Articles

Articles

Articles

دور الفضائيات الــــعربية

لقد أصبحت معظم الفضائيات العربية ضيفاً ثقيلاً، فهي تدخل بيوتنا من دون استئذان، وتصر على أن تجتر نفسها عنفاً وخلاعة ومللاً وانسلاخاً من قضايا الوطن والمواطن.
ولم يعد خافياً على أحد الدور الذي تلعبه المحطات الفضائية في رسم السياسات المحلية والدولية، وتشكيل مسارات الفكر، وتحديد معالم المناخ السياسي في المجتمعات المختلفة.
يعيش عالمنا العربي ازدحاماً في سماء الفضائيات العربية، حيث تبث أكثر من مائتي محطة تلفزيونية عربية تغرقنا بوابل من النشرات الإخبارية والتحليلات السياسية والبرامج التعليمية والدينية والطائفية والعرقية والتجارية والرياضية والترفيهية ومنوعات للأطفال وغيرها. ومن المؤسف حقاً أن هذه المحطات، وبسبب ما يعانيه معظمها من إفلاس فكري وقصور على مستوى الإبداع، لم تأتِ بجديد بقدر ما تكرر ما تبثه القنوات الأخرى، وأصبح بعضنا يتابع بعض البرامج الوثائقية والمسلسلات، بما في ذلك حروب القرن، أكثر من مرة في محطات عديدة، زيادةً للمتعة!
وإضافة إلى اضطلاع هذه المحطات بمهام نشر المعلومات وتوصيل الرسائل للطرف الآخر ودورها الثقافي والترفيهي، فإنها تبث في بعض الأحيان فقرات وبرامج تؤثر سلباً في أسرتنا العربية وقيمها الأخلاقية، فلا تسلم منها أمٌ أو طفلٌ أو شابٌ لما تحتويه برامجها من عنف في الصور المتحركة بالنسبة للأطفال، ومن مشاهد الخلاعة التي تُفسد سلوكيات الشباب.
وبغض النظر عن الإيجابيات والسلبيات لهذه القنوات الفضائية، فإن لها أدواراً مهمة على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وهي تتحمل مسؤولية أخلاقية جسيمة. فعلى هذه المحطات أن تلتزم الحياد بين مختلف التيارات الفكرية، وأن تفسح المجال لطرح وجهة نظر الأطراف الأخرى، لا أن تكون بوقاً لصالح طرف على حساب طرف آخر، كما يحدث في المعارك الانتخابية في العديد من الدول العربية.
ليس من قبيل المبالغة القول إن القنوات الفضائية يجب أن تساهم في صياغة سياسات المستقبل، وأن تتحمل أمانتها ومسؤولياتها الأخلاقية، وتلتزم الأمانة والصدق والموضوعية والتوازن في الطرح، وأن تضع نصب أعينها الارتقاء بفهم المشاهد وذوقه، لا أن تكون أسيرة المعلن التجاري. فالمحطات الفضائية التي تعتمد في تمويلها على الشعب (الجمهور) تحظى باحترام كبير، كما هي حال الفضائية اليابانية (NHK) والمحطة الفضائية البريطانية (BBC World). فبالرغم مما يمكن أن يُوجَّـه لهذه المحطات من انتقادات، فإنها تظل محطات الشعوب، لأنها تعتمد في تمويلها على المشتركين وليس المعلنين.
إن محطات التلفزيون مُطالـَـبـة اليوم أكثر من أي وقت مضى ووسط هذه الفوضى العارمة بأن توفر الشروط اللازمة لنيل المصداقية في أوساط المواطنين والمتابعين. ويبدو أن من بين الأولويات المحتمة في هذا الإطار عدم التركيز المفرط على الجوانب الرسمية من نشاطات الأمة، والسعي بدلاً من ذلك إلى ملامسة مشاغل وهموم المواطنين وعرض قضاياهم العامة والخاصة.
فمثلاً مشكلات المياه الصالحة للشرب والإنارة في القرى والبلدات الريفية وحتى في بعض ضواحي المدن العربية الكبرى هي قضايا حَريٌ بأن تجد لها مساحة مناسبة ضمن التغطيات الإعلامية على مختلف المحطات العربية.
إن مشوار التنمية في كثير من البلدان العربية لا يزال طويلاً، وعلى الإعلام أن يرقى إلى مستوى التحديات. كما أن مشكلات الشباب العاطلين عن العمل والخريجين لن تجد معالجتها الإعلامية المناسبة من خلال اختصار هموم الشباب في بعض الفقرات الترفيهية على هذه المحطة أو تلك.
ولا شك في أن دور المحطات الفضائية العربية في نشر ثقافة عربية في مجال حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، على سبيل المثال لا الحصر، مطلوب بإلحاح لجعل المواطن أكثر قدرة على المشاركة العملية في عمليات الإصلاح السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
خلاصة القول إنه يجب أن تتبوأ قضايا الشعب وهموم المواطن والعمل على تثقيفه والارتقاء بمستوى إدراكه ووعيه سلم أولويات هذه المحطات، وأن تحرص على كل ما يخدم صالح البلاد والعباد..أم أن هناك ما هو أهم؟

Articles

دول مجلس التعاون واليمن: آفاق وتحديـــات

يعتبر موضوع موقع اليمن ودوره فى مجلس التعاون الخليجي من الملفات المهمة المطروحة على أجندة المجلس، وبخاصة في ظل التحولات والتحديات الإقليمية والدولية التي تشهدها المنطقة. وعلى الرغم مما قد يساق من سلبيات أو إيجابيات قد تنشأ عن انضمام اليمن إلى دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه لابد من التأكيد على أن قرار قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في مسقط (30 – 31 ديسمبر 2001) حول قبول انضمام اليمن إلى عدد من مؤسسات المجلس غير السياسية وهي: مجلس وزراء الصحة ومكتب التربية ومجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية ودورة كأس الخليج لكرة القدم قرار مهم نظراً لأهميته وآثاره الكبيرة في مستقبل التعاون في شبه الجزيرة العربية في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. كما أودّ أن أؤكد أن توقيت هذا القرار، على عكس ما يعتقد الكثيرون، لم يأت متأخراً، ولكنه اُتخذ في الوقت المناسب. ولم يكن القرار، كما يعتقد بعض الإخوة اليمنيين جبر خواطر، بل هو خطوة بالاتجاه الصحيح، خصوصاً أنه كانت هناك مجموعة من القضايا المعلّقة التي كان لا بد من تسويتها قبل الإقدام على اتخاذ مثل هذا القرار.
ولكن نظراً لمرور أربعة أعوام على هذا القرار، فإنه من المناسب تقييم نتائجه بشكل موضوعي، خاصة في ظل وجود شعور لدى عناصر من النخبة اليمنية وقطاعات من الشعب اليمنى مفاده أن القرار لم يحقق الأهداف المرجوة منه، وقد عبر بعض المسؤولين اليمنيين عن عدم رضاهم بشأن النتائج التي تحققت على الأرض.
وبالعودة قليلاً إلى الوراء يمكن القول إنه قد تراكمت العديد من الأحداث قبل قيام مجلس التعاون، وتلاحقت الكثير من المواقف بعد قيامه، أدت مجتمعة إلى تأخير انضمام اليمن إلى المجلس. ففي 26 سبتمبر 1962 قامت الثورة في اليمن بقيادة عبد الله السلال، وأطاحت بالإمام محمد البدر، وحظيت بتأييد الرئيس جمال عبد الناصر عندما أرسل قوات مصرية لتثبيت الحكم الجمهوري في اليمن. واستمرت الخلافات اليمنية – السعودية حتى انسحاب القوات المصرية من اليمن بعد هزيمة يونيو 1967.
وعلى صعيد آخر كان اليمن الجنوبي لا يزال يرزح تحت الاحتلال البريطاني حتى انسحاب القوات البريطانية في نوفمبر 1967، واستلمت الجبهة القومية السلطة، وأعلنت قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، واختارت أن تتحالف مع الاتحاد السوفييتي، الأمر الذي لا يتوافق وتوجهات النظم السياسية في دول الخليج. كما وسبق لليمن الجنوبي أن تحالف مع أثيوبيا وليبيا عام 1974، وانشغلت دول المجلس كذلك بالحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988) وتبِعاتها على المنطقة. كما انضم اليمن الشمالي إلى التحالف مع العراق والأردن ومصر عام 1989 في إطار ما كان يعرف آنذاك بـ «مجلس التعاون العربي». واختار اليمن أن يقف إلى جانب العراق وتأييده بعد غزوه للكويت. أما على صعيد العلاقات المباشرة مع جيرانه، فقد كان بين اليمن من ناحية، والمملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان من ناحية أخرى، خلافات حدودية لم تتم تسويتها إلاّ بعد توقيع اتفاقية الحدود بين اليمن وعمان عام 1992، وبين اليمن والسعودية في يونيو 2000.
أضف إلى هذه القائمة من الأحداث، الحرب الأهلية التي نشبت في 27 أبريل 1994 بسبب محاولة بعض القيادات الجنوبية الانفصال عن الشمال. كانت هذه من أهم العوامل المعوّقة والتي أجّلت انضمام اليمن، ولو جزئياً، إلى مجلس التعاون الخليجي. لذلك يمكن القول إن تسوية جميع هذه القضايا العالقة خلال العقود الماضية إضافة إلى إدراك القيادة السياسية اليمنية لتداعيات موقفها من الغزو العراقي للكويت، وكذلك موقف اليمن من التعاون الأمني الدولي في مجال مكافحة الإرهاب خاصة بعد الاعتداء على المدمرة الأمريكية (يو إس إس كول) عام 2000 وأحداث 11 سبتمبر 2001 والموقف الرسمي اليمني منها، وتخوف دول المجلس من احتمالات توجيه ضربة عسكرية أمريكية ضد اليمن، جاء كل ذلك بمثابة المقدمة الطبيعية والمنطقية لاتخاذ هذا القرار وفي الوقت المناسب.

