
إذا ما استمرت الأوضاع الداخلية في العراق على ما هي عليه الآن، وإذا ما استمرت حالة عدم الاستقرار وغياب القانون السمة الرئيسية التي تميز الحياة في البلاد، فإن ذلك سيلقي بثقله وآثاره الخطيرة على دول المنطقة كافة. وبالمثل، فإن فرض حلول قصيرة الأمد لمواجهة التحديات الحالية الخطيرة لن يساعد على حل المعضلات والخلافات والمشكلات الهيكلية التي تراكمت عبر الزمن. ومن هنا، لا بد من القول: إن عملية بناء نظام ديمقراطي شرعي في العراق هي في الأساس عملية بعيدة الأمد وتحتاج إلى وقت طويل، حتى مع افتراض تحقيق نجاح فعلي في مجال إعادة الأمن والاستقرار للبلاد، وذلك نظراً لأن الأسس التي تستند إليها عملية التحول الديمقراطي في العراق ضعيفة للغاية، إن لم تكن غائبة تماماً. ومن أجل التغلب على المعضلات والمشكلات التي تواجه العراق، فإنه يتعين ألاّ يُترك العراق وحيداً، وفي الوقت نفسه، يجب ألاّ يُترك أمر تحديد مستقبله ومصيره رهين إرادة قوة احتلال مستبدة، مما يتطلب تبني نهج جديد في التعامل مع عراق ما بعد صدام حسين.
ونحن في مركز الخليج للأبحاث نرى ضرورة أن تعلن الإدارة الأمريكية عن نواياها في العراق صراحة، وأن تضع جدولاً زمنياً محدداً لما تريد أن تفعله هناك. كما يجب عليها أيضاً أن تخصص جزءاً هاماً من برنامج عملها من أجل دعم الجهود التي تهدف إلى إعادة بناء المجتمع العراقي. ونعتقد أن النموذج الأمثل الذي يجب أن تقوم عليه عملية إعادة بناء العراق هو نموذج خطة مارشال التي تم اعتمادها لإعادة بناء أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والذي نجح بالفعل في بناء الديمقراطية وترسيخ الاستقرار في دول أوروبا الغربية. ومن الضروري أن يتم تخطيط وتنفيذ مثل هذه الاستراتيجية بالتعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي والمجتمع الدولي، وذلك من أجل ضمان تأسيس نظام حكم رشيد وفاعل في العراق، على ألاّ تُستبعد من المشاركة فيه أي فئة مجتمعية أو دينية أو أي أقلية عرقية، أو أن يتم حرمانها من ممارسة حقوقها والاستفادة من مقدرات البلاد وثرواتها بشكل عادل. ومن المناسب بحث إمكانية ومتطلبات قيام دول مجلس التعاون الخليجي بالمشاركة بقوات تنضوي تحت لواء المجلس وتعمل ضمن إطار قوة سلام عربية شاملة في العراق. ومن المؤكد أن عناصر الدين والثقافة المشتركة بين أفراد هذه القوة وأفراد المجتمع العراقي من شأنها عدم إثارة حساسية العراقيين كما يفعل الوجود الأجنبي، وسيكون وجودها أكثر قبولاً من المجتمع العراقي ومخرجاً سياسياً مناسباً للحكومة العراقية أيضاً، وبالتالي فإن ذلك سيساعد على تعزيز فرص بناء الوفاق الوطني بين جميع شرائح وفئات المجتمع العراقي.