إن تناول الأبعاد المختلفة لقرار ضم اليمن إلى بعض أجهزة المجلس وما ينطوي عليه من إيجابيات وسلبيات، يفرض علينا أن نكون موضوعيين دون التسرع في عملية دمج اليمن بالمجلس وعدم القفز إلى نتائج وتوقعات لا يمكن تحقيقها بالسرعة المتوقعة، ولكن هذا لا يعني بحال من الأحوال تجميد دور اليمن في المجلس عند هذا المستوى لفترة طويلة، مما يرتب على الجانبين مسؤولية تهيئة الأوضاع والظروف التي من شأنها تعزيز دور اليمن في المجلس على نحو يفضي إلى تمتعه بالعضوية الكاملة خلال فترة زمنية مناسبة.
إن المعطيات التي تدعو للتفاؤل عديدة، فاليمن جزء لا يتجزأ من شبه الجزيرة العربية، فالدين واللغة والتاريخ والآمال والتطلعات والهموم واحدة والعادات والتقاليد متقاربة، كما أن انضمام اليمن إلى بعض مؤسسات المجلس سيجعله عنصراً مهماً في معادلة الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة العربية. فاليمن وإن لم يكن جزءاً من السياسات الدفاعية والأمنية لدول الخليج، إلاّ أنه يمثل عمقاً استراتيجياً لهذه الدول، وخصوصاً أنه يشرف على مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر وخليج عدن، ويطلُّ على أحد أهم خطوط الملاحة في العالم. وفي ظل انتشار التطرف والإرهاب وتهريب المخدرات والأسلحة وغسيل الأموال وغيرها من أعمال الجريمة، سيكون اليمن أكثر حرصاً على أمنه وأمن دول الخليج، كما أن تطلّع اليمن إلى الانضمام الكامل إلى مجلس التعاون سيؤثر في تحديد خياراته السياسية باتجاه العمل الخليجي – اليمني المشترك.
أما على الصعيد الاقتصادي فإن انضمام اليمن، ولو جزئياً، إلى مجلس التعاون سيضاعف من حجم السوق المتاحة أمام المنتجات والسلع الخليجية، وسيزيد كذلك من مساحة الرقعة المتاحة للاستثمار الخليجي في اليمن والاستفادة من اليد العاملة، كما سيساهم هذا الانضمام في مساعدة دول المجلس على إصلاح الخلل في التركيبة السكانية التي تعاني منها بعض دول المجلس بسبب كثافة العمالة الآسيوية وما يترتب على ذلك من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية. ورغم التسليم بأهمية هذه العوامل الإيجابية لانضمام اليمن إلى بعض مؤسسات مجلس التعاون، فإنه لا بد من الإشارة إلى بعض الجوانب السلبية والتحديات التي فرضها – ويفرضها – هذا الانضمام على أمل أن يساعدنا ذلك على الخروج بفهم موضوعي ومتوازن لهذه الخطوة المهمة وتداعياتها.
إن قرار انضمام اليمن إلى بعض مؤسسات المجلس أدى إلى رفع مستوى التوقعات لدى عامة اليمنيين إلى حد خلق اعتقاد لدى الكثيرين منهم مفاده أن هذه الخطوة ستشكل حلاً لجميع مشكلاتهم الاقتصادية والمعيشية، إذ ينظر هؤلاء إلى القضية من زاوية المساعدات الاقتصادية التي يمكن أن تقدمها دول المجلس لليمن، دون الأخذ في الاعتبار أن دول المجلس لها متاعبها ومشكلاتها الاقتصادية التي لم يخفف منها سوى الارتفاع في أسعار النفط خلال الآونة الأخيرة.
وبالرغم من أن دول المجلس تحرص على تقديم كل مساعدة ممكنة انطلاقاً من مسؤولياتها الإسلامية والقومية، إلاّ أن المسألة ليست بهذه البساطة في مواجهة التوقعات الكبيرة. فاليمن – وبحسب تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2001 – يعاني من مشكلات بنيوية يتطلب حلّها مبالغ طائلة وجهوداً يمنية مضنية، فالبنية التحتية والمرافق العامة ضعيفة، كما يبلغ متوسط الدخل السنوي للفرد في اليمن حوالي 360 دولاراً، ويزيد معدل التضخم السنوي على 7.5 في المائة، في حين يزيد معدّل النمو السكاني السنوي على 3.7 في المائة، ويصل معدّل البطالة إلى 35 في المائة. أضف إلى ذلك أن الميزان التجاري اليمني يعاني من عجز يصل إلى حوالي 300 مليون دولار، كما تبلغ الديون الخارجية 4.5 مليار دولار، في الوقت الذي لم يتجاوز معدل النمو في الاقتصاد اليمني، وبحسب المصدر نفسه 3.6 عام 2000. ولم تتحسن الأوضاع كثيراً خلال السنوات التي أعقبت صدور هذا التقرير، ولعل أحداث العنف الشعبي التي شهدها اليمن مؤخراً، والتي اندلعت لأسباب اقتصادية وراح ضحيتها قتلى وجرحى، تقف شاهداً على ذلك.
إن وجود اليمن كعضو في مجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية خلق توقعات طموحة بفتح الباب أمام العمال اليمنيين للعمل في دول المجلس. صحيح أن الأيدي العاملة اليمنية تحتل مكانة مهمة في دول الخليج وخصوصاً في المملكة العربية السعودية، حيث وصل إجمالي عدد المقيمين فيها حتى نهاية 2001 إلى 625.669 نسمة موزعين على النحو التالي:
(245.783 عمال ذكور و14.420عاملات و149.712 مرافقين ذكور و125.754 من الإناث بمن فيهم الزوجات)، لكن المشكلة تكمن في كون العمالة اليمنية في معظمها غير ماهرة، في حين أن دول المجلس تحتاج إلى مهارات فنية لمواجهة متطلبات النمو ورفع قدرتها التنافسية في الأسواق الخارجية. لذلك قد يكون من المفيد أن يقوم وزراء العمل والشؤون الاجتماعية في دول المجلس بتشجيع الحكومة اليمنية على زيادة برامج التدريب الفني وتأهيل الأيدي العاملة اليمنية للاستفادة من تسهيلات العمل في هذه الدول.

من المؤكد أن وجود اليمن كعضو في مجلس وزراء الصحة ومكتب التربية لدول مجلس التعاون سيؤدي إلى مسؤوليات جديدة تتحملها دول المجلس لدعم تلك القطاعات. لكن المشكلة هنا ليست في هذه الالتزامات وحسب، بل في درجة التوقعات، التي سبق وأشرنا إليها أيضاً. فالقطاع الصحي في اليمن يواجه الكثير من المشكلات، كما أن قطاع التعليم ليس أفضل حالاً، لذلك سيترتب على وزراء الصحة والتعليم في دول الخليج حضّ الحكومة اليمنية على ضرورة زيادة اهتمامها بتلك القطاعات، بما في ذلك تقديم مقترحات عملية للتعاون استناداً إلى خبرة دول المجلس في هذه المجالات، مع التأكيد على أن دول مجلس التعاون لا تزال بحاجة لمزيد من التطوير والتحديث في قطاعي التعليم والصحة.
على صعيد آخر، فإن اليمن لا يزال يعاني من بعض الاضطرابات بسبب عدم بسط نفوذ الدولة المركزية على كافة الأقاليم والنزاعات القبلية وانتشار الأسلحة، حيث تفيد تقديرات وزارة الداخلية اليمنية بوجود ما لا يقل عن 60 مليون قطعة سلاح متنوعة، وكذلك غياب مظاهر النظام والقانون، كما تدل على ذلك عمليات اختطاف الأجانب طلباً للفدية، التي انتشرت في بعض الفترات. ويرى البعض أن استمرار النزاعات القبلية بعيداً عن سيطرة الحكومة إضافة إلى توفر الأسلحة يهددان الأمن والاستقرار في اليمن، الأمر الذي قد ينعكس على دول الجوار.
أضف إلى ذلك أن التفاوت في مستويات المعيشة واختلاف درجات النمو الاقتصادي بين اليمن ودول المجلس يخلقان حالة من عدم التوازن تضر بعملية التكامل والاندماج. من هنا كانت سياسة الاتحاد الأوروبي تركز على ضرورة ردم الفجوة الاقتصادية كشرط للانضمام إلى الاتحاد. ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى ضرورة دعم الحكومة اليمنية في جهودها لمكافحة زراعة القات وتعاطيه بسبب مضاره الصحية والاجتماعية ودوره في تعطيل طاقة العمل وإعاقة مسيرة البناء والتطوير.
بعد هذا السرد الموجز لآفاق وتحديات وصعوبات انضمام اليمن إلى دول مجلس التعاون الخليجي، تبقى الحقيقة المهمة متمثلة بأن مكانه الطبيعي هو بين أشقائه دول مجلس التعاون. ولكن حرصاً منا على نجاح هذه الخطوة وما قد يتبعها من خطوات ندعو إلى الأخذ في الاعتبار الاقتراحات التالية التي يمكن تدارسها كي تؤدي إلى تفعيل التعاون والتكامل بين دول المجلس واليمن:
٭ تفعيل دور الأمانة العامة لمجلس التعاون على تنمية وتطوير العلاقة بين دول المجلس واليمن وافتتاح قسم مختص في الأمانة لمتابعة هذا الشأن.
٭ قيام دول المجلس بمساعدة الحكومة اليمنية في تدريب الكوادر الإدارية لتطوير وتحسين أدائها في الدوائر الحكومية.
٭ تقديم مساعدات اقتصادية إضافية لليمن بحيث تخصص لبعض القطاعات ذات الصلة بتفعيل العلاقة بين الجانبين، خاصة أن الارتفاع الكبير في أسعار النفط يمثل عاملاً مساعداً على ذلك.
٭ تشجيع الحكومة اليمنية على إعداد برامج تدريب وتأهيل للعمالة لرفع قدرتها التنافسية في أسواق الخليج، علماً بأن ذلك يستوجب معرفة احتياجات أسواق العمالة في الخليج، وتشجيع القطاع الخاص لتوظيف العمالة اليمنية بموجب سياسات تحد من الاعتماد على العمالة الآسيوية.
٭ بما أن السلع الزراعية تعتبر من أهم واردات المجلس، فمن الممكن تقديم الدعم المالي للمزارعين من خلال مصرف زراعي، الأمر الذي من شأنه أن يطور المنتجات الزراعية في اليمن بحسب احتياجات أسواق المجلس.
٭ تقديم تسهيلات إضافية للاستفادة من السوق اليمني لتطوير بعض منتجات دول المجلس.
٭ تشجيع الاستثمارات الحكومية والخاصة في اليمن ووضع خطة مشتركة لإقامة مشاريع بين القطاع الخاص في دول المجلس واليمن، وضمان دعم الحكومات لهذه المشاريع. علماً بأن تحقيق هذه الأهداف يستوجب خلق بيئة استثمارية آمنة ملائمة في اليمن بكل ما يتطلب ذلك من إصلاحات قانونية وإدارية ومؤسسية وتوفير الضمانات الكافية لهذه الاستثمارات.

٭ إن تقديم دول المجلس قروضاً ميسّرة ومساعدات في إطار برنامج جماعي تتبناه دول المجلس مع ضرورة التنسيق مع الحكومة اليمنية بشأن الضوابط التي تضمن توجيه هذه القروض والمساعدات إلى مشاريع إنتاجية حقيقية، سيعزز من قدرة الدولة اليمنية على مواجهة المشكلات الداخلية التي تؤثر سلباً في الأمن والاستقرار. كما أن تخفيف أعباء بعض الديون أو إسقاطها المترتبة على اليمن لدول المجلس يمكن أن يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي. ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من مبادرة قوية للحكومة اليمنية تضع فيها حداً للبيروقراطية وتحقيق درجة عالية من الشفافية ومحاربة الفساد الذي حذّر منه الرئيس علي عبد الله صالح في أكثر من مناسبة مؤكداً أنه «غول يلتهم عوائد التنمية».
نقل خبرات دول المجلس في مجال عمليات الحفر والتنقيب عن النفط، ودراسة إمكانية مد أنابيب لنقل النفط الخليجي عبر الأراضي اليمنية إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي، كما أن أي سياسات تنتهجها دول المجلس لزيادة أسعار النفط ستعود بالفائدة على اليمن.
٭ تدعيم التنسيق والتعاون بين الأجهزة الأمنية وتبادل المعلومات والتدريب بين اليمن ودول المجلس، وذلك لتفعيل مكافحة الإرهاب والتطرف وتهريب الأسلحة والمخدرات وغسيل الأموال والهجرة غير المشروعة.
وقد يكون من المفيد أيضاً أن نشير إلى ملاحظة يتعين على المعنيين أخذها في الاعتبار وهي أن ضمّ اليمن إلى مجلس التعاون سيشكل سابقة، وقد يفتح المجال لتجديد المطالب الأردنية وكذلك العراقية بالانضمام للمجلس، ويعيد إلى التداول مقولة إيران بأن أمن الخليج لا يمكن أن يكتمل من دونها. فهل نحن مستعدون حقاً لمواجهة هذه التوجهات وما تفرضه من تحديات؟
هذه تساؤلات بحاجة إلى تفكير عميق وتحليل ودراسة متأنية على أمل التوصل إلى أفضل القرارات الممكنة لما فيه مصلحة شعوب المنطقة، حيث إن تمتع اليمن بالعضوية الكاملة في المجلس أمر له متطلباته التي يجب أن تتكاتف جهود الجانبين من أجل إنضاجها، كما أن له محاذيره النابعة من رغبة أطراف أخرى في الانضمام للمجلس، والتي يتعين على دول المجلس التحسب لها والتفكير في كيفية التعامل معها.

Articles

النفط والمحافظة على البــــــــيئة

تتمتع منطقة الخليج بثروة من الموارد، لكنها تكدِّس في الوقت ذاته ركاماً من المخلّفات والنفايات، ويعود ذلك جزئياً إلى تعرض الطبيعة للإهمال في غمرة السعي نحو التنمية. ومن العناصر التي تسبب قلقاً متزايداً تفاقم نقص المياه وزيادة معدلات إفراز القمامة والنفايات وتصاعد التلوث الجوي والبري والبحري والتبعات الناجمة عن التوسع المدني السريع.
ويُضاف إلى ذلك أن القضايا البيئية في المنطقة ذات صلة قوية بأعمال إنتاج ومعالجة ونقل النفط والغاز الطبيعي. ويبلغ إسهام منطقة الخليج في إجمالي الإنتاج العالمي من النفط نحو 30 ٪، أي 22 مليون برميل يومياً. ويتعين على المنطقة زيادة حصتها في الإنتاج العالمي، إذ إن إجمالي الطلب سوف يزداد بنسبة 50٪ ليبلغ 100 مليون برميل يومياً خلال الأعوام العشرين المقبلة. ويعني هذا جعل البيئة أكثر هشاشة أمام عوامل التلويث. وتسيطر دول الخليج حالياً على نحو 40٪ من إجمالي احتياطيات الغاز المؤكدة في العالم، ومن الأكيد أن حصتها الحالية من الإنتاج العالمي والبالغة 10٪ سوف تزداد مستقبلاً، وذلك استجابة لحقيقة أن الغاز سيكون «وقود المستقبل»، وتجتمع هذه العناصر كلها لكي تبرز الحقيقة الساطعة، وهي أننا أمام تحدٍ بيئي كبير.
يرتبط التلوث البحري بالنفط المستخرج من الحقول البحرية وبالصادرات وما يتسرب من السفن، عدا عن أن ازدياد مساحات وسكان المدن يؤدي إلى إلقاء نفايات ومخلّفات ضارة ومواد كيميائية سامة في الماء من النفط المستخرج من المنصات البحرية. وتشير التقديرات المتحفظة إلى أن 1.5 مليون برميل من النفط تتسرب سنوياً في مياه الخليج، وتوضح أن تنظيف كل سبعة براميل منها يكلف 1400 دولار. كما أن مياه الفضلات المحمّلة بالأملاح التي تـُـضَـخّ في الخليج أثناء عملية استخراج النفط تسهم في زيادة ملوحة مياهه، وتمثل تهديداً جاداً للحياة البشرية والبحرية.
وهناك من المبررات ما يدعو إلى التسليم بهذه التقديرات، لأن 45٪ من تجارة النفط الخام البحرية في العالم تمر عبر هذه المنطقة. وتبحر في مياه الخليج يومياً نحو 100 ناقلة نفط تتخلص سنوياً من ثمانية ملايين طن من الرواسب النفطية خلال إبحارها. إلى جانب إفراغ الماء الممتزج بالنفط، فإن عدداً من هذه الناقلات تغسل خزاناتها أيضاً وهي في الخليج، وتقذف بمياه الغسيل القذرة في البحر أو على الشواطئ.
وهذا ما يجعل من غير المستغرب أن يُصنَّف الخليج في المرتبة الرابعة بين «المناطق الساخنة»، وذلك في ما يتعلق بالتسربات والبقع البترولية التي تجاوز عددها 110 بقع منذ عام 1960.
وقد أحدثت البقع النفطية تدميراً عميقاً في الحياة البحرية بما في ذلك الأحياء البحرية وغابات أشجار القرم، وبلغ من قوة وكثافة هذا التدمير أن تسبب في إلحاق الضرر بصناعة صيد الأسماك في بعض الدول وهلاك القسم الأعظم من أنواع عدة من الطيور. ومن المعلوم أن نحو 125 صنفاً من الطيور تمضي الشتاء في منطقة الخليج، بينما يمر 113 صنفاً آخر بالمنطقة خلال الهجرات الموسمية، وقد أكدت الفحوص الطبية أن الطيور المستهلكة للزيت يمكن أن تسبب السرطان وأمراضاً قاتلة أخرى للبشر.
وبينما يُعتبر الواقع الجغرافي ذاته مشكلة من حيث المياه المالحة والضحلة وقلة الأمطار وعدم توفير الموارد المائية العذبة، فإن تدخل العناصر البشرية لا يكفي لإنقاذ ما تبقى من البيئة أو تغيير الاتجاه المتدهور الراهن.
وقد قطعت التقنيات الصناعية الحديثة شوطاً بعيداً في ضمان التعامل مع النفايات والمخلّفات بأساليب رفيقة بالبيئة، ويتم حالياً تطبيق أنظمة متقدمة لمراقبة وتقليل الأضرار باستخدام مراصد الأقمار الصناعية وتشغيل الناقلات الحديثة التي تتمتع بالإمكانات اللازمة لفصل الماء والزيت كل على حدة، لكن عدداً كبيراً من شركات النفط لم تطبق بعد هذه التقنيات في أعمالها. وعلى الرغم من أن التشريعات الخاصة بذلك تدخل حيز التنفيذ الصارم سريعاً، فإن الوعي والالتزام بتطبيق الأنظمة يُعتبران عنصرين حيويين في هذه المهمة. ومن الجوانب المهمة أيضاً الاستعداد البشري والخطط الموجهة بهدف تحويل التيار باتجاه تحقيق مصالح أكبر للبيئة. ومن أجل ضمان التوصل إلى نتائج حاسمة، فإننا نحتاج إلى وضع برامج وخطط لتقليص ومنع ترسب الملوّثات النفطية في القطاع الصناعي، ويمكن تحقيق أفضل النتائج إذا ما تعاونت القطاعات الخاصة والمواطنون أيضاً.
وفي ظل عراقيل عدة تقف أمام تقدير حجم الأضرار اللاحقة بالبيئة، وذلك بسبب عدم توفر المعلومات اللازمة، وهو ما يعوق وضع وتطبيق الحلول، فقد قام مركز الخليج للأبحاث(GRC) بمبادرة متواضعة للتعامل مع هذه المسألة، من خلال إطلاق مشروع يحمل اسم «الخليج الأخضر» يعد بمثابة محاولة علمية لدراسة ومعالجة عدد من المشكلات التي تهدد البيئة في منطقة الخليج.
يهدف هذا المشروع إلى ترويج وتبني وتشجيع التفكير بقضايا البيئة في المنطقة، وذلك عبر تحديد القضايا واقتراح الحلول في مجالات الطاقة والبيئة والتنمية المستدامة، وتتمثل الخطوة الأولى نحو تحقيق هذه الرؤية المشتركة في دراسة «الخليج الأخضر»، وهي عمل ميداني يُـنـفَّـذ حالياً لوضع تقرير أولي يركز على الموارد الطبيعية للمنطقة وأوضاع البيئة فيها.
ويهدف هذا المشروع أيضاً إلى نشر الوعي بين العامة، ويستعين ببرنامج للبحث وحلقات دراسية والمشاركة الفعّالة لخبراء البيئة الإقليميين، وذلك في محاولة للإجابة عن الأسئلة التالية:
1- ما هي الاتجاهات والأنماط الرئيسية التي سادت استخدام المصادر الطبيعية بما فيها الطاقة خلال الأعوام القليلة الماضية؟
2- ما هي أهم الأسباب لهذه الاتجاهات والأنماط، بما فيها العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟
3- ما هي المبادرات الرئيسية التي تم اتخاذها لمواجهة بعض الأمور المثيرة للقلق؟
4- ما هي العراقيل التي تقف دون الإصلاح والاستراتيجيات المطلوبة للتغلب عليها؟
ونهدف أيضاً إلى مخاطبة العقول الشابة وإلى تنمية الوعي البيئي ونشر التفكير بقضايا البيئة من خلال المناهج الدراسية الأكاديمية ونشر المعلومات، لأننا نؤمن بأن الأطفال هم العنصر المحفّز للتغيير. ويتضمن البرنامج تصميم موقع تثقيفي على شبكة الإنترنت، لكي ننشئ ونزرع في الأذهان الوعي بالقضايا البيئية وإعداد موضوعات للقراءة باللغة العربية وإجراء امتحانات سريعة لجذب اهتمام الطلبة.
إننا نأمل بإخلاص في مشاركات فكرية ومالية لدعم هذا المشروع وتحقيق أهدافه من جانب وزارات البيئة والتعليم وبلديات دول مجلس التعاون الخليجي والمؤسسات والشركات العاملة في المجالات ذات الصلة بالطاقة، وأنا على ثقة بأن هذا التجاوب يمكن أن يحقق لأطفالنا الازدهار والاطمئنان، وليس مجرد الصراع للبقاء على قيد الحياة.