إن مركز الخليج للأبحاث على قناعة تامة بأنه لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الخليج من دون إشراك إيران بشكل كامل في مختلِف الأطر والترتيبات الأمنية الخاصة بالمنطقة. ومن المؤكد أن إصرار إيران على بناء ترسانة عسكرية ونووية قوية يُعزى في جانب منه إلى مخاوفها الأمنية. لذلك، فإن أي جهود تنصب في إطار السعي نحو تحقيق الاستقرار في منطقة الخليج يجب أن تضم إيران بدلاً من استبعادها. ويمكن استثمار الاتفاق الإيراني ـ الأوروبي الخاص بتعليق تخصيب اليورانيوم في إيران مقابل التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بين إيران وأروربا وتشجيع هذه الخطوة والبناء عليها لكسب ثقة إيران لإرساء أسس أمن دائمة في منطقة الخليج. ويمكن تخفيف الكثير من مخاوف الإيرانيين أو القضاء عليها نهائياً عبر تسويات سلمية. ومن أجل إقناع إيران بأن مستقبلها يعتمد على استقرار منطقة الخليج، لا بد للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من لعب دور قوي ومؤثر من خلال التركيز على بناء جسور الثقة مع الجانب الإيراني، الأمر الذي سيساعد في نهاية المطاف على التوصل إلى إعلان منطقة الخليج منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وهو أمر يمهد بدوره للدخول في مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة في دول المنطقة كافة. وما يبرر الدعوة إلى مثل هذا الطرح هو وجود علاقة مباشرة بين مسألة تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة من جهة، وجعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل من جهة أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يعزز دعائم الاستقرار في المنطقة ويرسخ مبادئ التفاهم والثقة المتبادلة بين سائر الأطراف.
كما يدعو مركز الخليج للأبحاث أيضاً إلى ضرورة اتباع برنامج عملي يساعد على تعزيز الروابط الثقافية والاقتصادية بين جميع الدول والمجتمعات في منطقة الخليج، الأمر الذي سيشكل عنصراً مهماً في تسوية أي نزاعات أو خلافات سياسية أو عسكرية قد تنشأ في المستقبل. ومن الواضح أن دول مجلس التعاون الخليجي تتقاسم مع الولايات المتحدة العديد من المخاوف والاهتمامات في ما يخص مستقبل الوضع السياسي في إيران. لكن انتهاج سياسة تقوم على ترجيح كفة العصا على الجزرة تُجاه إيران يُـعـد أمراً محفوفاً بالمخاطر والأضرار أكثر مما له من فوائد ومنافع. ومن هذا المنطلق، يدعو مركز الخليج للأبحاث الولايات المتحدة إلى تبني أساليب وسياسات جديدة تُجاه إيران تقوم على العمل بشكل لصيق مع دول الاتحاد الأوروبي من أجل تطوير منهجية مشتركة والانضمام بالتالي إلى جهود دول مجلس التعاون الخليجي من أجل تحقيق الاستقرار والأمن في منطقة الخليج.
لقد ارتفعت أسعار النفط إلى معدلات قياسية، الأمر الذي يؤكد قوة أسواق النفط العالمية. ومن الجدير بالذكر أن التطورات الأخيرة لا تعكس مجرد ارتفاع مؤقت في الأسعار جاء بسبب نقص قصير الأجل في الإمدادات، ولكنه تعبير عن تغيير جوهري في أنماط العرض والطلب ترافق مع منافسة متزايدة بين صادرات النفط من آسيا والقدرات الإنتاجية التي وصلت إلى ذروتها في الدول الأعضاء في منظمة أوبك. وفي الوقت نفسه، يمكن القول: إن الزيادة على الطلب طرأت إلى حد ما بسبب تراجع قيمة الدولار الأمريكي، ومعدلات التضخم العالمية، لذلك فإن الأوضاع الحالية لا بد أن توضع في إطارها الصحيح.
إن الفوائد التي ستجنيها دول مجلس التعاون على المدى القصير تبدو واضحة: فالدول الأعضاء في المجلس بادرت إلى إعادة التوازن إلى ميزانياتها العامة، وتدعيم الاحتياطي من العملات الأجنبية، وتسديد الديون، وزيادة الاستثمارات الحكومية والخاصة. كل ذلك يُعتبر تطورات جيدة بالنسبة للمنطقة، لأن الازدهار والتنمية الاقتصادية يؤديان مباشرة إلى مزيد من الاستقرار السياسي وإلى التراجع في معدلات التوتر الإقليمي. إلا أن هناك سلبيات لأسعار النفط المرتفعة، حيث يمكن أن تؤدي إلى تمكين أصحاب القرار في دول المجلس من تأجيل أو إرجاء الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها، والتي تُعتبر ضرورية، من أجل تأمين المزيد من الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة في المستقبل بمعزل عن تذبذب أسعار النفط.