Articles

العمالة الوافدة والأمن الــــوطني

على مدى ثلاثة عقود متتالية، والتقارير والإحصائيات تؤكد عاماً بعد عام أن أعداد العمالة الوافدة، وخصوصاً غير الماهرة منها، في تزايد مطّرد في دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك يحدث في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد المواطنين الباحثين عن فرص عمل في أوطانهم. فتقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وكذلك الإحصائيات المحلية، يؤكدان تفاقم هذه الظاهرة، فنسبة العمال الوافدين إلى إجمالي القوى العاملة وصلت إلى حوالي سبعين في المائة في المملكة العربية السعودية، أي ما يعادل ثمانية ملايين وثمانمائة ألف عامل، وخمسة وثمانين في المائة في دولة قطر، ونحو ستين في المائة في سلطنة عمان، وستين في المائة في مملكة البحرين، ونحو تسعين في المائة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وثمانين في المائة في دولة الكويت.
لقد نُشر العديد من الدراسات والتقارير حول الانعكاسات السلبية للخلل في التركيبة السكانية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية في دول المجلس، كما أُطلق العديد من المبادرات على المستويات كافة لوضع حدّ لهذه المشكلة، ولكن النتائج التي تمخضت عنها هذه الجهود لا تزال دون التوقعات.
وفي هذا السياق، فإن هناك دراسة صدرت عن مؤسسة راند للأبحاث بشأن العوامل والتوجهات السكانية وانعكاساتها على الأمن الوطني، وهي تلقي الضوء على مدى خطورة الدور الذي يمكن أن تلعبه الجاليات الأجنبية في طبيعة الصراعات المستقبلية، وذلك من خلال استخدامها كإحدى الأدوات في صراعات قد لا تكون الدولة المضيفة طرفاً فيها، ولكن قد تجد نفسها متورطة بسبب توجهات تتبناها مجموعات مقيمة على أراضيها.
وتنطلق الدراسة بالتأكيد على أن التكتلات السكانية الوافدة في بلدان أخرى ليست بالأمر الجديد، وأنها وُجدت منذ فجر التاريخ، إلا أنها لم تُعتبر من قبل الدول المضيفة على أنها مصدر تهديد للأمن القومي إلا في حالات نادرة. ولكن التقدم الذي شهدته وسائل المواصلات والاتصالات خلال العقود الثلاثة الماضية سهّل عملية الانتقال والتواصل بين مختلف دول العالم، وجعل هذه الجماعات أكثر التصاقاً بدولها الأصلية وأكثر اهتماماً بمصالحها الوطنية. فإذا تمكنت هذه الجماعات الوافدة من تنظيم صفوفها وتعبئة قدراتها فإنها قد تصبح مصدر قلق للدول المضيفة، وخصوصاً إذا تبنت هذه الجماعات مواقف تتعارض والسياسات الداخلية أو الخارجية لهذه الدول. لقد تحولت الجاليات الأرمنية في فرنسا والولايات المتحدة، والصينية في جنوب شرق آسيا، والهندية في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وفيجي وشرق إفريقيا وغيرها من الجاليات التي لا يتسع المجال لذكرها، إلى قوى ضغط قادرة إلى حد ما على التأثير في القرار السياسي ولو بدرجات متفاوتة في الدول المضيفة.
أضف إلى ذلك أن هذه الجماعات يمكن أن تلجأ إلى جمع التبرعات وإقامة الحملات لتقديم الدعم المادي والمعنوي لمؤيديها أو تشويه صورة معارضيها في داخل الدول المضيفة أو خارجها، أو حتى ممارسة الضغوط على هذه الدول لاتخاذ مواقف قد تتعارض ومصالحها الوطنية. والأمثلة أكثر من أن تُعد أو تحصى بهذا الخصوص، ولكن الدراسة تذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الدور الذي لعبته الجماعات الكرواتية في العديد من دول العالم لحشد التأييد الدولي ضد الصرب، والجهود التي بذلتها الجماعات الأرمنية لمنع الولايات المتحدة من التقارب مع أذربيجان، كما أن جماعات التاميل كثيراً ما جمعت التبرعات، وحشدت التأييد للمتمردين ضد القوات الحكومية في سريلانكا.
إن ذكر هذه الحقائق التي أوردتها الدراسة المشار إليها يجب ألا يُفهم منه أنه تحريض ضد أحد، ولكن فقط للتأكيد على مدى خطورة التهديد الذي يمكن أن يحدثه الخلل السكاني. فإذا كانت دول كالولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا قد أنشأت مراكز أبحاث ودوائر رسمية وأجهزة خاصة لإبقاء هذه الأقليات ملتزمة بالقوانين المطبقة في هذه الدول، ومنعها من التحول إلى مصدر تهديد للأمن والاستقرار الداخلي، فما الذي يمنع دول مجلس التعاون من الأخذ في الاعتبار ولو مجرد احتمال أن تسيء بعض الجماعات الوافدة كرم

الضيافة، وترتكب ممارسات قد تهدد أمن واستقرار هذه الدول، وخصوصاً أن بعض شعوب المنطقة أصبحت أقليات في أوطانها بكل ما يحمله هذا الأمر من دلالات راهنة ومستقبلية!
وإذا كان المرء يأمل ألا تقع مثل هذه الأحداث المؤسفة التي تهدد الأمن والاستقرار، ومع التسليم في الوقت نفسه بأهمية الدور الذي لعبته الجاليات الوافدة في إعمار وتنمية الدول المضيفة، إلا أنه لا يمكن إسقاط الاحتمالات آنفة الذكر من الحسبان. ومع تزايد ضغوط المنظمات العالمية مثل منظمة التجارة العالمية ومنظمة العمل الدولية بشأن ملفات الوافدين والمهاجرين، فإنه لا بد للجهات الرسمية المعنية في دول المجلس، والمكلّفة بوضع الحلول العملية لهذه المشكلة وما تفرضه من تحديات من مواصلة جهودها وتسريع وتيرة تنفيذ الخطط والبرامج العملية لإيجاد فرص عمل ووظائف للمواطنين على أساس جدول زمني واضح ومحدد، وبالرغم مما قد يترتب على ذلك من خسائر مادية في المدى القصير، إلا أنها لن تكون حتماً أفدح من تهديد استمرار الأوضاع السكانية الراهنة بكل ما تحمله من آثار وتداعيات محتملة.

Articles

اتحاد الصحافة الخليجية: مسؤوليات وطموحــــات كبيرة

يأتي إشهار اتحاد الصحافة الخليجية مؤخراً بمثابة خطوة إيجابية نأمل أن تسهم في الارتقاء بالعمل الصحفي الخليجي وتطويره وتعزيز حرية الكلمة التي تستهدف البناء والتنمية. ويعد قيام الاتحاد نقلة متميزة في مسيرة العمل الإعلامي الخليجــــي المشـــترك بمـــا يســـهم في تطوير الكوادر الوطنية، واستـــــفادة دول مجلـــس التعاون الخليجي من تجارب بعضها بعضاً، ليس في العمل الصحفي فقط، وإنما الإعلامي بمفهومه الشامل وتوجيه الرأي العام ومواكبة المتغيرات المتسارعة في العالم. فليس معقولاً أن يكون المواطن الخليجي نهباً للإعلام الأجنبي، وغارقاً في مشكلاته المهنية والوظيفية دونما حلول!
إن هناك ضرورات إعلامية وطنية تستوجب من هذا الاتحاد الفتي وضع الخطط وآليات العمل اللازمة لتدريب كوادر جديدة مؤهلة واقتراح الحلول للمشكلات التي تعترض مسيرة الصحافة سواء المتعلقة بقوانين المطبوعات والنشر والجوانب القانونية المتصلة بالعمل الصحفي أو تلك المتعلقة بصلب الصحافة كمهنة وصناعة.
إن الصحافة الخليجية تتمتع بخصوصية متشابهة وهي الخصوصية التي دفعت لإنشاء مجلس التعاون الخليجي، ويفترض أن تدفع الاتحاد الناشئ إلى وضع خطط ورؤى تصلح لجميع شعوب المنطقة، وينتظر من الاتحاد أن يعمل بمصداقية عالية باعتباره اتحاداً مستقلاً استقلالية تامة وغير تابع لأي حكومة خليجية دون أن يعني ذلك افتعال التصادم معها، ولذلك فإن القرارات والخطط التي ستصدر عنه ينبغي أن تتمتع بالشفافية والموضوعية والشمولية.
إن هذا الاتحاد الذي تشرّفت بالمشاركة في الاجتماع التأسيسي لإشهاره في المنامة، يمكن أن يساعد على تكوين منظومة إقليمية صحفية متقاربة، إن لم تكن واحدة، تهتم بالجوانب المعلوماتية والتقنية في العمل الصحفي، حيث لم تعد الصحيفة المصدر الأساسي الوحيد للأخبار في عصر الفضائيات والصحافة الالكترونية، ولذلك فإن الدور المطلوب من الصحف اليوم يفترض أن يتطور بما يواكب إيقاع العصر المتسارع، وأن تستفيد الصحف من مساحة الوقت الممنوحة لها بين لحظة وقوع الخبر وصدور الصحيفة في التركيز على تقديم تحليلات صحفية سياسية واجتماعية واقتصادية شفافة وعميقة، بحيث تنتقل الصحف من كونها مصدراً للخبر إلى الجانب التحليلي الذي يكاد يكون مفقوداً أو شحيحاً في العديد من صحف المنطقة.
وتقع على عاتق الاتحاد مسؤولية توثيق العلاقة التي تكاد تكون مفقودة بين كثير من الصحف الخليجية والصحفيين الخليجيين، بمعنى الانتقال من علاقات الصحفي بصحف بلاده المحلية إلى صحف دول المجلس. ويعتبر إيجاد آليات للتواصل بين الصحف الخطوة الأولى باتجاه تحقيق هذه الأهداف.
إن هذا الشكل التنظيمي الأهلي الجديد سيعزز أيضاً التعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بشؤون الصحافة، مع ضرورة أن يتفاعل الاتحاد مع قضايا الإنسان الخليجي الذي يتوق إلى الإصلاح والتحديث والحرية.
إن إشهار اتحاد الصحافة الخليجية يساعد على تكوين منظومة إقليمية صحفية متقاربة إن لم تكن واحدة وإنني لأرى في تأسيس الاتحاد، كمنظمة أهلية، خطوة جوهرية لتعميق التقارب الخليجي بروح وحدة المنطقة، فلا يمكن لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أن يحقق أهدافه إذا لم تبادر شعوب المنطقة عبر أطياف المجتمع المدني إلى دمج عناصر الوحدة فيما بينها، لأن السياسة وحدها لا تقود إلى هذا الهدف، بل يفترض أن تكون الوحدة السياسية تتويجاً للوحدة المجتمعية والمهنية والاقتصادية.

كما أرجو أن تتصدر قضايا الحريات قائمة الأولويات التي ينبغي للاتحاد أن يسعى للاهتمام بها، فمن المهم أن يعمل الاتحاد على دفع دول المنطقة إلى احترام استقلالية الصحف واحترام كونها عنصراً رقابياً للدولة، وليس عدواً لها، وعنصر توعية اجتماعية وسياسية يهدف إلى تعزيز الاستقرار والسلم الاجتماعيين.
وإذ ينظر الصحفيون الخليجيون بتقدير إلى إنشاء اتحادهم، فإنهم يتطلعون إلى أن يكون الاتحاد قلعة منيعة للدفاع عن حقوقهم المهنية، ومركزاً لإعداد البحوث والدراسات الكفيلة بتطوير العمل الصحفي في المنطقة، وداعماً للاتحادات المحلية (إن وجدت) وللصحفيين كأفراد في مواجهة أية ضغوط تحدُّ من حريتهم، ودافعاً لممثلي المهن الأخرى في دول المجلس إلى تشكيل اتحاداتهم.
وما يبعث على الإعجاب أن يأتي إنشاء الاتحاد بروح وحدوية خليجية منذ البداية، لأن المتعارف عليه في التجمعات الإقليمية أن تتشكل الاتحادات المهنية الإقليمية من الجمعيات الوطنية لدول التجمع، وليكن في هذه الخطوة نبراساً لنا في ميادين أخرى.

Articles

العراق ودول الجوار: تحديــــات مشتركة

عامان مرّا على الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق، وغيرت وجه هذا البلد. ثلاثة أسابيع كانت كافية لتنقل العراق وشعبه وربما محيطه الإقليمي، من حال إلى حال. وبدت عيون المراقبين عاجزة عن الرصد المتأني والملاحظة المتفحصة لأحداث العراق وتطوراته المتلاحقة التي شهدتها ساحته وطالت شررها دول المنطقة دونما استثناء.
في هذه المرحلة الحافلة بالتحولات الحادة والمتسارعة، ليس على الصعيد العراقي فحسب، بل على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضاً، فإن مراكز الأبحاث والمؤسسات الأكاديمية، وأهل الرأي السديد في الوطن العربي ودول الجوار مُطالـَـبـون بالاضطلاع بمسؤولياتهم لتقديم قراءة علمية دقيقة لما تشهده المنطقة من تطورات لاستشراف آفاقها المستقبلية، وطرح المقترحات العملية اللازمة لكيفية التعامل معها على النحو الذي يحدّ من تأثيراتها السلبية، ويعزز من احتمالات الاستفادة مما يمكن أن تنطوي عليه من إمكانات وفرص واعدة.
إن ما حدث ـ ويحدث ـ على أرض العراق، ستكون له تأثيراته الكبيرة وتداعياته العميقة، ليس بالنسبة لمستقبل الدولة والمجتمع في هذا البلد الغني بتراثه الحضاري وموارده المادية والبشرية فحسب، بل في مستقبل الوطن العربي والدوائر الإقليمية المحيطة به، وكذلك في مستقبل النظام العالمي وما يرتبط به من توازنات وتحالفات، خصوصاً أن المسألة العراقية تشكل أحد المفاصل الرئيسية للاستراتيجية الأمريكية، التي تقوم على أساس الحروب الوقائية والضربات الاستباقية، وذلك في ظل سيطرة نزعة إمبراطورية، تغذيها هيمنة المحافظين الجدد على مراكز القرار في واشنطن.
ولعلها من قبيل المفارقات التي تطالعنا بها العلاقات الدولية، بأن واحداً من أهم أسباب الحرب التي شنتها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها على نظام صدام هو اتهامه بافتعال الأزمات مع جواره الإقليمي ودخوله أكثر من حرب معها، ونزعة العداء التي تملكته في علاقاته الإقليمية. لكن الملاحظ أنه وبعد زوال نظام صدام، نجد أن علاقات العراق مع جواره لم تتحسن إن لم تكن قد تفاقمت سوءاً، فهناك اتهامات عراقية لأكثر من دولة جارة له بأنها تعمل على مساعدة الإرهاب، ورعاية الأعمال التخريبية وإثارة حرب أهلية. بالمقابل فإن العديد من دول الجوار العراقي باتت تنظر إليه بارتياب فهي تعتقد بأن بغداد ستكون الأداة بيد الاستراتيجية الأمريكية إزاءها، وتقدم النموذج للطريقة التي يمكن أن تنتهي إليها نظمها، الأمر الذي جعل ظلال الارتياب والعداء بين الأطراف تتصاعد.
إن بلورة مقترحات عملية تسهم في تعزيز هذه العلاقات، وتقييمها على أسس سليمة، تتجاوز إرث الماضي وهواجس الحاضر، وتتطلع بثقة وتفاؤل إلى المستقبل، بحيث يكون العراق عامل أمن واستقرار في المنطقة، تبدو أمراً بالغ الأهمية. ولا شك في أن للدول المجاورة للعراق دوراً إيجابياً وفعالاً في تأكيد سيادته، وضمان وحدته الإقليمية، وسلامة أراضيه، فضلاً عن تعزيز جهود إعادة الإعمار في بلد أنهكته الحروب والحصار والاحتلال.
ويبدو أنه لا بد من العمل على إيجاد رؤية تلتزم بالواقعية وتطمح للاستشراف إلى فهم مشترك بين العراق ودول الجوار لمواجهة التهديدات لاستثمار الفرص القائمة والمحتملة لتعزيز علاقات العراق مع الدول المجاورة له واستثمارها والانطلاق منها، فضلاً عن الوقوف على القضايا الخلافية الحقيقية ذات الانعكاسات السلبية والعمل على حلها وتسويتها بشكل جذري، وعلى أسس سليمة وواضحة تعزز أجواء الثقة المتبادلة، وتؤسس لمرحلة جديدة في علاقات العراق مع جواره.
إن واقع ومستقبل العلاقات بين العراق والدول المجاورة له تحكمها عوامل واعتبارات عديدة ومعقدة، بعضها يتعلق بالأوضاع والتطورات الداخلية في هذه الدول، والآخر بالبيئة الإقليمية والدولية المحيطة، وما تفرزه من تأثيرات بالنسبة للعراق ودول الجوار، وبخاصة في ظل الدور الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية، ومحاولاتها لإعادة رسم وهندسة الأوضاع في المنطقة بما يتلاءم مع أهدافها ومصالحها الاستراتيجية، وفي مقدمتها حرصها على تكريس مكانتها كقوة عظمى وحيدة في مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وانتهاء الحرب الباردة.
وإذا كان البعض يشدد على الإرث التاريخي الذي قد يلقي بظلاله على علاقات العراق مع بعض الدول المجاورة له، خصوصاً أن الخبرة التاريخية لعلاقاته مع هذه الدول ظلت لسنوات محكومة بطابع التأزم والصراع والحروب والتدخل في الشؤون الداخلية، فإن ما نتطلع إليه اليوم هو أن يتم تجاوز الماضي، ليس بالقفز فوقه، أو بالتقليل من شأنه، ولكن باستخلاص العبر والدروس التي تفيد في تأسيس علاقات راسخة بين العراق وجواره تقوم على أساس المصالح المتبادلة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتجنب استخدام القوة أو التهديد بها، والاحتكام إلى الوسائل السلمية في معالجة أي خلافات أو نزاعات.
إن تأسيس علاقات إيجابية وبـنّـاءة بين العراق والدول المجاورة لن يتحقق بالتصريحات البرّاقة، ولا بالخطب المفعمة بالنيات الطيبة، بل عبر العمل المشترك، والحوار الجاد والمسؤول بين مختـلـف الأطراف المعنية، بما يعزز من دور دول الجوار في مساعدة العراق على الخروج من الحالة الراهنة، ويدعم العراق بوصفه عامل استقرار وأمن في المنطقة.
وإذا كان هناك كثير من العقبات والتحديات في هذا الطريق، فإن مسؤولية الجميع هي البحث في كيفية تذليل العقبات ومواجهة التحديات على النحو الذي يعزز من قيام علاقات تعاون متينة بين العراق وجواره.
إن هناك حاجة إلى اتخاذ خطوات جادة من قبل جميع الأطراف من أجل إعادة بناء الذاكرة السياسية للشعب العراقي وشعوب الدول المجاورة للعراق، بما يسمح بتبديد الرؤى والصور السلبية المتبادلة، التي ترسبت لدى فئات من هذه الشعوب من جراء الحروب والاحتلال، التي أفضت إلى خلق بيئة إقليمية غير مستقرة. ولذلك، يجب ألاّ نظل أسرى الماضي على الرغم من كل ما يحمله من جراح وآلام. وهذا هو درس التاريخ الذي تقدمه لنا تجارب دول وشعوب أخرى، خاضت في السابق حروباً وصراعات طاحنة، وأصبحت اليوم نموذجاً للتعاون والتكامل والاندماج.
إن من يحاول التطاول على التاريخ والجغرافيا ويقفز فوقهما لا بد وأن يرتدا عليه. وضمن هذا المنظور، بادر مركز الخليج للأبحاث إلى تنظيم ندوة تحت عنوان: “العراق ودول الجوار: رؤى متبادلة” يشارك فيها مجموعة من الباحثين والمختصين. ويحتوي هذا العدد على ملف خاص يتناول خلاصات لأوراق العمل المقدمة للندوة، بالإضافة إلى مقالات تعالج مختلف جوانب الشأن العراقي بعد عامين من الحرب وفي أعقاب الانتخابات التي جرت في العراق مؤخراً.