ينظر مركز الخليج للأبحاث إلى قضية النفط باعتبارها وجهين لعملة واحدة، حيث يتعين أن يعمل المنتجون والمستهلكون معاً للتوصل إلى إيجاد آلية عادلة للإنتاج والتسويق والتسعير وحماية البيئة. وبالقدر الذي لا تزال معه دول مجلس التعاون تعتمد نسبياً على عوائد النفط، فإنها تعتمد أيضاً على الاقتصاد الأمريكي ليدفع باتجاه تحقيق معدلات نمو اقتصادية، ورفع معدلات الطلب على النفط في المستقبل. وفي الوقت نفسه، فإن الدول الخليجية، التي تحتوي مجتمعة على نحو 65% من احتياطات النفط المؤكدة في العالم، تمثل أهمية استراتيجية لأمن الطاقة الأمريكي. وبإيجاز، فإن العلاقات بين دول المجلس والولايات المتحدة هي علاقات إيجابية بصفة عامة، ومن المهم أن يعمل الجانبان على استمرار الحوار الذي يحقق مصالحهما ويعود بالفائدة على الجميع.
في حال عدم توفر الجهود المنسقة التي تهدف إلى تنفيذ الإجراءات التي سبق ذكرها، فإن من المحتمل أن تتحول التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجهها منطقة الخليج إلى أزمة خانقة، وعندئذ لن تستطيع واشنطن أن تعزل نفسها عن تأثيراتها السلبية.

وفي ظل الظروف الراهنة، هناك حاجة ماسة إلى تسريع خطى الإصلاح في منطقة الخليج، وذلك من أجل تعزيز التقارب بين جميع دول المنطقة، وتوفير الأمن والاستقرار لهذه المجتمعات، وذلك كمحاولة جادة لتجنب التداعيات السلبية التي قد تنشأ من المشاكل القائمة.
إن الذين يؤيدون التوجهات سالفة الذكر، من المنطقة والعالم، يجمعون على مدى خطورة الوضع القائم، وكذلك على ضرورة انتهاج سياسات مناسبة تصب في اتجاه تحقيق التوجهات المذكورة، مما سيعزز بكل تأكيد من شرعية الأنظمة الحاكمة، ويكرس الاستقرار السياسي والاجتماعي، الأمر الذي سينعكس إيجابياً على المجتمع الدولي.والأهم من ذلك كله هو أن الوضع في منطقة الخليج الآن كما في المستقبل يتطلب حواراً حول السياسات المناسبة التي يمكن الاتفاق عليها بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون كشريكين كاملين في تقرير مصير إحدى أكثر المناطق أهمية في العالم.* الكاتب رئيس مركز الخليج للأبحاث

http://www.alarabiya.net/views/2004/11/19/8033.html

Articles

خطاب إعـلامي يرقى إلى مستوى التحديات

منذ خروج الولايات المتحدة من عزلتها الدولية الاختيارية خلال الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم، برزت ظاهرة غريبة سادت العقلية الأمريكية الرسمية منها والشعبية، وهي آخذة بالتصاعد. ألا وهي ظاهرة افتعال الحاجة الملحة، من فترة لأخرى، إلى عدو خارجي تختزل فيه، ومن خلاله، مشاكل أمريكا وربما مشاكل ومصائب العالم بأسره. ويلاحظ أن عملية «شخصنة العدو» قد تستمر لسنوات حتى يتم تبديله لسبب ما بعدو جديد يتمثل بشخص محدد أو دولة أخرى تتحول إلى محور التركيز الرسمي والشعبي الأمريكي القائل بوجوب محاربته كأولوية في السياسة الخارجية للدولة. وقد يكون السبب وراء ذلك هو حاجة المجتمع الأمريكي لعدو حتى وإن كان موهوماً بهدف زيادة الإحساس بالهوية الوطنية والتماسك المجتمعي المهدد بالتفكك.