Articles

نحو هيكل أمني خليـــــــجي

للجغرافيا حقائقها الصلدة التي تفرض على صنّّاع القرار أخذها في الاعتبار، ومن جبرية الجغرافيا أن إيران دولة خليجية، وهي تشاطئ دول الخليج العربية على امتداد الساحل الشرقي، وهذه حقيقة لا يمكن لأحد أن يغيِّرها أو يتجاهلها، وبالتالي فإنها تفرض على الجميع ترتيب أجواء ملائمة لمصالح مشتركة بهدف خلق بيئة آمنة تساعد على التنمية والاستقرار، فأي اختلال أمني ستشمل عواقبه جميع دول المنطقة دونما استثناء.
ولا شك فإن للدول العربية الخليجية هواجسها المبرَّرة إزاء إيران، وهي مخاوف جدية حقيقية، من دون أن يمنع ذلك أن بعضاً منها مغلّف بالوهم المبالغ فيه. كما أن لإيران هي الأخرى تساؤلاتها المشروعة حول السياسات العربية إزاءها، وحول طبيعة تحالفاتها الخارجية التي لا تزال ترى فيها طهران مصدراً للخلاف وأزمة للثقة، وكان من الأجدى أن تستثمر إيران هذه العلاقات لتكون نافذة أمامها في تلطيف أجواء علاقاتها المتوترة مع الغرب بدلاً من نظرة الارتياب، وبالتالي فإن الخطوة الأولى ينبغي أن تؤسس على محاولة كلا الطرفين إزالة سوء الفهم المتبادل بينهما، والذي تعزِّزه قوى خارجية ترى أن من مصلحتها إبقاء التوتر بين دول عائمة على بحيرة من نفط. ولا أظنه من الحصافة بشيء هذا التوقف الطويل وغير المبرَّر أمام تسمية الخليج بين “عربي وفارسي”، وجعل الخلاف في المدلولات اللفظية سبباً لمشاحنات سياسية بلا معنى، فلئن كان الخليج عربياً في جانبه الغربي فإنه فارسي في جانبه الشرقي، وهو قبل هذا وذاك “خليج إسلامي”. كما أنه سيكون من قبيل سوء الإدراك كذلك أن تحاول إيران التدخل الفظ في الشأن العراقي واللعب على تركيبته الطائفية بهدف خلق حكومة موالية لها، إذ إن ذلك سيعيد الشكوك مجدداً بالشعارات والسياسات التي سبق أن أعلنت أنها هجرتها والمتمثلة بتصدير الثورة.
ومثلما ما هو مطلوب من إيران أن تبرهن على نيَّاتها الحسنة إزاء العرب لإبعاد شبح التجارب التأريخية المريرة بين الطرفين التي ما زال بعض منها ماثلاً في الذاكرة الخليجية، فإن العرب هم الآخرون مطالبون بأن يتفهموا أن تجاهل قوة إقليمية كبرى بحجم إيران لن يعود بالنفع عليهم، فالخليج لا يمكن أن يكون آمناً من دون إيران.
إن الأخذ بهذه التوجهات يبدو اليوم أكثر من ملحّ في ظل الأجواء المشحونة بالتوتر على خلفية الوجود العسكري الأمريكي المكثف في العراق، والخلاف الذي بدأت تتصاعد وتيرته بين واشنطن وطهران حول برامج التسلُّح النووي الإيراني، التي تجعل المنطقة برمّتها مفتوحة على كل الاحتمالات، وهي احتمالات مشوبة بكل ما يدعو إلى القلق، لكن فيها ما يؤكد من جانب آخر تشابك المصالح الخليجية وتعقدها، إذ ليس من الصحيح أن تنظر الدول الخليجية إلى الأزمة الأمريكية ـ الإيرانية وكأنها أمر لا يعنيها، أو أن تنظر إليها باعتبارها محض خلاف بين دولتين ليس إلا، ذلك أن أي سيناريو مفترض لهذه الأزمة سيصيب بشرره ولا ريب دول الخليج العربية. ولعل هذا يُعد سبباً كافياً لكي يفرض عليها أن تمارس قدراً واسعاً من الدبلوماسية المرنة والتدخل الإيجابي للإسهام في حل الأزمة على نحو يحفظ مصالح الأطراف كافة، فليس معقولاً أن تبادر دول عديدة وبعيدة إلى تأكيد رؤاها ومصالحها، فيما تبقى دول مجلس التعاون الخليجي في موضع الترقب على تلِّ السلامة. ولذلك فإن من الخطأ النظر إلى الصورة النمطية في العلاقات الخليجية ـ الإيرانية باعتبارها شأناً رسمياً صرفاً، إذ إن أمام النخب الفكرية ومؤسسات المجتمع المدني دوراً مهماً في تبديد ظلال الشك المتبادل من خلال الدبلوماسية غير الرسمية التي لا تزال في حدودها الدنيا.
ولعل ما يُحمد في العلاقات الخليجية ـ الإيرانية أن كلا الطرفين استطاعا حتى الآن أن يحتويا المشكلات المزمنة بينهما، والأحداث اليومية التي تعكِّر بين حين وآخر سماء العلاقات. فالعلاقات الاقتصادية بين إيران ودول مجلس التعاون شهدت تطوراً كبيراً، حيث سجل حجم التبادل التجاري ـ على سبيل المثال ـ بين إيران والإمارات العربية المتحدة ارتفاعاً غير مسبوق وبنسبة 2500% عام 2004 مقارنة بالعام الذي سبقه، كما أن الإمارات هي ثالث أهم الأسواق بالنسبة لإيران، وهي خامس دولة في تزويد إيران بالبضائع. كما شهدت العلاقات التجارية والاقتصادية بين إيران وكل من البحرين وقطر وسلطنة عُمان والكويت والمملكة العربية السعودية تطوراً ملحوظاً أيضاً، ومن المحتمل أن تكون إيران مصدر الكويت الأول للماء العذب خلال السنوات القليلة المقبلة. ويُعد هذا التطور على الصعيد الاقتصادي تأكيداً على ترابط المصالح بين الطرفين رغم وجود الحساسية السياسية، وهو ما يجعل المراقبين واجمين باستغراب أمام إيجابية الأرقام الاقتصادية وسلبية العلاقات السياسية، وهذا ما يؤكد أيضاً أن هنالك حصافة واضحة في كيفية إدارة الأزمة التي تجعل من القواسم المشتركة أرضية للتعاون، وتنحية مصادر النزاع جانباً.
إن من المؤكد أن الأزمة الأمريكية ـ الإيرانية ليست هي المشكلة الوحيدة في البيئة الخليجية التي تعجُّ بمشكلات عدة بعض منها ظاهر وكثير منها كامن أو مؤجل. إن هذا الإدراك هو الذي يجعل العقلاء يفكرون باستنباط طرائق واقعية لإيجاد هيكل أمني خليجي يكون قادراً على إرساء مصالح متبادلة تقوم على أسس بناء الثقة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ونبذ الحروب، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وغيرها من الموضوعات الحساسة التي يشعر أبناء الخليج إزاءها بالتوجس الدائم.
إن هذه الهيكلية كما نعتقد ينبغي أن تأخذ في الاعتبار أن يكون العراق واليمن إضافة إلى دول مجلس التعاون، ركائزها الخليجية، كما وتكون إيران أحد أطرافها الفاعلة.
بهذه الطريقة يمكن أن نرى الخليج وقد أصبح آمناً ومستقراً.

Articles

خلاف لا يمكن أن يســـــتمر

بصفتي أحد مواطني مجلس التعاون الخليجي أجد نفسي مغموراً بمشاعر الإحباط العميق لما آل إليه الخلاف الذي نشأ عن اعتراض المملكة العربية السعودية على اتفاق التجارة الحرة الذي عقدته المنامة مع واشنطن، خصوصاً أن هذا الخلاف، يهدد بنسف مستقبل عملية التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي. ولعل استئثار ملف الخلاف السعودي – البحريني بالجزء الأكبر من جلسات المناقشات خلال قمة المنامة، يعكس بشكل جلي وملموس مدى حدة الأزمة وجديتها، الأمر الذي يثير تساؤلات عدة حول مستقبل مجلس التعاون الخليجي ذاته.
لا بد لي أن أشير في هذا المقام إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي، تبنت منذ فترة ليست بالقصيرة فكرة بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في دلالاتها، وتتمحور هذه الفكرة بشكل أساسي حول اقتناع دول مجلس التعاون الخليجي بأن عملية تعزيز أواصر التعاون فيما بينها، وبمساعدة مجموعة من الشركاء الرئيسيين، توفر فرصة لتحقيق أهدافها الجماعية على المديين القصير والبعيد.
وليس مستغرباً أن تتطلع شعوب دول مجلس التعاون الخليجي بعد انقضاء ما يزيد على ثلاثة وعشرين عاماً من عمر مجلس التعاون ونجاحه في تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية والأمنية الجماعية، ليس إلى استمرار المجلس فقط، بل أيضاً إلى ضرورة أن يتجاوز المجلس الأسباب الأولية التي ساهمت في إنشائه، والعمل على دعم وضمان المسار التنموي والتكاملي في المنطقة، خصوصاً أن هذا الكيان أصبح حقاً مكتسباً لشعوب المنطقة، ولا يجوز لأحد التفريط فيه مهما كانت الأسباب.
من الواضح أن الخلاف السعودي – البحريني حول إبرام البحرين بشكل منفرد اتفاق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، يصب في خانة المصالح الأمريكية. فالولايات المتحدة ظلت تمثل، ولعقود طويلة، قوة رئيسية في منطقة الخليج تحت شعار “حماية الأمن الإقليمي”. ومن خلال تضخيمها لمصادر التهديدات الأمنية المحدقة بالمنطقة، نجحت الولايات المتحدة في ترسيخ موقعها كقوة مطلقة النفوذ، وأصبحت تتدخل في جميع شؤون المنطقة بلا استثناء إلى حد أصبح معه من الصعب الوقوف في وجه المصالح الأمريكية أو حتى الاعتراض على إملاءاتها.
وفي الحقيقة، إن الاتفاق البحريني – الأمريكي، يجسد نموذجاً كلاسيكياً للنهج الذي طالما تبنته الإدارات الأمريكية المتعاقبة في مفاوضاتها مع الدول الأخرى، إذ إن الولايات المتحدة كانت، ولا تزال، تفضل التفاوض المنفرد مع دول بعينها، ولا تحبذ التفاوض مع كتلة إقليمية أو منظومة تضم مجموعة من الدول. فالولايات المتحدة تدرك تمام الإدراك، أن التفاوض ضمن الإطار الثنائي يمنحها قوة تفاوضية هائلة على عكس ما يمكن أن تحصل عليه دول مجلس التعاون من منافع وشروط تفضيلية في حال تفاوضها بشكل جماعي.
لكننا، اليوم، نجد أنفسنا أمام واقع قائم. فالبحرين والولايات المتحدة أبرمتا اتفاقاً للتبادل التجاري الحر في سبتمبر من عام 2004. وقد دفع التراشق الكلامي بين الرياض والمنامة ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير عبد الله بن عبد العزيز إلى الاعتذار عن عدم المشاركة في قمة المنامة. لهذه الأسباب، لا بد من إيجاد حل لهذه الأزمة لما فيه مصلحة جميع الأطراف المعنية وبما يخدم مصالح مجلس التعاون الخليجي نفسه. ولعل بودار الخلاف بين السعودية والكويت بشأن تأخير عبور المنتجات والسلع السعودية عبر الحدود المشتركة، يؤجِّج مشاعر القلق في المنطقة. وفي ظل التطورات الراهنة، ومن أجل إيجاد مخرج من الأزمة القائمة، فإنه ليس ثمة من خيار سوى تبني مبدأ إدارة الأزمة بكل تعقل وروية وتفعيل آلية احتواء الأضرار.
فمملكة البحرين، تؤكد أن وزراء الاقتصاد والمالية الممثلين للدول الخمس الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي (باستثناء المملكة العربية السعودية) توصلوا إلى اتفاق خلال قمة المنامة التي عُقدت في ديسمبر من عام 2004، يقضي بأن الاتفاقيات التجارية بين الدول الأعضاء في المجلس والولايات المتحدة تمثل “استثناءً بسبب الرفض الأمريكي لمفهوم التفاوض الجماعي”.