وقد مثل انهيار الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية معضلة للسياسات الأمريكية التي وجدت نفسها في لحظة ما تتربع على عرش النظام الدولي، وحدها من دون خصوم أنداد. فكان أن افتعلت وسائل الإعلام الأمريكي ما أصبح يعرف بـ «الإسلام فوبيا» أو «الخطر الأخضر» كناية عن الإسلام، لتستبدل به «الخطر الأحمر» الذي كان يرمز للاتحاد السوفييتي أو «إمبراطورية الشر» كما كان يسميها ريغان.
خلال السنوات الثلاث الماضية، احتلت المملكة العربية السعودية شعباً وحكومة موقعاً متصدراً على قائمة الأعداء المشخصين كخطر على الأمن والمصالح الأمريكية. فمنذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، بدأت حملة واسعة لتصوير المملكة باعتبارها «عدواً أساسياً» للدولة والمجتمع الأمريكيين. فبمجرد ما شاع من مشاركة خمسة عشر سعودياً في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وجه الأمريكيون أصابع الاتهام إلى المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً على حد سواء، في حين أنه بعد ما ثبت من أعمال التعذيب في سجن أبوغريب على أيدي القوات الأمريكية المعتمدة من جهات رسمية، ادعت الإدارة في واشنطن أن ذلك لم يكن سوى تصرف أفراد. من هذا المنطلق قامت الحملة المعادية على افتراضات وأسس خطيرة ومغلوطة منذ البدء، ترى خطأً أن القائمين على عملية الاعتداءات يمثلون شريحة واسعة من المجتمع السعودي وأنهم يتمتعون بدعم وإسناد الدولة والعائلة المالكة. في حين أنهم في حقيقة الأمر عناصر خارجة عن مبادئ وقيم المجتمع السعودي.
وقامت جهات محددة في الولايات المتحدة معروفة بعدائها التقليدي لكل ما هو عربي أو مسلم باستغلال الحدث، وتحويله إلى حرب إعلامية وسياسية مفتوحة ضد المملكة وشعبها. وكانت هذه القوى، وبالذات جماعات الضغط من اللوبي الصهيوني ـ الإسرائيلي المتحالف مع اليمين المسيحي المتطرف، والتي تضم في طياتها فئات عديدة تمثل مصالح مختلفة اجتمعت على هدف واحد، هو وجود مصلحة مشتركة بتشخيص المملكة كعدو أول. ومن هنا كان استغلال الفرصة التي وفرتها هذه الاعتداءات لإحداث تحول سريع في موقف الرأي العام الأمريكي ومحاولة الإيحاء بأن المملكة «دولة إرهابية تقود مجتمعاً إرهابياً».
ومما ساعد هذه الجماعات على تحقيق الهدف هو ما تمتلكه من إمكانيات هائلة وبفعل سيطرتها القوية على وسائل الإعلام والاتصال في الولايات المتحدة.