وبالتالي، فإن تخلّي السعودية عن تحفظاتها إزاء الاتفاق البحرين – الأمريكي أو حتى فرض السعودية تعرفة جمركية تبلغ نسبتها خمسة في المائة على السلع الأمريكية المُعاد تصديرها من البحرين، لا يمثل الحل الوحيد في الوقت الراهن. وباعتبار أن الاتفاق قد تم إبرامه بشكل نهائي، ومن المتوقع أن يحظى بسهولة بموافقة الكونغرس الأمريكي، فإنه يتعين على البرلمان البحريني المصادقة عليه في جلسته المرتقب عقدها في أواخر يناير 2005. وكذلك يتحتم على دول مجلس التعاون الخليجي هي الأخرى، مطالبة البحرين بضرورة الالتزام بعدم تفعيل بنود اتفاق التجارة الحرة، قبل أن تستكمل جميع دول مجلس التعاون عقد اتفاقيات مماثلة مع الولايات المتحدة. بالموازاة مع ذلك، يمكن للبحرين حماية مصالحها الخاصة من خلال طرح بند إلزامي مضاد، يشترط ضرورة الانتهاء من المفاوضات لإبرام اتفاقيات التجارة الحرة بين بقية دول مجلس التعاون والولايات المتحدة خلال فترة زمنية لا تتعدى ثلاث سنوات، على أساس أنه، في حال لم يتم الانتهاء من عقد الاتفاقيات في الوقت المحدد، يحق للبحرين المضي قدماً في تنفيذ اتفاقياتها مع واشنطن.
وفي سياق مثل هذا التفاهم، يمكن للمملكة العربية السعودية إلغاء القرار الذي اتخذته في يوليو من عام 2004 بتأجيل تدفق النفط السعودي إلى مملكة البحرين، والذي يصل حجمه إلى خمسين ألف برميل من النفط يومياً، وذلك في انتظار استكمال المحادثات بخصوص تقاسم إنتاج حقل أبو سعفة البحري بين السعودية والبحرين.
ولا شك في أن من شأن هذه الصيغة التوافقية، أن تعيدنا إلى الهدف المنشود المتمثل في إبرام دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقيات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة ضمن إطار جماعي، كما هي الحال مع كل من الاتحاد الأوروبي والصين والأردن ولبنان.
على جانب آخر، يبدو أن الخلاف القائم حول اتفاق التجارة الحرة بين البحرين والولايات المتحدة ربما يسهم في تباطؤ وتيرة المحادثات الرامية إلى التوقيع على اتفاقيات للتجارة الحرة بين بقية دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة. وباعتبار أن الأوضاع على الساحة الإقليمية شهدت جملة من التطورات المستجدة، وأن بعض الاختلاف في الرأي يطفو على السطح على غير ما كان معتاداً في الماضي، فقد آن الأوان أن تقوم دول المجلس بإعادة إحياء وتفعيل التوصيات والمبادئ التي ما انفكت تدعو إلى ضرورة تفعيل روح العمل الجماعي.
ومن وجهة نظرنا، فإن مملكة البحرين ستدرك أن المزيد من التنسيق مع الدول المجاورة لا يمكنه سوى الإفضاء إلى نتائج مماثلة، إن لم تكن أفضل بكثير، خصوصاً في ما يتعلق بقطاع التبادل التجاري، وذلك من خلال تدعيم الوحدة الجماعية. فقطاع الألبسة والمنسوجات في البحرين، على سبيل المثال، يمثل ما يربو على ستين في المائة من إجمالي صادراتها نحو السوق الأمريكية ويسهم بأكثر من ثلاثة في المائة في إجمالي الناتج الصناعي المحلي. غير أن هذا القطاع يواجه الآن أزمة متفاقمة، ومن الممكن أن يحقق هذا القطاع أرباحاً طائلة حتى في أسواق الدول المجاورة عن طريق التعاون والتنسيق.
وانطلاقاً من واقع أن حجم التجارة البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي تضاعف خلال الأعوام الاثني عشر الماضية من 7،53 مليار دولار أمريكي في عام 1990 إلى 15.14 مليار دولار أمريكي خلال عام 2002. وباعتبار أن اتفاق إقامة منطقة عربية للتجارة الحرة، دخل حيز التنفيذ في الأول من يناير 2005، فإن هناك ما يكفي من الأسباب التي تدعو إلى التفاؤل بخصوص قيام فرص لتحقيق نمو اقتصادي حقيقي على الصعيد الإقليمي الجماعي.

Articles

بوش في ولايته الثانية: نحو أجندة خليجية – أمريكية مشتركة

من المؤكد أن فوز الرئيس بوش بولاية ثانية سوف تكون له انعكاساته على السياسة الأمريكية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وفي ما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه منطقة الخليج وعلاقات واشنطن مع دول مجلس التعاون الخليجي، فإننا في مركز الخليج للأبحاث ندعو إلى العمل من أجل تطوير وتشجيع برنامج عمل مشترك يسمح بمعالجة الكثير من القضايا الملحة التي تواجه المنطقة، وذلك في إطار قناعتنا الراسخة بأنه من الممكن تطوير المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول منطقة الخليج بما يعود بالفائدة على الطرفين ويحقق مصالحهما.
ونظراً لأن منطقة الخليج تقف أمام منعطف تاريخي حاسم، فمن المؤكد أن القرارات والسياسات التي سيتم اتخاذها خلال السنوات الأربع المقبلة ستكون لها تأثيرات وانعكاسات ربما تستمر لعقود من الزمن. ومن هنا، فإنه من البديهي أن تسعى كل من الولايات المتحدة ودول منطقة الخليج إلى بذل جهود حثيثة من أجل التوصل إلى فهم مشترك حول القضايا المهمة التي تواجه المنطقة على النحو الذي يسهم في تعزيز حالة الأمن والاستقرار في منطقة الخليج. ويحدونا الأمل في أن الحوار البـنّـاء سيؤدي إلى التوصل إلى حلول دائمة لجميع المشكلات والعقبات. ومن أجل المساعدة على إنجاز هذه المهمة الحيوية، يود مركز الخليج للأبحاث أن يطرح تصوراته حول مختـلِـف القضايا الأساسية في المنطقة، وإمكانات العمل المشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الخليجية بشأن كل منها. ونعتقد أن هذه التصورات تعكس وجهة نظر الأغلبية العظمى من شعوب دول منطقة الخليج.
تشكل الحاجة إلى الإصلاحات السياسية المحور الأساسي لأي أجندة مستقبلية في دول منطقة الخليج. وفي هذا الإطار، لا بد من القول: إنه قد تم تحقيق بعض الإنجازات في هذا المجال خلال العقد الماضي،كان من أهمها: تنفيذ بعض الإصلاحات الدستورية، وتوسيع عملية المشاركة السياسية، وتدعيم الحوار الوطني الداخلي، وانتظام بعض الدول في إجراء انتخابات محلية وبرلمانية، كما أن المطالبة بتعزيز العمل بمبدأ الشفافية والمساءلة أصبحت من الأمور التي بدأت تأخذ حيزاً واسعاً من النقاش الدائر بين مختلِف الجهات. وإن كانت عملية الإصلاح قد بدأت بالفعل، فإنها بحاجة إلى أن تستمر بشكل أقوى وأن تستند إلى مبادرات داخلية ودعم خارجي حتى يتسنى إرساء أسس الشرعية الدستورية. وليس هناك من شيء يلحق الضرر بالعملية الإصلاحية أكثر من أن تبدو في نظر الشعوب وكأنها نتيجة لضغوط وتدخلات أجنبية أو تفرضها أجندة خارجية، حيث إن مثل هذا الانطباع سيؤدي إلى حالة من رفض الإصلاح من قبل الأوساط الشعبية والحكومية. ومن هنا، نؤكد بوضوح أن الإصلاح هو بالأساس عملية داخلية، تحظى فيها العوامل الخارجية بدور المساند في أحسن الأحوال، مع مراعاة أنه ليس هناك من صيغة واحدة للإصلاح تناسب ظروف جميع الدول المعنية في المنطقة.لقد شهد الوضع الحالي تعقيدات كبيرة، لأن المبادرة الأمريكية الخاصة بالإصلاح السياسي ونشر الديمقراطية في العالم العربي تفتقر إلى المصداقية وإلى ثقة وتأييد الشعوب العربية. وهناك كثير من الأسباب التي تقف وراء ذلك، من بينها السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية لعقود تجاه ملف الديمقراطية في المنطقة، إذ فضلت دوماً الاهتمام بالاستقرار على حساب الإصلاح السياسي والديمقراطي، مما جعلها تدعم نظماً تسلطية، متجاهلة مصالح وحقوق الشعوب في الحرية والمشاركة السياسية. كما أن الطريقة التي تعاملت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع القضايا العربية والإسلامية، خصوصاً الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والذي تشكل القضية الفلسطينية جوهره وقطب رحاه قد أثرت كثيراً في مصداقية واشنطن في المنطقة. وبالتالي، فإن أي جهود أو مساعٍ إضافية تقوم بها الولايات المتحدة باتجاه حل هذه القضايا ستؤدي إلى استعادة مصداقيتها في أوساط الشعوب العربية. ومن المهم أن تتركز الجهود الأمريكية في الجوانب التي يمكن أن تظهر فيها آثارها الإيجابية بشكل واضح، بحيث تشكل إسهاماً حقيقياً في تعزيز جهود التنمية والإصلاح في الدول الخليجية. لا شك في أن منطقة الخليج بحاجة إلى الولايات المتحدة، ولكن في نطاق الشراكة الإيجابية والعادلة. ومن هنا، يدعو المركز الإدارة الأمريكية إلى ضرورة مضاعفة جهودها من أجل تشجيع المجتمع المدني في دول المجلس، ودعم أنشطة الإصلاحيين السياسيين والاجتماعيين، إضافة إلى دفع جهود محاربة الفساد السياسي والاقتصادي.
من المؤكد أن الإرهاب مشكلة عالمية، حيث يؤدي إلى زعزعة الاستقرار ويقوض فرص التعايش السلمي بين الشعوب. وخلال السنوات القليلة الماضية، كانت المؤسسات الحكومية إضافة إلى أعداد من المواطنين الأبرياء من ضحايا الأنشطة الإرهابية. ومن هذا المنطلق، فإن مركز الخليج للأبحاث يدين بشكل واضح الإرهاب بجميع صوره وأشكاله. وفي الوقت ذاته، نرى أن ظاهرة الإرهاب لا يمكن أن تنفصل عن الإطار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي تبرز فيه. وعليه، فإنه لا بد من القول إن المواجهة الجدية للإرهاب لا يمكن أن تتحقق إلا بالتوصل إلى آلية مقبولة لتعريف الإرهاب، والتفريق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال من ناحية، فضلاً عن اتخاذ السياسات والإجراءات الفاعلة التي من شأنها معالجة الجذور العميقة للإرهاب من ناحية أخرى، أي من الضروري العمل بجدية من أجل معالجة أسباب الإرهاب بدلاً من التعامل فقط مع النتائج والمخرجات والأحداث. وفي هذا السياق، تبقى هناك مساحة واسعة للعمل المشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول المجلس من أجل مكافحة الإرهاب شريطة أن يستند ذلك إلى مبادئ احترام سيادة دول المنطقة، واحترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، فضلاً عن تجنب الأمور التي من شأنها الإضرار بتماسك النسيج الاجتماعي في دول المنطقة.
إذا ما استمرت الأوضاع الداخلية في العراق على ما هي عليه الآن، وإذا ما استمرت حالة عدم الاستقرار وغياب القانون السمة الرئيسية التي تميز الحياة في البلاد، فإن ذلك سيلقي بثقله وآثاره الخطيرة على دول المنطقة كافة. وبالمثل، فإن فرض حلول قصيرة الأمد لمواجهة التحديات الحالية الخطيرة لن يساعد على حل المعضلات والخلافات والمشكلات الهيكلية التي تراكمت عبر الزمن. ومن هنا، لا بد من القول: إن عملية بناء نظام ديمقراطي شرعي في العراق هي في الأساس عملية بعيدة الأمد وتحتاج إلى وقت طويل، حتى مع افتراض تحقيق نجاح فعلي في مجال إعادة الأمن والاستقرار للبلاد، وذلك نظراً لأن الأسس التي تستند إليها عملية التحول الديمقراطي في العراق ضعيفة للغاية، إن لم تكن غائبة تماماً. ومن أجل التغلب على المعضلات والمشكلات التي تواجه العراق، فإنه يتعين ألاّ يُترك العراق وحيداً، وفي الوقت نفسه، يجب ألاّ يُترك أمر تحديد مستقبله ومصيره رهين إرادة قوة احتلال مستبدة، مما يتطلب تبني نهج جديد في التعامل مع عراق ما بعد صدام حسين.
ونحن في مركز الخليج للأبحاث نرى ضرورة أن تعلن الإدارة الأمريكية عن نواياها في العراق صراحة، وأن تضع جدولاً زمنياً محدداً لما تريد أن تفعله هناك. كما يجب عليها أيضاً أن تخصص جزءاً هاماً من برنامج عملها من أجل دعم الجهود التي تهدف إلى إعادة بناء المجتمع العراقي. ونعتقد أن النموذج الأمثل الذي يجب أن تقوم عليه عملية إعادة بناء العراق هو نموذج خطة مارشال التي تم اعتمادها لإعادة بناء أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والذي نجح بالفعل في بناء الديمقراطية وترسيخ الاستقرار في دول أوروبا الغربية. ومن الضروري أن يتم تخطيط وتنفيذ مثل هذه الاستراتيجية بالتعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي والمجتمع الدولي، وذلك من أجل ضمان تأسيس نظام حكم رشيد وفاعل في العراق، على ألاّ تُستبعد من المشاركة فيه أي فئة مجتمعية أو دينية أو أي أقلية عرقية، أو أن يتم حرمانها من ممارسة حقوقها والاستفادة من مقدرات البلاد وثرواتها بشكل عادل. ومن المناسب بحث إمكانية ومتطلبات قيام دول مجلس التعاون الخليجي بالمشاركة بقوات تنضوي تحت لواء المجلس وتعمل ضمن إطار قوة سلام عربية شاملة في العراق. ومن المؤكد أن عناصر الدين والثقافة المشتركة بين أفراد هذه القوة وأفراد المجتمع العراقي من شأنها عدم إثارة حساسية العراقيين كما يفعل الوجود الأجنبي، وسيكون وجودها أكثر قبولاً من المجتمع العراقي ومخرجاً سياسياً مناسباً للحكومة العراقية أيضاً، وبالتالي فإن ذلك سيساعد على تعزيز فرص بناء الوفاق الوطني بين جميع شرائح وفئات المجتمع العراقي.
إن مركز الخليج للأبحاث على قناعة تامة بأنه لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في منطقة الخليج من دون إشراك إيران بشكل كامل في مختلِف الأطر والترتيبات الأمنية الخاصة بالمنطقة. ومن المؤكد أن إصرار إيران على بناء ترسانة عسكرية ونووية قوية يُعزى في جانب منه إلى مخاوفها الأمنية. لذلك، فإن أي جهود تنصب في إطار السعي نحو تحقيق الاستقرار في منطقة الخليج يجب أن تضم إيران بدلاً من استبعادها. ويمكن استثمار الاتفاق الإيراني ـ الأوروبي الخاص بتعليق تخصيب اليورانيوم في إيران مقابل التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بين إيران وأروربا وتشجيع هذه الخطوة والبناء عليها لكسب ثقة إيران لإرساء أسس أمن دائمة في منطقة الخليج. ويمكن تخفيف الكثير من مخاوف الإيرانيين أو القضاء عليها نهائياً عبر تسويات سلمية. ومن أجل إقناع إيران بأن مستقبلها يعتمد على استقرار منطقة الخليج، لا بد للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من لعب دور قوي ومؤثر من خلال التركيز على بناء جسور الثقة مع الجانب الإيراني، الأمر الذي سيساعد في نهاية المطاف على التوصل إلى إعلان منطقة الخليج منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وهو أمر يمهد بدوره للدخول في مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة في دول المنطقة كافة. وما يبرر الدعوة إلى مثل هذا الطرح هو وجود علاقة مباشرة بين مسألة تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة من جهة، وجعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل من جهة أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يعزز دعائم الاستقرار في المنطقة ويرسخ مبادئ التفاهم والثقة المتبادلة بين سائر الأطراف.
كما يدعو مركز الخليج للأبحاث أيضاً إلى ضرورة اتباع برنامج عملي يساعد على تعزيز الروابط الثقافية والاقتصادية بين جميع الدول والمجتمعات في منطقة الخليج، الأمر الذي سيشكل عنصراً مهماً في تسوية أي نزاعات أو خلافات سياسية أو عسكرية قد تنشأ في المستقبل. ومن الواضح أن دول مجلس التعاون الخليجي تتقاسم مع الولايات المتحدة العديد من المخاوف والاهتمامات في ما يخص مستقبل الوضع السياسي في إيران. لكن انتهاج سياسة تقوم على ترجيح كفة العصا على الجزرة تُجاه إيران يُـعـد أمراً محفوفاً بالمخاطر والأضرار أكثر مما له من فوائد ومنافع. ومن هذا المنطلق، يدعو مركز الخليج للأبحاث الولايات المتحدة إلى تبني أساليب وسياسات جديدة تُجاه إيران تقوم على العمل بشكل لصيق مع دول الاتحاد الأوروبي من أجل تطوير منهجية مشتركة والانضمام بالتالي إلى جهود دول مجلس التعاون الخليجي من أجل تحقيق الاستقرار والأمن في منطقة الخليج.
لقد ارتفعت أسعار النفط إلى معدلات قياسية، الأمر الذي يؤكد قوة أسواق النفط العالمية. ومن الجدير بالذكر أن التطورات الأخيرة لا تعكس مجرد ارتفاع مؤقت في الأسعار جاء بسبب نقص قصير الأجل في الإمدادات، ولكنه تعبير عن تغيير جوهري في أنماط العرض والطلب ترافق مع منافسة متزايدة بين صادرات النفط من آسيا والقدرات الإنتاجية التي وصلت إلى ذروتها في الدول الأعضاء في منظمة أوبك. وفي الوقت نفسه، يمكن القول: إن الزيادة على الطلب طرأت إلى حد ما بسبب تراجع قيمة الدولار الأمريكي، ومعدلات التضخم العالمية، لذلك فإن الأوضاع الحالية لا بد أن توضع في إطارها الصحيح.
إن الفوائد التي ستجنيها دول مجلس التعاون على المدى القصير تبدو واضحة: فالدول الأعضاء في المجلس بادرت إلى إعادة التوازن إلى ميزانياتها العامة، وتدعيم الاحتياطي من العملات الأجنبية، وتسديد الديون، وزيادة الاستثمارات الحكومية والخاصة. كل ذلك يُعتبر تطورات جيدة بالنسبة للمنطقة، لأن الازدهار والتنمية الاقتصادية يؤديان مباشرة إلى مزيد من الاستقرار السياسي وإلى التراجع في معدلات التوتر الإقليمي. إلا أن هناك سلبيات لأسعار النفط المرتفعة، حيث يمكن أن تؤدي إلى تمكين أصحاب القرار في دول المجلس من تأجيل أو إرجاء الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها، والتي تُعتبر ضرورية، من أجل تأمين المزيد من الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة في المستقبل بمعزل عن تذبذب أسعار النفط.
ينظر مركز الخليج للأبحاث إلى قضية النفط باعتبارها وجهين لعملة واحدة، حيث يتعين أن يعمل المنتجون والمستهلكون معاً للتوصل إلى إيجاد آلية عادلة للإنتاج والتسويق والتسعير وحماية البيئة. وبالقدر الذي لا تزال معه دول مجلس التعاون تعتمد نسبياً على عوائد النفط، فإنها تعتمد أيضاً على الاقتصاد الأمريكي ليدفع باتجاه تحقيق معدلات نمو اقتصادية، ورفع معدلات الطلب على النفط في المستقبل. وفي الوقت نفسه، فإن الدول الخليجية، التي تحتوي مجتمعة على نحو 65% من احتياطات النفط المؤكدة في العالم، تمثل أهمية استراتيجية لأمن الطاقة الأمريكي. وبإيجاز، فإن العلاقات بين دول المجلس والولايات المتحدة هي علاقات إيجابية بصفة عامة، ومن المهم أن يعمل الجانبان على استمرار الحوار الذي يحقق مصالحهما ويعود بالفائدة على الجميع.
في حال عدم توفر الجهود المنسقة التي تهدف إلى تنفيذ الإجراءات التي سبق ذكرها، فإن من المحتمل أن تتحول التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجهها منطقة الخليج إلى أزمة خانقة، وعندئذ لن تستطيع واشنطن أن تعزل نفسها عن تأثيراتها السلبية.

وفي ظل الظروف الراهنة، هناك حاجة ماسة إلى تسريع خطى الإصلاح في منطقة الخليج، وذلك من أجل تعزيز التقارب بين جميع دول المنطقة، وتوفير الأمن والاستقرار لهذه المجتمعات، وذلك كمحاولة جادة لتجنب التداعيات السلبية التي قد تنشأ من المشاكل القائمة.
إن الذين يؤيدون التوجهات سالفة الذكر، من المنطقة والعالم، يجمعون على مدى خطورة الوضع القائم، وكذلك على ضرورة انتهاج سياسات مناسبة تصب في اتجاه تحقيق التوجهات المذكورة، مما سيعزز بكل تأكيد من شرعية الأنظمة الحاكمة، ويكرس الاستقرار السياسي والاجتماعي، الأمر الذي سينعكس إيجابياً على المجتمع الدولي.والأهم من ذلك كله هو أن الوضع في منطقة الخليج الآن كما في المستقبل يتطلب حواراً حول السياسات المناسبة التي يمكن الاتفاق عليها بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون كشريكين كاملين في تقرير مصير إحدى أكثر المناطق أهمية في العالم.* الكاتب رئيس مركز الخليج للأبحاث

http://www.alarabiya.net/views/2004/11/19/8033.html

Facebook
Twitter
YouTube
LinkedIn
Scroll to Top