وقد اكتشفت المؤسسات السعودية المعنية، ومنها سفارة المملكة في واشنطن أن مقاومة الهجمة على المملكة والتصدي لتداعياتها أكبر بكثير من قدرات وطاقات هذه المؤسسات، وأن التحدي الإعلامي والسياسي الذي تواجهه المملكة، والذي تجسد بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر يفوق قدراتها المحدودة. ووجدت المؤسسة السعودية نفسها تناور في هامش ضيق أمام بحر هائج من الشعور الرسمي والشعبي المعادي والاتهامات التي لا نهاية ولا حدود لها. وأدركت أن صوت العقل والمنطق قد اختنق أمام صيحات المخطط المدروس الذي استغل عواطف المواطن الأمريكي العادي لتترجم إلى عداء سافر للمملكة وشعبها. وبدا وكأن أصدقاء المملكة المفترضين ضمن دهاليز السلطة وفي أوساط المجتمع الأمريكي نفسه قد تبخروا بين ليلة وضحاها، أو أنهم يشعرون بالحرج، أو تعارض المصالح الذاتية والحزبية، من تولي مهمة الدفاع عن الحق، على الرغم من إيمانهم الباطن به. لذا بقيت حملة وجهود السفارة السعودية في واشنطن والمؤسسات السعودية الأخرى ذات تأثير محدود مقارنة مع قوة وتأثير الحملة المضادة. عندها فقط أدركنا كم أن الحاجة ملحة إلى إعلام حديث وعقلاني قادر على المنافسة أمام غول الحملات الدعائية التي تستهدفنا جميعاً.
اليوم، وفي ذكرى مرور ثلاثة أعوام على الاعتداءات، وعلى الرغم من مشاركة المملكة وبشكل جدي وحازم في الجهود الأمريكية والدولية لمكافحة الإرهاب، وعلى الرغم من تراكم الأدلة على أن المملكة وشعبها هم أنفسهم كانوا ولا يزالون ضحية الأعمال الإرهابية، والأهم من كل هذا وذاك، صدور التقرير النهائي الخاص بتحقيقات الكونغرس الأمريكي الشاملة والدقيقة، والذي صدر في يوليو الماضي، حول اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، والذي أكد وبشكل قاطع عدم تورط المملكة حكومة، وشعباً، أو عائلة حاكمة في الاعتداءات، بشكل مباشر أو غير مباشر، على الرغم من كل ذلك تبقى المملكة في قفص الاتهام، وتبقى على قائمة الأعداء. فلأغراض معروفة، تم تجاهل مصالح وثيقة للشعب الأمريكي وصداقة متينة من أجل أنانية حفنة من الذين استطاعوا أن يصنعوا رأياً عاماً موهوماً لمعاداة السعودية. وضاعت وسط ضجيج الحملات الدعائية المفتعلة عقلانية الخطاب السياسي.
ومع تصاعد الحملة الانتخابية الرئاسية في أمريكا، نجد أن مرشحي الرئاسة يجدون ضرورة التزام الموقف السلبي من المملكة، وذلك بغض النظر عن الحقائق التي كشفتها السنوات الثلاث الماضية. وقد علق أحد الأصدقاء الأمريكيين على الموقف قائلاً: يجب عليكم أن تفهموا موقف المرشح الرئاسي جون كيري. إن كيري لا يستطيع أن يسبح ضد تيار الرأي العام الأمريكي الذي لا يزال ينظر إلى الدولة والمجتمع السعوديين نظرة سلبية. إن مهاجمة وانتقاد المملكة أمسيا مطلباً انتخابياً لتعزيز شعبية المرشح وإظهاره بمظهر المصمم على مكافحة الإرهاب. وما لا يُقال، ولم يُقَلْ هنا، أن معاداة العرب والإسلام ينبغي أن تكون الشعار الأساسي لكل مرشح رئاسي، وما معاداة المملكة إلا أحد أصداء هذا التوجه! فالجميع يعرف ما الثقل الذي تمثله المملكة بالنسبة للمسلمين.
لكننا من جانبنا علينا أن نتحلى بالشجاعة ونتحمل قسطــاً من مســؤوليــــتنا لأننا فرطنـــا في منح الإعلام المكانـــة التي يستحـــقها في عالم اليوم والغـــد، فـــهل نستطيع أن نستدرك الأمر لنصنع إعلاماً عربياً وإسلامياً ملتزماً بقضـــايانا ولكنه يحـــاكي الإعلام العالمي تطوراً وتقنيات؟

Facebook
Twitter
YouTube
LinkedIn
Scroll to Top